القاهرة - الخليج: قال ويليام فوكنر: ربما يبرهن الوقت على أنها أفضل ما كتب أرنست هيمنغواي من بين معاصريه - يقصد العجوز والبحر - هنا يحاول هيمنغواي أن يتلمس عمق وجودنا الإنساني، خلال الانتصارات والهزائم، التي تأتينا معاً، ليخبرنا أن في مقدورنا أن نكوّن أنفسنا، وأن نواجه آلامنا، مهما كان ذلك عصيباً، إنها نموذج رائع لفن السرد، فالكتابة في هذا العمل تحمل قدراً عظيماً من الأناقة والرشاقة والدهاء، هكذا وصفتها الجارديان وأشارت صنداي تايمز إلى أنها ليس بها صفحة، يمكن استبدالها أو حذفها، أو كتابتها بطريقة أخرى، وبالتالي كان ماريو فارجاس يوسا محقاً حين قال: إنها تحفة إبداعية بكل المعايير، إحدى الأمثولات الأدبية، التي تعكس على أفضل نحو ممكن وجودنا الإنساني، إنها تخبرنا بأن ثمة أملاً دوماً، وأنه حتى في أسوأ الأزمات والمآسي، يمكن لتصرف المرء أن يحوّل الفشل إلى انتصار، وأن يمنح الحياة معنى. في مصر صدرت ترجمة جديدة للرواية، أنجزها الكاتب محمود حسني، وصدرت عن دار آفاق للنشر والتوزيع، وربما يتساءل البعض: أكثر من ترجمة لرواية واحدة.. لماذا؟ أياً كانت الإجابة فإن كل ثقافات العالم تعرف أكثر من ترجمة للعمل الواحد، وربما نلتمس لدى المترجم أسباباً لإعادة ترجمة رواية ذائعة الصيت مثل العجوز والبحر، فهو يقول: هذه الرواية أجدها نصاً شديد الحساسية، نصاً لا يظهر في لغته الأصلية سوى قمة جبل الجليد، تاركاً استكشاف أعماقه، التي تتجذر في عقل الكاتب، الأشبه بالمحيط لخيالات القراء، على اختلافاتهم الثقافية. تبدأ الترجمة بصفحات عن هيمنغواي تسترشد بما قاله الكاتب الكبير، الذي فاز بجائزة نوبل بعد عامين من نشر تلك الرواية، إذ يقول: أهيئ أغلب أعمالي في ذهني، ولا أبدأ في الكتابة قبل أن تكون أفكاري منظمة، وكثيراً ما أقوم بتلاوة نصوص من الحوار بالطريقة التي ستكون عليه عند كتابتها، إني أؤمن بأن الأذن هي أحسن مراقب وحكم، ولا أكتب أي جملة على الورق، قبل أن أتيقن بأن الطريقة التي تم التعبير بها ستكون مفهومة وواضحة تمام الوضوح للجميع. اشتهر هيمنغواي بجمله القصيرة وعرضه المبسط للفكرة، التي يريد الحديث عنها، هو يكتب بوضوح وبألفاظ سهلة ومختارة بعناية فائقة لإيصال الفكرة في أنقى صورها وأصفاها، حيث يقول الكاتب جي دي سالينجر إن أسلوب هيمنغواي عبارة عن رسائل تلغراف، كما أن أسلوبه المتاح للجميع يرجع إلى كونه عمل بالصحافة فترة طويلة من عمره، فالأسلوب لا بد أن يبتعد عن الزخرفة والإطالة التي تشوش على القارئ. كان هيمنغواي يقول: إذا كان الكاتب يعرف ما يكفي مما يكتبه، فإن لديه القدرة على حذف الأشياء، التي يعرفها هو والقارئ على حد سواء، إذا كان الكاتب يكتب ما يكفي حقاً، سيكون هناك شعور بتلك الأشياء غير المكتوبة وبقوة، كما لو أن الكاتب قد ذكرها، إنها مثل حركة الجبل الجليدي. العجوز والبحر تحكي عن صياد كوبي يمر بأسوأ لحظات حظه، وأقسى أوقات محنته، حين يتوغل بعيداً في مياه المحيط، ليدخل معركة صيد مؤلمة، مع سمكة، لم ير أحد مثلها.
مشاركة :