في البيئة المدنية لقطاع غزة، اعتمدتْ إسرائيل إستراتيجيةً مثيرةً للجدل من خلال إغراقٍ بالمياه لبعض الأنفاق المؤلفة من شبكة واسعة تحت القطاع تمتدّ لمئات الكيلومترات. وثمة أسئلة تُطرح حول جدوى هذه الخطوة، ومدى ضررها على الجيش وعلى سكان غزة من الناحية العسكرية والبيئية، وتداعياتها المتعددة. فقد كشفتْ إسرائيل عن نفقٍ يمتدّ لأربعة كيلومترات من شمال غزة إلى حدود معبر إيريز، استخدمتْه المقاومة يوم السابع من أكتوبر لتهاجم المستوطنات غير الشرعية حول «غلاف غزة» وقواعد «فرقة غزة» العسكرية ومراكز الشرطة. وبعد أكثر من 45 يوماً على احتلال إسرائيل جزءاً من شمال غزة، استخدمتْ حركة «حماس» النفق مرتين لتفاجئ تجمعات قوات الاحتلال وتوقع في صفوفها قتلى وجرحى، كدليلٍ على مهارة المقاومة التي استطاعت بناء هذا النفق الضخم وعلى شجاعتها في مهاجمة أرتال العدو الذي يتفوّق عُدَّةً وعدداً ولكنه لا يملك الروحيةَ اللازمة للقتال. وأثبتت المقاومة حِرَفيةً عالية في بناء نفقٍ بهذا الحجم تمرّ فيه المركبات تحت عيون إسرائيل التي تملك التكنولوجيا العالية لكشف المعدن والأنفاق، وكذلك تسيطر كلياً على الأجواء من خلال الطائرات الحربية والمسيَّرات المُراقِبة والتي فشلت في اختراق صفوف المقاومة وبناءاتها الدفاعية والهجومية. وتنظر تل أبيب للأنفاق كتهديدٍ لأمنها من الضروري التصدّي له عبر كشْفها وإضعاف قدرات المقاومة. ولهذا بدأتْ بضخ المياه داخل الأنفاق الأصغر حجماً على قاعدة أنها وسيلة لإغراق مقاتلي المقاومة في أنفاقهم ومنْع مهاجمة قواتها المحتلّة المتوغلة داخل القطاع والتي لم تنجح بعد نحو 74 يوماً في احتلال والسيطرة على أي بقعة في الشمال والجنوب. إلا أنها لم تلتفت لأمرٍ مهم وهو أن المقاومة لم تعد تستخدم الأنفاق وحدها، منذ أن دمرت إسرائيل المباني في شمال القطاع خصوصاً وكذلك في الجنوب. فغالبية العمليات المصوَّرة التي أظهرتْها المقاومة أتت من داخل المباني المهدّمة والمهجورة. وهذا يدلّ على أن الجيش لم يتمرّس في «حرب المدن» لأن خبرته تقتصر على التدمير السجادي قبل دخول الدبابات ومن خلْفها المشاة. ولم يتدرّب هذا الجيش على الحروب الأهلية وحرب الشوارع والأنفاق، كما تدرّبت وتعلّمت المقاومة على امتداد الأعوام الماضية. وتالياً، فإن الجيش الغازي قدّم أفضل التحصينات الممكنة للمقاومة بهدمه أكبر عدد من المباني التي أصبحت أفخاخاً منتشرة على طريق المشاة وكذلك قواعد للمقاومة تنتقل من خلالها لتوجيه الضربات والاختباء ومعاودة الهجمات، ليعترف الجيش المحتل بأنه يواجه «أشباحاً» أوقعوا مئات القتلى وآلاف الجرحى في صفوفه ومنهم في حالة خطرة جداً. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأنفاق تُخْفي عبوات مميتة للغزاة ولكنها تحوي أيضاً معلومات استخباراتية مهمة لو قُدّر للجيش الدخول إليها والسيطرة عليها. وكذلك، فإن بعض الإسرائيليين المعتقَلين الذين أُطلق سراحهم أقروا بأنهم مشوا لكيلومترات طويلة داخل الأنفاق. وتالياً فإن جزءاً من الرهائن الـ 128 من جنود وضباط، وبينهم أربعة جنرالات، مازالوا تحت الأنقاض وداخل الأنفاق. من هنا، فإن إغراق الأنفاق يمكن أن يؤدي بحياة هؤلاء ويغرقهم. وهذا ما سينعكس سلباً على معنويات الجنود الذين سيدركون أنهم أغرقوا زملاءهم المخطوفين وان إسرائيل لا تأبه باستردادهم أحياء لأن مقتلهم يكلّف أقلّ حين يدقّ موعد التبادل ودفْع الأثمان لإطلاق سراح الفلسطينيين. وقد قتل الجيش ثلاثة من جنوده استطاعوا الإفلات بعد مقتل سجّانيهم بسبب قواعد الاشتباك التي تطلب من الاحتلال قتْل أي شخص في شوارع غزة. وهذا ما يؤثّر في معنويات الجيش وعائلات الجنود الذين يتظاهرون أمام مقر الحكومة ويصرون على إبرام الصفقة مع «حماس» لإنهاء هذا الملف. إضافة إلى ذلك، فإن إغراقَ الأنفاق يحوّل التربة أكثر هشاشة ما يؤثر على تقدُّم الآليات والدبابات. وقد تجلى بعض من ذلك بعد الأمطار الأولى في المناطق الشمالية التي أُغرقت فيها بعض الأنفاق حيث ارتفع منسوب المياه إلى أكثر من متر فوق الأرض في بعض الشوارع، ما يستحيل معه تقدم الآليات لإكمال خطة الاحتلال والسيطرة ويَفرض توقُّف العمليات العسكرية في تلك البقعة. أما على صعيد سكان غزة، فإن آبار المياه أصلاً شحيحة. إذ كان القطاع يتزوّد بالمياه من قوات الاحتلال قبل الحرب، وهي التي أعلنت أنها قطعت عنه المياه والكهرباء في خرْقٍ فاضح للقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقانون الحرب الذي يحمي المدنيين ويمنع قطع الإمدادات الحياتية عنهم. ومن شأن إغراق الأنفاق كلها أن يؤذي الآبار الارتوازية ويصيبها بضرر جسيم، ما سيزيد أزمة المياه في غزة. كما أن إغراق مئات الكيلومترات بالمياه من شأنه زعزعة المباني المشيَّدة والتي لم يدمّرها جيش الاحتلال. وتالياً فإن إسرائيل تكون خططت لجعل غزة منطقة غير قابلة للسكن وغير آمنة. كذلك، كانت الأنفاق تُستخدم ليس فقط للإمداد العسكري بل للتزوّد بالمواشي والمواد الغذائية اللازمة للسكان نظراً للتشدد الإسرائيلي على جميع ما يتزوّد به القطاع. إذ إن غزة تحتاج لأكثر من 1500 شاحنة يومياً لتلبية حاجات 2.3 مليون نسمة. إلا أن إسرائيل كانت تسمح فقط لـ 500 شاحنة بالدخول، ما أحدث أزمةَ شحٍ في جميع المواد خصوصاً المتعلّقة بالبناء. وقد ظهر ذلك بوجود نحو 100.000 فلسطيني من دون مأوى بعد حرب عام 2021 لأن المواد المطلوبة كانت شحيحة ويُمنع دخولها بالكمية المطلوبة. وعدا عن التأثير البيئي الذي يبقى لعقود طويلة، فإن عجز إسرائيل عن تحقيق أي من أهدافها المعلَنة بالقضاء على «حماس» وتحرير الأسرى، جعلها تفضّل أن تحاول إغراق الجميع بمجرد امتلاء الأنفاق بالمياه. إلا أن هذه الخطوة لن تعود بالفائدة على الجيش المحتل لأن المقاومة تحوّلت، ومعها قواعدها وعملياتها، إلى فوق الأرض لتصطاد الغزاة، وأنشأت مراكز قيادة وسيطرة بين الركام لأن أصحاب الأرض يعومون دائماً، أما الغزاة فهم الغارقون. في البيئة المدنية لقطاع غزة، اعتمدتْ إسرائيل إستراتيجيةً مثيرةً للجدل من خلال إغراقٍ بالمياه لبعض الأنفاق المؤلفة من شبكة واسعة تحت القطاع تمتدّ لمئات الكيلومترات.وثمة أسئلة تُطرح حول جدوى هذه الخطوة، ومدى ضررها على الجيش وعلى سكان غزة من الناحية العسكرية والبيئية، وتداعياتها المتعددة. ماذا يَكشف مقتل الأسرى الإسرائيليين عن سلوك جيشهم... وتأثير المقاومة؟ منذ يومين هل هناك فعلاً خلافات جوهرية أميركية - إسرائيلية حول غزة؟ 16 ديسمبر 2023 فقد كشفتْ إسرائيل عن نفقٍ يمتدّ لأربعة كيلومترات من شمال غزة إلى حدود معبر إيريز، استخدمتْه المقاومة يوم السابع من أكتوبر لتهاجم المستوطنات غير الشرعية حول «غلاف غزة» وقواعد «فرقة غزة» العسكرية ومراكز الشرطة.وبعد أكثر من 45 يوماً على احتلال إسرائيل جزءاً من شمال غزة، استخدمتْ حركة «حماس» النفق مرتين لتفاجئ تجمعات قوات الاحتلال وتوقع في صفوفها قتلى وجرحى، كدليلٍ على مهارة المقاومة التي استطاعت بناء هذا النفق الضخم وعلى شجاعتها في مهاجمة أرتال العدو الذي يتفوّق عُدَّةً وعدداً ولكنه لا يملك الروحيةَ اللازمة للقتال.وأثبتت المقاومة حِرَفيةً عالية في بناء نفقٍ بهذا الحجم تمرّ فيه المركبات تحت عيون إسرائيل التي تملك التكنولوجيا العالية لكشف المعدن والأنفاق، وكذلك تسيطر كلياً على الأجواء من خلال الطائرات الحربية والمسيَّرات المُراقِبة والتي فشلت في اختراق صفوف المقاومة وبناءاتها الدفاعية والهجومية.وتنظر تل أبيب للأنفاق كتهديدٍ لأمنها من الضروري التصدّي له عبر كشْفها وإضعاف قدرات المقاومة.ولهذا بدأتْ بضخ المياه داخل الأنفاق الأصغر حجماً على قاعدة أنها وسيلة لإغراق مقاتلي المقاومة في أنفاقهم ومنْع مهاجمة قواتها المحتلّة المتوغلة داخل القطاع والتي لم تنجح بعد نحو 74 يوماً في احتلال والسيطرة على أي بقعة في الشمال والجنوب.إلا أنها لم تلتفت لأمرٍ مهم وهو أن المقاومة لم تعد تستخدم الأنفاق وحدها، منذ أن دمرت إسرائيل المباني في شمال القطاع خصوصاً وكذلك في الجنوب. فغالبية العمليات المصوَّرة التي أظهرتْها المقاومة أتت من داخل المباني المهدّمة والمهجورة.وهذا يدلّ على أن الجيش لم يتمرّس في «حرب المدن» لأن خبرته تقتصر على التدمير السجادي قبل دخول الدبابات ومن خلْفها المشاة. ولم يتدرّب هذا الجيش على الحروب الأهلية وحرب الشوارع والأنفاق، كما تدرّبت وتعلّمت المقاومة على امتداد الأعوام الماضية.وتالياً، فإن الجيش الغازي قدّم أفضل التحصينات الممكنة للمقاومة بهدمه أكبر عدد من المباني التي أصبحت أفخاخاً منتشرة على طريق المشاة وكذلك قواعد للمقاومة تنتقل من خلالها لتوجيه الضربات والاختباء ومعاودة الهجمات، ليعترف الجيش المحتل بأنه يواجه «أشباحاً» أوقعوا مئات القتلى وآلاف الجرحى في صفوفه ومنهم في حالة خطرة جداً.بالإضافة إلى ذلك، فإن الأنفاق تُخْفي عبوات مميتة للغزاة ولكنها تحوي أيضاً معلومات استخباراتية مهمة لو قُدّر للجيش الدخول إليها والسيطرة عليها. وكذلك، فإن بعض الإسرائيليين المعتقَلين الذين أُطلق سراحهم أقروا بأنهم مشوا لكيلومترات طويلة داخل الأنفاق.وتالياً فإن جزءاً من الرهائن الـ 128 من جنود وضباط، وبينهم أربعة جنرالات، مازالوا تحت الأنقاض وداخل الأنفاق.من هنا، فإن إغراق الأنفاق يمكن أن يؤدي بحياة هؤلاء ويغرقهم. وهذا ما سينعكس سلباً على معنويات الجنود الذين سيدركون أنهم أغرقوا زملاءهم المخطوفين وان إسرائيل لا تأبه باستردادهم أحياء لأن مقتلهم يكلّف أقلّ حين يدقّ موعد التبادل ودفْع الأثمان لإطلاق سراح الفلسطينيين.وقد قتل الجيش ثلاثة من جنوده استطاعوا الإفلات بعد مقتل سجّانيهم بسبب قواعد الاشتباك التي تطلب من الاحتلال قتْل أي شخص في شوارع غزة. وهذا ما يؤثّر في معنويات الجيش وعائلات الجنود الذين يتظاهرون أمام مقر الحكومة ويصرون على إبرام الصفقة مع «حماس» لإنهاء هذا الملف.إضافة إلى ذلك، فإن إغراقَ الأنفاق يحوّل التربة أكثر هشاشة ما يؤثر على تقدُّم الآليات والدبابات. وقد تجلى بعض من ذلك بعد الأمطار الأولى في المناطق الشمالية التي أُغرقت فيها بعض الأنفاق حيث ارتفع منسوب المياه إلى أكثر من متر فوق الأرض في بعض الشوارع، ما يستحيل معه تقدم الآليات لإكمال خطة الاحتلال والسيطرة ويَفرض توقُّف العمليات العسكرية في تلك البقعة.أما على صعيد سكان غزة، فإن آبار المياه أصلاً شحيحة. إذ كان القطاع يتزوّد بالمياه من قوات الاحتلال قبل الحرب، وهي التي أعلنت أنها قطعت عنه المياه والكهرباء في خرْقٍ فاضح للقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقانون الحرب الذي يحمي المدنيين ويمنع قطع الإمدادات الحياتية عنهم.ومن شأن إغراق الأنفاق كلها أن يؤذي الآبار الارتوازية ويصيبها بضرر جسيم، ما سيزيد أزمة المياه في غزة.كما أن إغراق مئات الكيلومترات بالمياه من شأنه زعزعة المباني المشيَّدة والتي لم يدمّرها جيش الاحتلال.وتالياً فإن إسرائيل تكون خططت لجعل غزة منطقة غير قابلة للسكن وغير آمنة.كذلك، كانت الأنفاق تُستخدم ليس فقط للإمداد العسكري بل للتزوّد بالمواشي والمواد الغذائية اللازمة للسكان نظراً للتشدد الإسرائيلي على جميع ما يتزوّد به القطاع. إذ إن غزة تحتاج لأكثر من 1500 شاحنة يومياً لتلبية حاجات 2.3 مليون نسمة.إلا أن إسرائيل كانت تسمح فقط لـ 500 شاحنة بالدخول، ما أحدث أزمةَ شحٍ في جميع المواد خصوصاً المتعلّقة بالبناء. وقد ظهر ذلك بوجود نحو 100.000 فلسطيني من دون مأوى بعد حرب عام 2021 لأن المواد المطلوبة كانت شحيحة ويُمنع دخولها بالكمية المطلوبة.وعدا عن التأثير البيئي الذي يبقى لعقود طويلة، فإن عجز إسرائيل عن تحقيق أي من أهدافها المعلَنة بالقضاء على «حماس» وتحرير الأسرى، جعلها تفضّل أن تحاول إغراق الجميع بمجرد امتلاء الأنفاق بالمياه.إلا أن هذه الخطوة لن تعود بالفائدة على الجيش المحتل لأن المقاومة تحوّلت، ومعها قواعدها وعملياتها، إلى فوق الأرض لتصطاد الغزاة، وأنشأت مراكز قيادة وسيطرة بين الركام لأن أصحاب الأرض يعومون دائماً، أما الغزاة فهم الغارقون.
مشاركة :