يعتبر "حلم القصور الحمراء" أو "هونغ لو منغ" بالصينية، إحدى الروايات الكلاسيكية العظيمة الأربع في الأدب الصيني القديم وقد كتبها تساو شيويه تشين من أسرة تشينغ الملكية (1616-1911) وتحكي الرواية قصة مصير عائلة جيا الثرية والمؤثرة، وتدور أحداثها على خلفية الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في ذلك العهد. وقبل أكثر من 270 عاما، في ضواحي بكين، أبدع رجل يدعي تساو شيويه تشين هذا العمل الأدبي الذي ظل يُتناقل لعدة قرون، على الرغم من أن الكاتب لم يستفد أبدا من نجاحه. وتساو، الذي ابتلي بالعوز والمرض أنجز رواية شبه سيرة ذاتية بعنوان حلم القصور الحمراء. وحكى فيها قصة الازدهار والانحطاط لعائلته ووصف فيها مأساة عائلة إقطاعية لقبها جيا. وكان تساو قد وزع في البداية نسخا من مخطوطته بين أصدقائه، الذين تأثروا ليس فقط بمصير عائلة جيا، ولكن أيضا بقصة الحب المؤلمة بين الشخصيتين الرئيسيتين، جيا باو يوي ولين داي يوي، كما اجتذب الناس من نفاق وقسوة الطبقات العليا، مما كشف عن الأزمة الاجتماعية المتفاقمة في الصين في القرن الـ18 . وللأسف، توفي تساو شيويه تشين من الحزن في عام 1763 بعد وقت قصير من وفاة ابنه الوحيد. ولم يتمكن من رؤية طباعة عمله الأدبي. وأكسبته الطبعة الأولى التي نشرت عام 1791 احترام هواة الأدب والقراء العاديين على حد سواء. وتقع هذه الرواية في ثمانين فصلا منسوخا باليد وتعتقد أوساط المجتمع الأدبي عموما أن الأديب الصيني قاو أه أكمل الرواية لتتوسع إلى مائة وعشرين فصلا حاليا. وباعتبارها عملا ذا أعلى مستوى أدبي في كلاسيكيات الأدب الصيني القديم الأربعة، فقد ظلت رواية حلم القصور الحمراء مصدر إلهام للفنانين، واُستوحيت منها أشكال فنية متنوعة بما في ذلك الدراما التلفزيونية والأفلام والأوبرا الصينية التقليدية. وجاء التجسيد التلفزيوني لهذه العمل الأدبي في عام 1987، وتتمتع هذه الدراما التلفزيونية بقاعدة جماهيرية واسعة في الصين حتى يومنا هذا رغم مرور 36 سنة من بثها الأول على شاشة التلفزيون وأصبحت الممثلة تشن شياو شيوي التي كانت قد أدت دور لين داي يوي في الدراما صورة لا يمكن تجاوزها في أذهاب المشاهدين. والمثال الناجح الآخر من بين الأعمال الفنية المقتبسة من هذا العمل الأدبي الكلاسيكي هو دراما الرقص الجديدة بعنوان "حلم القصور الحمراء" شارك في إنتاجها مركز جيانغسو للفنون المسرحية وأوركسترا نانجينغ الصينية التقليدية وقُدم العرض المتجول لدراما الرقص التقليدي في أكثر من 30 مدينة في أنحاء البلاد لتقديمها لأكثر من مائة مرة أمام مئات الآلاف من المشاهدين، وأعطى ذلك عشاق هذه الأعمال الأدبية فرصة سانحة للانهماك في الحلم الفني مع الشخصيات التي تخرج من الكتب إلى خشبة المسرح. واليوم، اُعترف برواية "حلم القصور الحمراء" كواحدة من قمم الأدب الصيني، إذ إنها تقدم فهما موسوعيا للفن والثقافة الصينية، بما في ذلك الشعر والموسيقى والأوبرا والعادات الشعبية والحرف اليدوية والهندسة المعمارية وفن الطهو وغيرها. ولا تزال هذه الرواية لديها مجموعة كبيرة من القراء في داخل البلاد وخارجها، حيث تُرجمت إلى أكثر من 100 لغة عالمية كما دفعت تنمية مجال الدراسة المتخصصة المعروفة باسم علم القصور الحمراء، الذي يعد واحدا من العلوم الاجتماعية الشهيرة في التاريخ الثقافي الصيني في القرن الـ20. وبفضل تطوير أساليب الاتصال الجماهيري وانتشار التعليم، يمكن للناس التمتع بسحر "حلم القصور الحمراء" من خلال أشكال متنوعة من الأعمال المقتبسة. وسُدت الفجوة بين الثقافة العالية والثقافة الشعبية لتتقاربان وتشكلان خاصية جمالية تنتمي إلى العصر الجديد. وستصمد الثقافة الكلاسيكية الممتازة حقا أمام اختبار الزمن وتحظي بإقبال المزيد من الناس مع تطور العصر، مثل رواية حلم القصور الحمراء اليوم، التي لا تعتبر عملا أدبيا كلاسيكيا للدراسات الصينية فحسب، بل قد تحول إلى ملكية فكرية على المستوى الوطني وتنتشر ثقافة القصور الحمراء على نطاق واسع في العديد من الأعمال المقتبسة منها.
مشاركة :