رغم الفوضى في الشرق الأوسط والحرب في أوكرانيا، تظل أسعار النفط الخام راكدة، الأمر الذي فاجأ كثيرين من المحللين ـ وهذا يشمل بعض الذين ينبغي لهم أن يعلموا أن هذه السوق لا يمكن التنبؤ بها على الإطلاق. إضافة إلى هذه العوامل، تبرز ثلاثة أخرى في اعتقادي. أولا، تمكن الضعف الحاد من النمو النقدي في كثير من الاقتصادات، وهو أمر مطمئن تماما عندما يقترن بالاتجاهات الحالية لأسعار السلع الأساسية. رغم مرور وقت طويل منذ أن زعم أي شخص عدا أشد أنصار السياسة النقدية حماسا أن المعروض النقدي يؤثر دوما في التضخم مباشرة، فقد أظهرت الأعوام القليلة الأخيرة أن تسارع النمو النقدي بشكل متطرف "كما حدث في أواخر 2020 وأوائل 2021 في الولايات المتحدة" من الممكن أن يؤدي إلى ارتفاع التضخم. ثانيا، وربما بما يتماشى مع الاتجاهات السلعية والنقدية، كانت المقاييس الأخيرة لتوقعات التضخم في دول رئيسة مطمئنة. خاصة، أنه أظهر أحدث استطلاع أجرته جامعة ميشيجان حول توقعات المستهلكين لخمسة أعوام انخفاضا حادا، إلى 2.8 في المائة، من 3.2 في المائة في الشهر السابق، ويشير هذا، في أقل تقدير، إلى غياب أي زيادة ثابتة أو "إلغاء تثبيت" لتوقعات التضخم طويلة الأجل. السؤال الأخير، وربما الأكثر صعوبة، هو كيف قد تستجيب البنوك المركزية؟ في أحدث توجيهاته المقدمة للأسواق، اقترح مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أن أسعار الفائدة ستخفض بمقدار 75 نقطة أساس في 2024. غير أن بنوكا مركزية أخرى، خاصة في أوروبا، تقاوم رهان الأسواق المالية على خفض أسعار الفائدة في العام المقبل، ولكن يبدو أن الأسواق لم تتلق هذا الإشعار. ومع بقاء التضخم الأساس عند مستوى أعلى من المستهدف، ونمو الأجور الحقيقية "المعدلة تبعا للتضخم"، وغياب أي دليل قوي على نمو الإنتاجية في أي مكان، سيكون القائمون على البنوك المركزية كارهين لخفض أسعار الفائدة قريبا. ولكن مع استمرارهم في محاولة التأثير في الأسواق من خلال توجيهاتهم وبياناتهم العامة، فسيكون لزاما عليهم أن يتقبلوا حقيقة مفادها أن الأسواق بحكمتها الجماعية ربما ترى شيئا لا يرونه هم أنفسهم. وإذا اتخذت البيانات منعطفا إيجابيا حادا، فسيغيرون موقفهم في الأرجح. يظل نمو الأجور يشكل متغيرا حاسما. في بعض الدول، خاصة في المملكة المتحدة، تجاوز نمو الأجور أخيرا معدلات نمو أسعار المستهلك. وسيخشى صناع السياسات بشكل غريزي أن يؤدي هذا الاتجاه إلى إحداث دوامة تقليدية من ارتفاع الأجور والأسعار. ولكن ألن يكون من اللطيف أن يتبين لنا أن نمو الأجور الحقيقية الأخير تبرره عملية إعادة التوازن إلى العائدات المالية والعودة التي طال انتظارها إلى نمو الإنتاجية الإيجابي؟ مع قدوم عام جديد يأتي أمل جديد. خاص بـ«الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2023.
مشاركة :