ماذا بقي من حركة عدم الانحياز في القرن الواحد والعشرين؟

  • 12/25/2023
  • 01:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

بقلم‭: ‬بيير‭ ‬غروسر‭ ‬ في‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬تنامي‭ ‬التنافس‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وخاصة‭ ‬منذ‭ ‬يوم‭ ‬24‭ ‬فبراير‭ ‬2022،‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬العلاقات‭ ‬الروسية‭ ‬الغربية،‭ ‬فإن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬عودة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬أصبح‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه‭ ‬بأكثر‭ ‬قوة‭. ‬ ولعل‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الجوانب‭ ‬الرئيسية‭ ‬لعودة‭ ‬خطاب‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬هو‭ ‬الاستخدام‭ ‬المتكرر‭ ‬لصيغة‭ ‬‮«‬عدم‭ ‬الانحياز‮»‬،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬الحركة‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬الاسم‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تثبيته‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1961،‭ ‬والتي‭ ‬لاتزال‭ ‬موجودة‭ ‬رسميًا‭ ‬وهي‭ ‬تضم‭ ‬اليوم‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬118‭ ‬دولة،‭ ‬وقد‭ ‬عقدت‭ ‬آخر‭ ‬قمة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬باكو‭ ‬بجمهورية‭ ‬أذربيجان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019‭.‬ أما‭ ‬اليوم،‭ ‬وكما‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬التاريخية‭ ‬يرفض‭ ‬عدد‭ ‬معين‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬‮«‬الجنوب‮»‬‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المعسكر‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬تأكيدا‭ ‬لمصالحها‭ ‬الحيوية‭.‬ خلال‭ ‬فترة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬أصبحت‭ ‬حركة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‭ ‬مدعومة‭ ‬من‭ ‬سلطات‭ ‬موسكو‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي،‭ ‬وقد‭ ‬أعربت‭ ‬سلطات‭ ‬الكرملين‭ ‬عن‭ ‬استيائها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬من‭ ‬انضمام‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬إلى‭ ‬العقوبات‭ ‬المفروضة‭ ‬ضدها‭ ‬وإدانتها‭ ‬للغزو‭ ‬العسكري‭ ‬الروسي‭ ‬لأوكرانيا‭.‬ لعل‭ ‬من‭ ‬الأجدر‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬جوانب‭ ‬أساسية‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬حركة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬حتى‭ ‬نفهم‭ ‬طبيعة‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬ومعرفة‭ ‬الأبعاد‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬ذات‭ ‬دلالة‭ ‬وأهمية‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭. ‬ لقد‭ ‬كان‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‭ ‬بمثابة‭ ‬أسطورة‭ ‬موحدة‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬الحركة‭ ‬والأنظمة‭ (‬لا‭ ‬سيما‭ ‬اليوغوسلافية‭ ‬والجزائر‭) ‬والتي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التصاقها‭ ‬بهذا‭ ‬المفهوم،‭ ‬تعزز‭ ‬الوضع‭ ‬الدولي‭ ‬والشرعية‭ ‬الداخلية‭.‬ لم‭ ‬يتم‭ ‬عقد‭ ‬مؤتمر‭ ‬خلال‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬سنوات‭ ‬الستينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬بعد‭ ‬تلك‭ ‬القمة‭ ‬التي‭ ‬احتضنتها‭ ‬القاهرة‭ ‬في‭ ‬1964‭: ‬تم‭ ‬تكريس‭ ‬حركة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‭ ‬مؤسساتيا‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬المؤتمرين‭ ‬اللذين‭ ‬عقدا‭ ‬في‭ ‬لوساكا‭ (‬1970‭) ‬والجزائر‭ (‬1973‭).‬ عقد‭ ‬المؤتمر‭ ‬الأول‭ ‬لحركة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1961‭ ‬في‭ ‬بلغراد‭ ‬بالجمهورية‭ ‬اليوغوسلافية‭. ‬ لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬مؤتمر‭ ‬باندونغ‭ ‬الشهير‭ (‬1955‭) ‬قد‭ ‬أعطى‭ ‬بعدا‭ ‬مهما‭ ‬لحركة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز،‭ ‬وقد‭ ‬عقد‭ ‬ذلك‭ ‬المؤتمر‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬بمشاركة‭ ‬الهند‭ ‬والصين‭ ‬بعد‭ ‬إنشاء‭ ‬منظمة‭ ‬آسيا‭ ‬الجنوبية‭ ‬الشرقية‭ (‬OTASE‭) ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر‭ ‬1954‭. ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يحل‭ ‬ذلك‭ ‬دون‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬التحالفات،‭ ‬ناهيك‭ ‬وأن‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المنتمية‭ ‬الى‭ ‬حركة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‭ ‬والمتحالفة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬قد‭ ‬أدانت‭ ‬الإمبريالية‭ ‬الشيوعية‭.‬ منذ‭ ‬عام‭ ‬1959،‭ ‬أدت‭ ‬التوترات‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬والهند،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬وقوع‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1962،‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬بين‭ ‬الحركة‭ ‬الأفروآسيوية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الصين‭ (‬وإندونيسيا‭)‬،‭ ‬وحركة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬الهند‭ ‬أحد‭ ‬قادتها‭. ‬ عاد‭ ‬الانقسام‭ ‬الصيني‭ ‬السوفييتي‭ ‬إلى‭ ‬الظهور‭ ‬ليزيد‭ ‬في‭ ‬تعقيد‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭. ‬المواجهة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬‮«‬الراديكاليين‮»‬‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أولى‭ ‬و«المعتدلين‮»‬‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬وهي‭ ‬المواجهة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1960‭ ‬وحتى‭ ‬نهاية‭ ‬سنة‭ ‬1970‭. ‬أدى‭ ‬فشل‭ ‬الصين‭ (‬إندونيسا‭) ‬إلى‭ ‬عقد‭ ‬‮«‬المؤتمر‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬باندونغ‮»‬‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1965وقد‭ ‬أظهر‭ ‬ذلك‭ ‬المؤتمر‭ ‬مدى‭ ‬المأزق‭ ‬والانقسامات‭ ‬التي‭ ‬تردت‭ ‬فيها‭ ‬العلاقات‭ ‬الآفروآسيوية‭.‬ وقد‭ ‬نشبت‭ ‬الخلافات‭ ‬في‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬والمواقف‭ ‬وتعمقت‭ ‬الانقسامات‭ ‬حتى‭ ‬فيما‭ ‬بين‭ ‬‮«‬الرادياكاليين‮»‬‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬حركة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‭. ‬من‭ ‬الخلافات‭ ‬العميقة‭ ‬كان‭ ‬الرئيس‭ ‬الغاني‭ ‬كوامي‭ ‬نكروما،‭ ‬الذي‭ ‬تولى‭ ‬مقاليد‭ ‬الرئاسة‭ ‬عام‭ ‬1966‭ ‬وكان‭ ‬أكثر‭ ‬عداوة‭ ‬لتأثير‭ ‬الأفكار‭ ‬الغربية‭ (‬الغربية‭ ‬أو‭ ‬الشرقية‭) ‬من‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬بلة‭ (‬الرئيس‭ ‬الأول‭ ‬للجزائر،‭ ‬من‭ ‬1963‭ ‬إلى‭ ‬1965‭)‬،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يؤكد‭ ‬ضرورة‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬التنمية،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يريد‭ ‬توظيف‭ ‬حركة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬من‭ ‬كلا‭ ‬المعسكرين‭. ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمجموعة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز،‭ ‬مثل‭ ‬أفغانستان،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬تؤكد‭ ‬بدورها‭ ‬وضوح‭ ‬الهدف‭ ‬الرئيسي‭.‬ عرفت‭ ‬الحركة‭ ‬بعمر‭ ‬معين‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬عام‭ ‬1970،‭ ‬وأثرت‭ ‬كثيرا‭ ‬على‭ ‬الأجندة‭ ‬الدولية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الترويج‭ ‬لنظام‭ ‬اقتصادي‭ ‬دولي‭ ‬جديد،‭ ‬وتحركت‭ ‬أيضًا‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مجموعة‭ ‬الـ77،‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬إنشاؤها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1964‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للدول‭ ‬السائرة‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬النمو‭ ‬ثقلا‭ ‬ودورا‭ ‬مؤثرا‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭. ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬ظهر‭ ‬قادة‭ ‬جدد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬ضمنهم‭ ‬رئيس‭ ‬جمهورية‭ ‬تنزانيا‭ ‬جوليوس‭ ‬نيريري‭.‬ بدأت‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬الانحياز‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1971،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬ضد‭ ‬الصين،‭ ‬فيما‭ ‬أصبحت‭ ‬مصر‭ ‬تميل‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ثم‭ ‬التأمت‭ ‬قمة‭ ‬عام‭ ‬1979‭ ‬في‭ ‬هافانا‭ ‬بجمهورية‭ ‬كوبا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يعجب‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬93‭ ‬دولة‭ ‬عضوة‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز،‭ ‬حيث‭ ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬تخشى‭ ‬أن‭ ‬تسقط‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬في‭ ‬فلك‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭. ‬ أدى‭ ‬الغزو‭ ‬السوفيتي‭ ‬لأفغانستان‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬تلك‭ ‬السنة‭ ‬إلى‭ ‬استياء‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬حركة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز،‭ ‬وكانت‭ ‬جمهورية‭ ‬ميانمار‭ (‬بورما‭ ‬سابقا‭) ‬أول‭ ‬دولة‭ ‬تغادر‭ ‬حركة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‭ ‬طواعية‭.‬ كان‭ ‬الرئيس‭ ‬اليوغسلافي‭ ‬تيتو‭ ‬آخر‭ ‬شخصية‭ ‬تاريخية‭ ‬في‭ ‬الحركة،‭ ‬وقد‭ ‬توفي‭ ‬سنة‭ ‬1980،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬اليوغوسلافية‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬نشطا‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬الجنوب‭ ‬النشط‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬الجنوب‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬أبانت‭ ‬عن‭ ‬حدودها‭. ‬كانت‭ ‬بلغراد‭ ‬تتخوف‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬الراديكالية‭ ‬الكوبية‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والصين‭ ‬وبلدان‭ ‬السوق‭ ‬الأوروبية‭ ‬المشتركة‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬صدمة‭ ‬نفطية‭ ‬مزدوجة،‭ ‬أصبحت‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬غير‭ ‬النفطية‭ ‬تنتقد‭ ‬منظمة‭ ‬الدول‭ ‬المنتجة‭ ‬والمصدرة‭ ‬للنفط‭ (‬أوبيك‭) ‬والتي‭ ‬ينتمي‭ ‬بعضها‭ ‬إلى‭ ‬حركة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‭. ‬ أدت‭ ‬الصراعات‭ ‬بين‭ ‬الجنوب‭ ‬والجنوب‭ ‬إلى‭ ‬نشوب‭ ‬توترات‭: ‬غزو‭ ‬أوغندا‭ ‬من‭ ‬تنزانيا‭ ‬وكمبوديا‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬فيتنام،‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1978،‭ ‬وعزلة‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬بعد‭ ‬توقيع‭ ‬معاهدة‭ ‬كامب‭ ‬ديفيد‭ ‬للسلام‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬العراق‭ ‬وإيران‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1980‭ ‬وقد‭ ‬أفشلت‭ ‬طهران‭ ‬فكرة‭ ‬عقد‭ ‬قمة‭ ‬لحركة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬سنة‭ ‬1982‭.‬ وكانت‭ ‬كوبا‭ ‬والهند‭ ‬معاديتين‭ ‬للصين،‭ ‬ولا‭ ‬تدينان‭ ‬التدخل‭ ‬السوفيتي‭ ‬في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬وتدعمان‭ ‬فيتنام‭ ‬التي‭ ‬تغزو‭ ‬كمبوديا،‭ ‬كما‭ ‬أنهما‭ ‬تتحاملان‭ ‬على‭ ‬بلدان‭ ‬الجنوب‭ ‬التي‭ ‬تدعم‭ ‬المقاومة‭ (‬الصين‭ ‬وباكستان‭ ‬وبلدان‭ ‬رابطة‭ ‬الآسيان‭).‬ في‭ ‬بداية‭ ‬سنوات‭ ‬1980،‭ ‬استفاد‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬من‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬بشكل‭ ‬نهائي‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الانفراج‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬التقارب‭ ‬مع‭ ‬إحدى‭ ‬الدولتين‭ ‬العملاقتين،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تحقيق‭ ‬فوائد‭ ‬اقتصادية‭ ‬واستراتيجيّة‭. ‬فضل‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬أشكال‭ ‬البناء‭ ‬الإقليمية‭ ‬التي‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تجزئة‭ ‬الجنوب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬حركة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‭ ‬تفقد‭ ‬رؤيتها‭ ‬وهويتها‭.‬ هل‭ ‬توحدت‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الغرب؟ إنه‭ ‬سؤال‭ ‬كبير‭ ‬بدأ‭ ‬يطرح‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬حول‭ ‬انفصال‭ ‬العالم‭ ‬تدريجيا‭ ‬عن‭ ‬الغرب‭ ‬وتأكيد‭ ‬الجنوب‭ ‬لذاته،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬البلدان‭ ‬‮«‬الناشئة‮»‬‭ - ‬والتي‭ ‬ظهرت‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬وأصبحت‭ ‬تسهم‭ ‬بشكل‭ ‬فاعل‭ ‬في‭ ‬نمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭.‬ بعض‭ ‬المثقفين‭ ‬الإندونيسيين‭ ‬يريدون،‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الأيام،‭ ‬تسمية‭ ‬حركة‭ ‬عدم‭ ‬الانحياز‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬حركة‭ ‬تضامن‭ ‬الجنوب‮»‬‭. ‬تتطلع‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬مطالبها‭ ‬القديمة‭ ‬بممارسة‭ ‬قيادة‭ ‬الجنوب،‭ ‬مع‭ ‬تقديرها‭ ‬للأشكال‭ ‬الثنائية‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬المنظمات‭ ‬الإقليمية‭.‬ وبينما‭ ‬يزداد‭ ‬الرهان‭ ‬التاريخي‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الشرق‭ ‬والجنوب‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬تلعب‭ ‬روسيا‭ ‬أيضًا‭ ‬بورقة‭ ‬التضامن‭ ‬الدولي،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬حيث‭ ‬يؤكد‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الروسي‭ ‬ضرورة‭ ‬تحقيق‭ ‬المساواة‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬فيما‭ ‬تواجه‭ ‬روسيا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التحديات‭. ‬ يتم‭ ‬الترويج‭ ‬لتوسع‭ ‬مجموعة‭ ‬البريكس‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يمثل‭ ‬انتقاما‭ ‬حكيما‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬الجنوب‭ ‬من‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعماري،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفضي‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬إلى‭ ‬الاصطفاف‭ ‬وراء‭ ‬قيادة‭ ‬بيكين‭ ‬وموسكو،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬حملة‭ ‬مناهضة‭ ‬للأحادية‭ ‬القطبية‭ ‬وأحادية‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وفرض‭ ‬‮«‬القيم‮»‬‭ ‬الغربية‭ ‬وتصدير‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬والمزيد‭ ‬من‭ ‬مكافحة‭ ‬هيمنة‭ ‬الغرب‭ ‬والنزعة‭ ‬التوسعية‭ ‬للحلف‭ ‬الأطلنطي‭. ‬ جنوب‭ ‬العالم‭ ‬هوية‭ ‬مشتركة‭ ‬أو‭ ‬إرادة‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬مشترك‭ ‬رغم‭ ‬هذا‭ ‬التقارب‭ ‬الذي‭ ‬نجده‭ ‬ما‭ ‬بينها‭. ‬قليلة‭ ‬هي‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتحدث‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬لتجنب‭ ‬تعميق‭ ‬الهوة‭ ‬بين‭ ‬الشمال‭ ‬والجنوب‭ ‬وبين‭ ‬الغرب‭ ‬والاصطفاف‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭. ‬ كومونز

مشاركة :