الرئيس جو بايدن غير سعيد مطلقاً بمعدلاته الحالية في استطلاعات الرأي التي تمنحه 38 في المئة فقط من التأييد الشعبي. وعلى هذه الخلفية، واجه موظفيه في البيت الأبيض من أجل معرفة سبب تردّي هذه الأرقام، ولماذا قد يخسر الانتخابات المقبلة أمام دونالد ترامب. والواقع أنه ما زال هناك حديثٌ عن أنه لا يجدر به الترشح لإعادة الانتخاب. لكن ربما يكون الأوان قد فات للنظر في هذا الخيار. وهو قلِقٌ بشكل خاص لأن الأرقام الأهم لإعادة انتخابه تتعلق بالاقتصاد الأميركي الذي يوجد في حالة جيدة على نحو لافت. فعلى الرغم من التوقعات القاتمة، فإن معدل نمو الاقتصاد الأميركي من المتوقع أن يتجاوز 5 في المئة خلال الربع الأخير من عام 2023. وعلاوةً على ذلك، فإن معدل التضخم انخفض إلى أكثر بقليل من 2 في المئة، والبطالة لا تزال منخفضة، وارتفاع الأجور أعلى من التضخم، وسوق العمل مزدهرة. وهذه كلها أرقام ممتازة بالنظر إلى التوقعات السابقة التي كانت تتوقع اتجاه الولايات المتحدة نحو الركود في عام 2024. وبالنسبة للكثيرين، يظل سعر البنزين صاحب التأثير الأكبر على حياتهم. ذلك أن أي شخص يقود سيارته للذهاب إلى العمل يعرف جيداً كيف تؤثّر أسعار الوقود على نفقاته اليومية. ونظراً لأن معظم المنتجات في محلات البقالة توزَّع بواسطة الشاحنات، فإن ارتفاع أسعار النفط يعني بشكل أوتوماتيكي ارتفاع كلفة المواد الغذائية الأساسية. وكانت أسعار الوقود قد عرفت انخفاضاً في الولايات المتحدة مؤخراً، ويعزى ذلك جزئياً إلى أن الولايات المتحدة تظل أكبر منتج للنفط في العالم. لكن نظراً لأن سوق النفط دولية، فأي حدث يتسبب في اضطرابات لإنتاج النفط ونقله له تأثيرٌ على أسعار النفط العالمية. ولهذا السبب، هناك قلق من إمكانية تصاعد الأزمة المستمرة في الشرق الأوسط، وخاصة إذا واصل الحوثيون في اليمن هجماتهم الصاروخية على حركة المرور البحرية التجارية في البحر الأحمر. هذه الهجمات أدت حتى الآن إلى زيادات في أسعار التأمين البحري. غير أنه إذا ضرب صاروخٌ ناقلةَ نفط أو سفينةِ حاوياتٍ بشكل مباشر، فإن ذلك لن يؤدي إلى ارتفاع أسعار التأمين فحسب، ولكن أسعار النفط سترتفع أيضاً بسبب عدم اليقين بخصوص الإمدادات. ما يعنيه كل هذا أنه في الوقت الذي كان يأمل فيه بايدن أن تكون الأخبار الاقتصادية الجيدة محلَّ تقدير من قبل الأميركيين وتشفع له عندهم، فإنه يواجه خياراتٍ صعبةً في السياسة الخارجية يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة، وتضع ضغوطاً كبيرةً على الاقتصاد الأميركي، ويمكن أن تخلق في نهاية المطاف ظروفاً قد تعكس الاتجاهات الإيجابية التي أشرنا إليها أعلاه. ويجد بايدن نفسَه على رأس أمة منقسمة تُبدي آراءً قويةً حول ما ينبغي أن تكون عليه الأولويات الأميركية في التعامل مع الحربين في أوكرانيا وغزة. فإذا كان خصومه «الجمهوريون» يدعمون إسرائيل بشكل عام، فإن «الديمقراطيين» منقسمون على أنفسهم بشكل متزايد بشأن العمل العسكري الإسرائيلي في غزة. وبالمقابل، فإن «الديمقراطيين» أكثر اتحاداً من «الجمهوريين» بشأن ضرورة الاستمرار في تزويد أوكرانيا بالمساعدات العسكرية والاقتصادية، لكنهم منقسمون بشأن كيفية إصلاح سياسة الولايات المتحدة الخاصة بالهجرة، وهو إصلاح يُعد ضرورياً من أجل إقناع الجمهوريين بالموافقة على تقديم مزيد من الأموال لأوكرانيا. ولعل المشكلة الأساسية التي يواجهها بايدن هي أنه إذا كان الكثير من الناس معجبين به ويرون أنه نجح في إعادة الثقة إلى علاقات أميركا مع حلفائها الأجانب الرئيسيين، فإن خصومه يشككون في تمتعه بالقدرة البدنية الكافية لمواجهة حملة انتخابية صعبة، ناهيك عن حكم البلاد لأربع سنوات أخرى. ويظل أمل بايدن هو أن يواجه خصمُه المحتمل، دونالد ترامب، عدداً كبيراً من التحديات هو أيضاً، بما في ذلك لوائح اتهام قانونية خطيرة، على غرار الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا لولاية كولورادو الأميركية، الثلاثاء الماضي، بعدم أهليته لخوض انتخابات الحزب الجمهوري التمهيدية. ثم إن ترامب أيضا رجلٌ مسنٌّ، وإذا انتُخب سيصبح رئيساً في التاسعة والسبعين من عمره. وهو أيضاً يرتكب أخطاء لفظية، لكنه يبدو أكثر قوة بدنية على المسرح وفي شاشة التلفزيون. غير أنه لم يسبق له أبداً أن نشر تقريراً طبياً شاملاً، وليس محصَّناً ضد المشاكل الصحية. والحقيقة أن معظم الأميركيين لا يفضلون أياً من المرشحَين، ومن المرجح أن يصابوا بخيبة أمل في هذه المرحلة.
مشاركة :