يسيطر الألم على الشاب الفلسطيني نمر أبو راس وهو يعرض يديه المصابتين بالكدمات والمتورمتين بعد اعتقاله لأكثر من أسبوع لدى الجيش الإسرائيلي خلال توغله في قطاع غزة. وجرى اعتقال أبو راس (21 عاما) كما قال لوكالة أنباء ((شينخوا)) من منزله في حي الزيتون جنوب مدينة غزة، وخضع لجلسات استجواب وتحقيق مكثفة تعرض خلالها للضرب المبرح وسوء المعاملة. ويوضح أن قوات إسرائيلية قيدت يديه بشدة وأبقته معصوب العينين بعد تجريده من ملابسه لفترات طويلة خلال احتجازه في عدة أماكن أخرها في معسكر للجيش الإسرائيلي قريب من مدينة غزة لكنه يجهل مكانه بالتحديد. وأعلن الجيش الإسرائيلي عن اعتقاله مئات الفلسطينيين على مدار الأسبوعين الماضيين من مناطق متفرقة خلال توغله في قطاع غزة لا سيما مناطق مدينة غزة وشمالها. ومنذ السابع من أكتوبر الماضي، تشن إسرائيل حربا واسعة النطاق ضد حركة حماس في قطاع غزة تحت اسم "السيوف الحديدية" خلفت مقتل أكثر من 20 ألف فلسطيني. وبدأت الحرب بعد أن شنت حماس هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل أسمته "طوفان الأقصى"، أودى بحياة أكثر من 1200 إسرائيلي، وفق السلطات الإسرائيلية. ويقول أبو راس إنه جرى استجوابه عن مقاتلي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وأماكن اختباء قيادة الحركة وعن أي معلومات لديه بشأن أنشطة عسكرية وهي أسئلة لا يوجد لديه أي إجابات حولها. ويضيف أن جهله بأسئلة الجيش الإسرائيلي كان يقابل بعنف من الجنود وأنه جرى تركه بالعراء في البرد دون ملابس أو طعام في تجربة يؤكد أنها مؤلمة ولا يمكن نسيانها طوال حياته. وبعد الإفراج عنه مع عشرات من المعتقلين الآخرين، تم إجبار أبو راس على النزوح إلى منطقة جنوب وادي غزة حيث توجه إلى مستشفى الأقصى في دير البلح لتلقي العلاج. وتواجد في المستشفى ستة فتية وسبعة رجال تمت معالجة أيديهم المرقمة بعلامة حمراء بعد ساعات من قيام القوات الإسرائيلية بإطلاق سراحهم دون توجيه اتهامات لهم. أحدهم الفتى محمود قويدر (16 عاما) من حي الدرج في غزة والذي اعتقله جنود إسرائيليون مع والده لتسعة أيام متتالية. ويقول قويدر بنبرات متقطعة يغلبها الإرهاق لـ((شينخوا)) إن القوات الإسرائيلية تركته مقيدا بمربط بلاستيك ظل يضغط على يديه وترك آثاره الحادة. ويضيف أنه لم يقدم له سوى القليل جدا من الماء والطعام خلال احتجازه أولا في العراء ثم في معسكر للجيش الإسرائيلي بينما تعرض لموجات متتالية من الضرب من الجنود. وقدم معتقلون محررون شهادات متطابقة عن تعرضهم للضرب وسوء المعاملة، وقال العديد منهم إنه لم يسمح لهم بالذهاب إلى الحمام وأجبروا على النوم على الأرض في ظل البرد وفي ظروف غير إنسانية. ونشرت حسابات ومواقع إسرائيلية عدة مقاطع فيديو تظهر في كل منها اعتقال الجيش الإسرائيلي عشرات الفلسطينيين بأعمار مختلفة وقد تم تعصيب أعينهم وتجريدهم من ملابسهم. وبحسب مقاطع الفيديو يظهر رجال معصوبو الأعين وقد تم تجريدهم من ملابسهم إلا تلك الداخلية وتم احتجازهم في الشوارع وفي مؤخرات المركبات العسكرية. وفي حينه، قالت مصادر أمنية فلسطينية إن من بين المعتقلين اثنين من الصحفيين وفتية ومسنين وأن العشرات منهم تم اقتيادهم بالقوة بعد اقتحام منازلهم أو من مراكز إيواء في مدينة غزة وشمالها. فيما قال الجيش الإسرائيلي في بيان له إنه يعتقل أشخاصا من قطاع غزة يشتبه في تورطهم في نشاط "إرهابي"، ويتم إطلاق سراح من يتبين أنهم لا يشاركون في أنشطة معادية. وذكر الجيش أن المحتجزين لديه يعاملون وفقًا للقانون الدولي، وأنه يسعى لمعاملة أي معتقل بكرامة وسيتم النظر في أي حادثة لم يتم فيها اتباع الإرشادات. لكن الشاب محسن في مطلع الثلاثينيات من عمره يقول لـ((شينخوا)) إنه تعرض إلى انتهاكات شملت جلوسنا على ركبنا لساعات طويلة خلال احتجازنا، لأسبوع في مكان يجهله. ويضيف محسن الذي طلب عدم ذكر اسمه كاملا "كان الجنود يدهسون علينا بأقدامهم دون رحمة، ولم يكن يسمح لنا بالنوم ويتم ضربنا بشكل مستمر ولم نحصل إلا على القليل من الماء والطعام دون أي رعاية صحية". وبعد يوم من وصوله إلى المستشفى لا يستطيع محسن الوقوف إلا بصعوبة. من جهته، يقول المتحدث باسم مستشفى الأقصى خليل الدقران لـ((شينخوا)) إنهم استقبلوا مئات الأشخاص بعد اعتقالهم لفترات متفاوتة من الجيش الإسرائيلي وهم مصابون بكدمات وآثار تعذيب شديد. ويشير الدقران إلى أن جميع المحتجزين تقريبا وصلوا بوضع نفسي صعب جدا وبوضع جسدي يشتمل على آثار التعذيب على أطرافهم وفي مناطق متفرقة من أجسادهم ما استلزم تقديم علاجات لهم. ويضيف أن عددا من المرضى جرى تعرضهم للاحتجاز أفادوا بأنهم لم يتلقوا أي علاج أو أدوية وهو ما سبب لهم مضاعفات صحية. يشار إلى أن حركة حماس كانت قالت إن اعتقال الجيش الإسرائيلي "مجموعة من المواطنين المدنيين وتجريدهم من ملابسهم بصورة مهينة، هو جريمة مفضوحة للانتقام من أبناء شعبنا المدنيين العزل". واعتبرت الحركة أن "جريمة الاعتقال وتفتيش المعتقلين وتجريدهم من ملابسهم وتصويرهم هو عمل لا يقوم به إلا مرتزقة ومليشيات إرهابية منفلتة من كل القيم والأعراف والقوانين"، على حد تعبيرها. من جهته، أصدر مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بيانا يوم السبت الماضي، أدان فيه الاعتقالات الجماعية وشبهات سوء المعاملة والاختفاء القسري للكثير من الفلسطينيين على يد القوات الإسرائيلية. وذكر البيان الأممي أن الادعاءات بشأن اعتقالات الجيش الإسرائيلي تشمل سوء معاملة خطير قد يصل في بعض الحالات إلى حد التعذيب وتصوير المعتقلين في أوضاع مهينة.
مشاركة :