القاهرة - الخليج: عصور ما قبل التاريخ اصطلاح مرن، يُطلق على تلك الأزمنة السحيقة، التي سبقت عصور اهتداء الأمم القديمة إلى الكتابة، وتكوين القوميات الكبيرة، والوحدات السياسية المستقرة، ويرادفه إلى حد ما تعبير اصطلاحي آخر، بأنها تلك العصور التي بدأت معها حضارة الإنسان البدائي، الذي اعتمد فيها على الأدوات المصنوعة يدوياً من الحجر، بما يتناسب مع متطلباته واحتياجاته اليومية المحدودة، وبعض أدوات أخرى مصنوعة من غصون الأشجار وعظام الحيوانات الكبيرة النافقة وأنيابها، والأصداف البحرية، ومخلفات تلك العصور بدائية متواضعة وضئيلة خشنة. د. سعيد حربي في كتابه حضارات مصر القديمة في عصور ما قبل التاريخ، يتناول الفترة من 7500 إلى 3000 قبل الميلاد تقريباً، موضحاً أن الفن في عصور ما قبل التاريخ في مصر، لم يكن يقتصر دوره على مجرد التعبير عن الأفكار والمشاعر، التي تتطور بالعقل من مكان لآخر، بل كان يساعد على ابتداعها وتطورها، أي أنه كان بمثابة قوة خلاقة، وليس مجرد لسان حال عصره، وكان، أيضاً، تعبيراً عن شيء يتميز به زمانه بوجه عام، وهو أيضاً تعبير عن بعض سمات إنسانية عامة مشتركة، تتصف بها عصور كثيرة على أنها تعبير عن نواحٍ أخرى، وليس فقط جزءاً من عصره، وهذا يعني أن هناك انسجاماً أساسياً واتساقاً بين الفن وغيره من المظاهر الثقافية لهذا الزمان والمكان. يشير المؤلف إلى أن كل نشاطات الفنان وخططه وقراراته كانت فردية، من ناحية العائلة والقبيلة والقرية أو المدينة، لأن الفنان الفرد كان كنتيجة مؤثرة وكمتلقٍ يتلقى المؤثرات، إضافة إلى أنه كان شخصياً ناشط التعبير، متصلاً بمجتمعه ومطلعاً على أحواله، ويعد هذا الفن في مجمله استجابة لحقيقة الموت، لذا سيطرت على الفنان المصري القديم الرغبة في إنتاج فن وأشياء في الحياة الدنيا، يمكن أن تستمر فائدتها في مملكة الموتى في العالم الآخر. كما كان الفن في هذه العصور فناً غير منظور ليضع عنصري الزمان والمكان تحت سيطرته التامة، فلا يمكن القول إن الفنان كان يغفل هذين العنصرين، أو يعتبرهما غير موجودين، فهما موجودان بالضرورة، لكن بالقدر القليل الذي لا يمكن تلافيه، للتعبير عن الوضع والحركة، التي تشغل الحيز والمسافة، كما كان الفن مهتماً بترجمة وجهة النظر المصرية للعالم والكون والعالم الآخر، وكان كل شيء بالنسبة للإنسان البدائي في أول الأمر يبدو طبيعياً، أمّا إذا خرج عن نطاق الطبيعة، فكان لابد من معرفة أو حقيقة تجلوه، وهذا لم يكن قد بلغه الإنسان البدائي بعد، لهذا كانت الديانة هي المعجزة، التي اهتدى إليها الإنسان، لأنها شملت كل ما لا يعرفه، وما لم يصل إليه بعد، وهي التي صاغها الفنان في تلك الأشكال الخالصة، ومثلها العليا، التي يريد أن يعرفها أو يدركها.
مشاركة :