حذر مختصون اقتصاديون من هبوط إيرادات السياحة في تركيا 25 في المائة هذا العام، ما سيكلف البلاد نحو ثمانية مليارات دولار، وتتمثل المخاطر في أن السياح الميسورين مثل الألمان سيختارون أماكن أخرى لقضاء عطلاتهم، بينما سيضطر الروس الذين يحتلون المرتبة الثانية في سوق السياحة التركية للابتعاد بسبب أزمة اقتصادية في الداخل وتوترات سياسية في أعقاب إسقاط تركيا طائرة حربية روسية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015. ويواجه قطاع السياحة في تركيا واقتصادها الأوسع صعوبات من جراء تفجيرات انتحارية في إسطنبول ونزاع مع الكرملين وأوقات صعبة للطبقة الوسطى في روسيا. وعززت ستة اعتداءات انتحارية في ثمانية أشهر وأزمة دبلوماسية مع روسيا المخاوف على مستقبل الاقتصاد التركي المهدد بسبب تراجع عدد السياح وملياراتهم وتنامي قلق المستثمرين الأجانب. وتبدو الآفاق أكثر قتامة بين أصحاب المتاجر في إسطنبول درة الثقافة التركية، التي شهدت في مطلع الأسبوع الثاني من آذار (مارس) هجوما انتحاريا يستهدف سياحا في المدينة هذا العام. وبعد أيام على هجوم انتحاري في شارع الاستقلال المزدحم الممتد كيلومترين في قلب إسطنبول خفت كثافة الحشد الذي يرتاده يوميا، وبدأت الفنادق والمطاعم والمحال الكثيرة على جانبيه تعد خسائرها. لكن رغم البرودة النسبية في ردة فعل الأسواق على هذا التفجير الدامي الأخير في سلسلة طويلة، يخشى المحللون تبعاته في بلد يعاني أصلا نموا هشا وعجزا عاما كبيرا وتضخما مرتفعا. ونقلت "الفرنسية"، عن وليام جاكسون من "كابيتال إيكونوميكس" في لندن أن هذه الهجمات قد تكلف الاقتصاد كثيرا، على مستوى الاستثمار على المدى الطويل والسياحة. منذ استئناف النزاع الكردي في جنوب شرق البلاد والاعتداءات المنسوبة إلى تنظيم داعش في الصيف الفائت تباطأ ارتفاع عدد السياح الأجانب الذي كان هائلا من قبل. وفي الواقع انعكس هذا التوجه منذ توصية روسيا الحازمة رعاياها تجنب زيارة منتجعاتهم السياحية المفضلة جنوبي تركيا بعد إسقاط الجيش التركي إحدى طائراتها الحربية فوق الحدود التركية السورية في تشرين الثاني (نوفمبر). وأفاد حكمت إراسلان مدير سلسلة فنادق "دوسو دوسي" الفاخرة في إسطنبول بأنه اضطر إلى تخفيض إيجار الغرف إلى النصف لملء فنادقه، وقال: ماذا عسانا نفعل؟ علينا أن نعيش. وأظهرت بيانات من وزارة السياحة أن إجمالي عدد السياح الذين زاروا تركيا عام 2015 انخفض 1.6 في المائة، لكن الدلائل غير مبشرة قبل ذروة الموسم السياحي من أيار (مايو) إلى تشرين الأول (أكتوبر) وهى الفترة التي تجني فيها تركيا في العادة نحو 70 في المائة من إيراداتها السياحية. ولسوء الحظ أيضا فإن السياح من الدول الأكثر ثراء الذين يغدقون في الإنفاق هم الأكثر قلقا بشأن تردي الأوضاع الأمنية، وفي عام 2015 على سبيل المثال انخفض عدد السياح الإيطاليين الذين زاروا تركيا بنسبة 27 في المائة، بينما هبط عدد السياح اليابانيين نحو 40 في المائة. ويحذر مختصون اقتصاديون من أن الهبوط في قطاع السياحة ربما يؤثر في الاقتصاد الأوسع، فتراجع الإيرادات بنحو ثمانية مليارات دولار سيمحو ما يزيد على نصف نقطة مئوية من النمو الاقتصادي الذي تستهدفه الحكومة هذا العام والبالغ 4.5 في المائة. ومع مساهمة السياحة بأكثر من نصف الإيرادات في ميزان المعاملات الجارية لتركيا عام 2015 فإن هذا سيؤذن أيضا بمتاعب لآمال البنك المركزي في إمكانية خفض العجز الذي بلغ 4.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2015. وتوقع إينان ديمير المحلل في "فينانسبنك" تراجع عائدات السياحة إلى 17 مليار دولار هذا العام، مقابل 21 مليارا في العام الفائت، وبلبلة في قطاع التوظيف فيما تجاوزت البطالة عتبة 10 في المائة من السكان العاملين، وفي كانون الثاني (يناير) وحده سجِّل انخفاض 20 في المائة في عدد السياح مقارنة بالشهر نفسه قبل عام. وأضاف ديمير أن المستثمرين الأجانب كذلك سيبدون أكثر حذرا بكثير في مجيئهم إلى تركيا، من أجل سلامتهم وعلى مستوى مساهماتهم، متوقعا انعكاسات على الاقتصاد التركي. ورغم التباطؤ تبدو المؤشرات الاقتصادية مشجعة على الصمود، مدعومة باستمرار انخفاض أسعار الوقود، فقد سجل تحسن الإنتاج الصناعي بنسبة 5.6 في المائة خلال كانون الثاني (يناير) وارتفاع مؤشر ثقة الهيئات الاقتصادية في آذار (مارس) بعد تراجعه ثلاثة أشهر. لكن المخاوف ما زالت قائمة، وأولها يتعلق بتعيين خلف لإردم باشدجي حاكم البنك المركزي، فالحاكم الذي يلقى تقدير الأسواق وقف قدر الإمكان في وجه ضغوط لتخفيض معدلات الفائدة لإنعاش النمو. وقد يؤدي تعيين حاكم جديد أكثر تقبلا لدعوات السلطة قلق المستثمرين، الذي تعزز مع قرار المصرف تخفيض إحدى فوائده الموجهة الذي اعتبر تنازلا للسلطة. ويعكس هذا القرار أثر السياسة في قرارات بشأن الاقتصاد الكلي في تركيا، بحسب ديمير الذي أضاف أن تعيين شخصية جديدة على رأس البنك المركزي قد يلحق مزيدا من الأضرار بثقة المستثمرين. وأعلن رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو خطة لعرض دعم طارئ على قطاع السياحة تتضمن منحة قدرها 255 مليون ليرة (87 مليون دولار) وتسهيلات لتمكين الشركات من إعادة هيكلة ديونها، ولم يتضح هل ستساعد الخطة القطاع المنهك. ولم يعد بمقدور تركيا أن تعتمد على السياح الروس الباحثين عن الشمس المشرقة على شواطئها الجنوبية كعامل مساعد بسبب تأثيرات الأزمة الاقتصادية في روسيا والتوترات السياسية مع أنقرة، وقال آركان أرجوزيل المختص الاقتصادي في "مورجان ستانلي" إن عدد السياح الروس هبط نحو مليون سائح عام 2015 إلى 3.6 مليون وإن ذلك الهبوط قد يتفاقم هذا العام. وأضاف أرجوزيل أنه بالنظر إلى محادثاتنا مع ممثلي القطاع السياحي فإن لدينا انطباعا بأن عدد السياح الروس ربما يهبط وفقا للسيناريو الأكثر حدة إلى أقل من مليون في 2016.
مشاركة :