المغرب يؤهل الخطاب الديني رقميا لمواجهة الفكر المتطرف على مواقع التواصل

  • 12/14/2023
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تراهن السلطات المغربية على رقمنة الخطاب الديني لمحاصرة الفكر المتطرف الذي تغصّ به مواقع التواصل الاجتماعي وخلق خطاب ديني مواز يتّصف بالوسطية والاعتدال يستطيع الشباب المغربي الاقتداء به. الرباط - أكدت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية على السعي المتواصل إلى تأهيل الخطاب الديني الرسمي رقميّا “لإبراز الثوابت الدينية المغربية ونشر المادة العلمية المرتبطة بها”، ما أثار الجدل بشأن قدرة هذه الخطوة على محاصرة الفكر المتطرف على الشبكات الاجتماعية. وتعتبر الرقمنة وسيلة جيدة لتجديد الخطاب الديني، وأفادت الوزارة أنها تُوفّر اليوم 10 منصات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتُدير على موقع فيسبوك أكثر من 20 صفحة، يشترك فيها أكثر من 700 ألف”. وتحتاج هذه المنابر الرقمية تأهيل كوادر متخصصة من أجل المزيد من ارتقاء الفئات التي تستهلك المنتج الرقمي والتي تشكل غالبيتها الأجيال الحالية”، خصوصا أن الخطاب الديني الرسمية للمغرب يعدّ “مرجعية” في مقاصده وأبعاده الإصلاحية وقدراته على تجفيف منابع التطرف. ولعبت الثورة الرقمية وتطوّراتها فائقة السرعة دورا مركزيا في تشكيل الحياة الدينية الرقمية، وظهور واسع النطاق للناشطين، الذين كسروا احتكار الفاعلين الدينيين الفعليين للخطاب حول المقدس والسرديات التاريخية التفسيرية والتأويلية والإفتائية والدعوية باسم الدين والمذهب. الثورة الرقمية وتطوّراتها فائقة السرعة لعبت دورا مركزيا في تشكيل الحياة الدينية الرقمية للكثير من الشباب في المغرب ودخل ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي كفاعلين دينيين من خلال الخطابات حول الدين باستخدام التقنيات المرئية الحديثة من الفيديوهات القصيرة والصور والمنشورات والتدوينات ومعها طوفان من التسطيح والتبسيط وبعض الأكاذيب والادعاءات التي لا أساس لها من الصحة، إضافة إلى المحتوى المتطرف الذي يجد آذنا صاغية من الجيل الجديد. ويجري النقاش في المغرب بخصوص قدرة “التأطير الرقمي” على محاصرة الفكر المتطرف الذي تغصّ به الأوساط الرقمية بشكل عام، ومدى قدرة الجهات الرسمية على خلق “خطاب ديني مواز” يتّصف بالوسطية والاعتدال بشكل يستطيع الشباب المغربي استهلاكه دون “أعراض جانبيّة”. ويقول البعض إن علماء الدين مطالبون اليوم بإنشاء حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي لمحاصرة الإرهاب الإلكتروني، مع ضرورة القيام بدورات تدريبية لهؤلاء العلماء لشرح كيفية استخدام هذه الوسائط كوسائل للبناء وليس كوسائل للهدم والدمار. ونوه متخصصون أن التجنيد الإلكتروني يقوم على أساس أجندات عالمية لا ترتبط فقط بأشخاص أو تنظيمات إرهابية، بل ترتبط بدول تعمد إلى غسل أدمغة الشباب. واقترح هؤلاء إنشاء برامج موجهة إلى الشباب انطلاقا من وسائل التواصل الاجتماعي، وعدم الاقتصار فقط على الدور الذي تقوم به المساجد في الوعظ والإرشاد. واعتبر الكاتب والباحث المغربي في قضايا الفكر الإسلامي والدراسات القرآنية أحمد صابر أن “الرّهان على رقمنة الخطاب الديني بالمغرب يُشكل فرصة مهمّة في العصر الحالي إذ صار جزء مهم من الوعي يتشكّل وينبني داخل ما تقوله الرّقمية للنّاس”. العدة الفكرية لتفكيك الخطابات الرائجة، بما فيها خطابات التطرف والكراهية، هي مسؤولية مشتركة لجعل الفضاء الرقمي آمنا من الناحية الدينية وأوضح أن “الجهات الرسمية الفاعلة في الحقل الديني لا يمكن أن تسمح بترك هذا الجانب مهملا، لأن إعادة تعابير الرحمة والدفء الإنساني والتسامح والعيش المشترك هي من المقاصد الحاضرة لدى المؤسسات الدينية”. ويبرز في هذا الصدد بالنسبة إلى علماء الدين في المغرب، ضرورة توسيع دائرة الرقمنة ونشر المعلومة الصحيحة، ونشر الكتب المتصلة بالمذهب المالكي تبعا لأصوله المتصلة بنشر كل مقتضيات الفقه التي تحث على الانفتاح والمحبة، وعلى الرحمة والسلام والعلم وعلى كل ما هو جميل. وأكد أن “إستراتيجية المغرب الرسمية كانت تقدم نموذجا متفردا في السرديات التي استوعبت فكرة التطرف والغلو ودجّنتها من خلال نشر خطاب ديني مؤسساتي وسطي ومعتدل”. وتنتشر أفكار ضالة ومضللة، وخطابات محسوبة على جهات متطرفة ميدانيا، متداولة بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، والشباب يتلقونها عبر منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما يشكل نوعا من الخطورة على مناعة الجيل الحالي، ويجعل إطلاق مبادرات رسمية وغير رسمية ضرورة ملحة بحسب الباحث. وبيّن أن العدة الفكرية لتفكيك الخطابات الرائجة، بما فيها خطابات التطرف والكراهية، هي مسؤولية مشتركة لجعل الفضاء الرقمي آمنا من الناحية الدينية. ومن الممكن أيضا أن تسعف رقمنة الخطاب الديني في هدّ بعض اليقينيات التجديفية ضد الأديان بشكل عام. وأوضح صابر “نحتاج أن نبين أنه لم يعد الحديث عن القطيعة مع التراث أو مع الأديان ممكنا، وإنما أن نترجم قيمنا الدينية وندخلها في نادي الإنسانيّة مثلما فعل الكائن الغربيّ، الذي لم يدّع أنه تخلّص من تراثه الديني”، مشددا أنه “اليوم لا يستطيع أي طرف أن يقف ضد اللامتناهي، ببساطة لكوننا لا يمكن أن نتحدث عن تاريخ جديد، من خلال مفهوم القطيعة، بل يجب أن ننطلق من ثقافتنا ومن تاريخنا”. وينتشر سيل من خطابات المنشورات والتغريدات والمحتوى المرئي على تيك توك وإنستغرام، ويدور حول إدراك ومعرفة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي أو جهلهم بالأديان التي ينتمون إليها ومذاهبها؛ فهم يروّجون لأنماط التدين الشعبي الذي يزداد حضورا على مواقع التواصل دون أسس صحيحة. وفي ظل هيمنة وسائل التواصل الجديدة، لم يعد كافياً اعتماد الطرق التقليدية، كالكتب والمقالات والخطب والمواعظ، لتحصين الهوية المغربية أمام زحف التيارات المتطرفة، لأن الجيل الجديد يعتمد في استمداد المعرفة على ما تتيحه الثورة الرقمية، وهذا المجال الرقمي استغلّته تيارات متطرفة تستقطب الشباب بطرق جذابة تعتمد الصورة والحركة وأنماطا من الخطاب الذي يجد طريقه سهلا للوصول إلى أفئدة الشباب وعقولهم. وقال خالد التوزاني رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي، في تصريح لموقع هسبريس المغربي، إن “دخول الخطاب الرسمي المغربي إلى الوسائط الرقمية هو ضرورة تأتي في مسار استشعار الدولة المغربية منذ سنوات خطورة التيارات المتشددة؛ فعملت الجهات المسؤولة على اتخاذ جملة من الإجراءات لمواجهة هذا المدّ العنصري الهدّام، خصوصا المؤسسة الدينية الرسمية”. وأكد أن “المغرب بدأ تنزيل خطة متكاملة لمواجهة التيارات الشاردة منذ دعوة العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى تأطير الحقل الديني عقب أحداث 16 مايو 2003”. وأشار إلى أن “رقمنة الإرث البحثي والعلمي للشؤون الإسلامية سيمكّن من توفير مادة غنية بمؤشرات الهوية المغربية والثوابت الدينية للمملكة”، لافتا إلى أن “مشروع رقمنة الخطاب الديني يمثل اليوم حاجة ملحة لحماية الثوابت الدينية الوطنية”. ومن شأن هذا المشروع أن يملأ فراغاً في الساحة الرقمية، من حيث تعزيز الرصيد الرقمي العالمي من القيم المغربية والثقافة الدينية القائمة على الثوابت الأصيلة للمملكة، والفتاوى التي تنسجم مع خصوصية هذا المجتمع، ولها صلة بالإنسان المغربي في انشغالاته وظروفه، خلافاً للبيئات الأخرى المختلفة عن المغرب، ولذلك ينبغي اليوم دعم المشروع وإبرازه ليكون قيمة مضافة للإسلام المغربي.

مشاركة :