في سنوات ما قبل ثورة يوليو 1952 كان الناقد أنور المعداوي معروفاً على نحو كبير في مصر والوطن العربي، حتى إن رجاء النقاش كتب عنه في كتابه صفحات مجهولة في الأدب العربي على النحو التالي: في الفترة ما بين 1948 و1952 لمع اسم المعداوي بسرعة كبيرة، وأصبح خلال وقت قصير، ودون أي مبالغة، أكبر ناقد أدبي في الوطن العربي كله، في تلك الفترة، وهو ما يؤكده أيضاً د. شكري عياد في كتابه الرؤيا المقيدة حين يقول: في أواخر الأربعينات كان أنور المعداوي، الشاب الذي لم يبلغ الثلاثين، مصمماً على أن يقدم نظرته الخاصة، وذوقه المتميز في النقد الأدبي، واستطاع منذ مقالاته الأولى في الرسالة أن يثير حواراً مستمراً بينه وبين عدد غير قليل من الأدباء، في شتى الأقطار العربية، فقد كان واضحاً جهيراً في عرض آرائه، ولم يكن يبالي أن يخالف آراء سابقيه ومعاصريه. وكان أن أصدر المعداوي كتابه نماذج فنية من الأدب والنقد، فكتب أحمد حسن الزيات افتتاحية العدد الصادر بتاريخ 3 أغسطس/آب 1951 من مجلة الرسالة وقال فيه: قليلاً ما أكتب عما يصدر من كتب الأدب، لأن كثيراً من هذه الكتب لا يرضيني، وليس ما يرضيني من الكتاب الأدبي شيئاً وراء الإمكان أو فوق الطاقة، إنما هو الفن ولا شيء غير الفن، والفن الكتابي على ما أرى أسلوب من الجمال المصنوع المطبوع، عنصره الأول فكرة قوية أصيلة، وعنصره الآخر صورة صادقة جميلة. ثم يمضي الزيات في تفسير هذين العنصرين، وكيف أنه يفتقدهما فيما يظهر من كتب، إلا فيما ينتجه الخواص من شيوخ الأدب الذاهبين، وكيف أن الشباب ينتجون قدراً نادراً من الكتب، التي تستوفي هذين العنصرين، وعلى رأس هؤلاء الشباب الذين شاخوا في الأدب على طراءة السن وضآلة الناتج أنور المعداوي، واختتم الزيات الافتتاحية بالإشارة إلى أن ما في أسلوب المعداوي من العصبية والنارية هو من شعلة الفن في روح الفنان، وأن الزمن وحده كفيل بتهدئة الثائر وتفتير الحار فيذهب الإحراق ويبقى الإشراق وينجاب الدخان ويخلص الضوء. وكانت أكثر معارك زكي نجيب محمود عنفاً، حين كتب افتتاحية مجلة الثقافة بتاريخ 15 أكتوبر/تشرين الأول 1951 منتقداً كتاب أنور المعداوي، واستهل مقاله بحديث عن صديقه الناقد، صاحب الكتاب، وإعجابه به، وهو يدعو للثورة ويحث عليها، لكنه فجأة يشن هجوماً حاداً عليه، فبعد أن يعلن عن فراغ حياتنا الفكرية كلها من أصالة خالقة يصل إلى المعداوي الذي يدعو إلى تقسيم الأدباء إلى شيوخ وشبان، ويسمي ذلك بدعة، ويدلل بأن أدباء الابتداع في الأدب الإنجليزي في أول القرن التاسع عشر، كانوا في مجرى الأدب شباباً نضراً تتفجر الحياة الجديدة من سطورهم، ويضرب مثالاً بوردزورث وكوليردج اللذين كانا شبابا، لكنهما خلقا كل شيء كالشيوخ. وبعد أن يلمح زكي نجيب محمود إلى صغر سن المعداوي، بما يشبه السخرية (لم يتخط الثلاثين) يصرح بشكل أكثر إيلاماً بأن كتاب هذا الشاب يخلو من تلك النماذج التي وعد بها، كذلك يخلو من الشخصيات التي لم تكن كشخصيات الإبداع، من لحم ودم تنطق وتتحرك، وراح يمعن في الهجوم الموجع على المعداوي، فهو لا يعرف غير المقال الأدبي، والمقال حيلة العاجز، ونحن لا نحب للجيل الجديد أن يفهم كذباً، أن كتابه يحتوي على نماذج، لما ينبغي أن يكون عليه الأدب الجديد. تصل السخرية بزكي نجيب محمود إلى أقصاها حين يعلن أن ما كتبه المعداوي لا يعدو أن يكون فتات موائد، فهي لا تزيد أن تكون تعليقاً على رجل أو كتاب، وعلى هذا النحو يمضي غاضباً، لا يرضيه ما كتبه المعداوي شكلاً ومضموناً، ويصل غضبه إلى أقصاه حين يختتم مقاله: إنه- المعداوي- ليس بالثائر كما رجونا لشبابه الطموح أن يكون، إنه لا يزال يسير على النهج، الذي لا بد من الثورة الحقيقية على أسسه وأوضاعه، إنه لا يخلق جديداً على نحو ما يخلق الأدباء. أغضب مقال زكي نجيب محمود الناقد أنور المعداوي فكتب رداً في مجلة الرسالة بتاريخ 29 أكتوبر 1951 فند فيه ما كتبه زكي نجيب محمود، وحمل عليه بقسوة، وأعلن في نهايته، أنه سوف يسجل في كتابه المقبل أول محاولة مذهبية في الأدب المصري، أي إنه سيبتكر مذهباً أدبياً جديداً، ويعني بذلك ما أطلق عليه نظريته النقدية الأداء النفسي التي طبقها على الشاعر علي محمود طه في كتابه عنه.
مشاركة :