مقالة خاصة: جسامة الخسائر في الأرواح بغزة...أثارت غضبا عارما وحاجة ملحّة لوقف إطلاق النار

  • 12/25/2023
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

فقد أكثر من 20 ألف فلسطيني أرواحهم في قطاع غزة منذ اندلاع الصراع بين إسرائيل وحماس في السابع من أكتوبر الماضي. وبهذا تجاوز عدد سكان القطاع الذين أُبْلِغَ عن مقتلهم خلال الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ 11 أسابيع هناك، فعليا عدد القتلى في أي صراع عربي آخر مع إسرائيل منذ أكثر من 40 عاما، وربما أي صراع آخر منذ تأسيس دولة إسرائيل عام 1948. وعمّت حالة من الغضب الشارع العربي بل والعالمي إزاء الخسائر الجسيمة في الأرواح التي شكّلت حقا مأساة إنسانية مروعة. وعبّر العديد من الخبراء والباحثين عن آرائهم تجاه الوضع في قطاع غزة من خلال متابعتهم لآخر المستجدات، ونعرض بعضها في هذا المقال. -- الحرب على غزة تجاوزت كل الحدود فقد قالت هلا سليمان، الصحفية الأردنية المتخصصة بالشأن السياسي، في مقابلة مع وكالة أنباء ((شينخوا))، إن حجم الدمار الذي سببته الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة كبير، لافتة إلى أن إسرائيل تستمر في تجاهل جميع الدعوات الدولية للوقف الفوري لإطلاق النار، بل وتخرق جميع القوانين الدولية من خلال استهدافها المستشفيات والمساجد والكنائس والمدارس. وأشار رائد محمود، المحرر السياسي في المؤسسة الصحفية الأردنية، إلى أن الأردنيين والأردن كانوا صوتا قويا منذ البداية في دعم أهالي غزة، مضيفا أن إسرائيل تواصل ارتكاب جرائمها وتمنع دخول المساعدات الإنسانية المراد إيصالها إلى المدنيين في القطاع، وهو ما أدى إلى وفاة العديد من المصابين في المستشفيات بسبب نقص المستلزمات الطبية والأدوية. وعن الوضع الصحي أيضا الذي تعاني فيه غزة من توقف الخدمات الأساسية وتحاول يائسة الحصول على الإمدادات الحيوية، أوضح الدكتور أحمد المنظري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، في حوار عبر تطبيق ((زووم))ببرنامج "مساء دي إم سي" أنه من أصل 36 مستشفى في قطاع غزة، تعمل الآن 9 مستشفيات فقط، من بينها 4 مستشفيات لا تقدم سوى الإسعافات الأولية. وعلى صعيد آخر، أكد خبراء عسكريون أن الأرقام الصادمة للحرب الإسرائيلية على غزة لا يمكن مقارنتها بأي حرب أخرى، حيث وصف اللواء أركان حرب نصر سالم، أثناء حديثه لصحيفة ((اليوم السابع)) المصرية، المشهد قائلا إن أهداف الحرب الإسرائيلية على غزة تجاوزت المعلن "ووصلت إلى حرب إبادة للشعب الفلسطيني". واتفق مارك غارلاسكو، الخبير العسكري والمحلل الاستخباري السابق في البنتاغون الأمريكي، مع هذا الرأي ليصف الأوضاع في غزة بأنها تتجاوز كل ما رآه في حياته المهنية، حيث تسارعت وتيرة قتل المدنيين وأصبحت الفئات الأكثر ضعفا مثل النساء والأطفال هي الأشد تضررا، وذلك مقارنة بالحروب التي قادتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق وقوبلت بانتقادات واسعة من قبل جماعات حقوق الإنسان. وفي الوقت نفسه، دعا وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى النظر لحجم الدمار الهائل الذي لحق بقطاع غزة، قائلا إنه من غير المقبول أن يتعامل المجتمع المدني مع ما يحدث في غزة من قتل وتهجير قسري خارج إطار قواعد القانون الدولي. -- أصوات تعلو بنفاد الصبر الدولي وجه أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، رسالة إلى مجلس الأمن الدولي في 6 ديسمبر بشأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قائلا "نواجه خطرا شديدا يتمثل في انهيار المنظومة الإنسانية. الوضع يتدهور بسرعة نحو كارثة قد تكون لها تبعات لا رجعة فيها على الفلسطينيين وعلى السلام والأمن في المنطقة". وبعد جهود دولية شاقة، اعتمد مجلس الأمن الدولي قرارا رئيسيا يوم الجمعة يؤكد على ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة للسماح فورا بإيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين المنكوبين في غزة، دون الدعوة إلى "وقف عاجل للأعمال العدائية" بين إسرائيل وحماس. وقد جاء هذا التصويت بعد استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد تعديل روسي يعيد الدعوة إلى "وقف الأعمال العدائية". وفي الواقع، ألقت الولايات المتحدة بدعمها خلف حليفتها القديمة إسرائيل، حيث اعترضت مرارا على مشاريع قرارات مقدمة في الأمم المتحدة بشأن الوضع في غزة. ففي شهري أكتوبر وديسمبر، استخدمت حق النقض (الفيتو) مرتين ضد مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، رغم دعم الغالبية العظمى من أعضاء مجلس الأمن له، وهو ما زاد من استياء وغضب المجتمع الدولي. ومن جهتها، قالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية (أمنستي) أنييس كالامار، على منصة التواصل الاجتماعي (إكس) إن استخدام الولايات المتحدة لحق النقض (الفيتو) "يظهر استهتارا بالغا بمعاناة المدنيين في مواجهة الخسائر الفادحة في الأرواح" بقطاع غزة. كما أشارت في البيان الذي نُشر يوم 8 ديسمبر إلى أن واشنطن "لجأت بوقاحة إلى استخدام حق النقض (الفيتو) واستخدمته كسلاح لفرض رأيها على مجلس الأمن الدولي، ما أدى إلى تقويض مصداقيته وقدرته على الوفاء بتفويضه المتمثل في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين". ومن جانبه، قال حسام زكي، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية خلال منتدى التعاون الروسي العربي في مراكش بالمغرب يوم الأربعاء الماضي "نأمل أن يتمكن مجلس الأمن من تمرير هذا القرار، وألا يكون هناك تصويت من عضو دائم وأخص بالذكر الولايات المتحدة"، مضيفا أن "الأمل العربي معقود على أن تتفهم الولايات المتحدة أن الصبر الدولي قد نفد على الممارسات الإسرائيلية". وفي نفس المنتدى، شدد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية في كلمة عبر الفيديو من القاهرة على أن كل من يقف ضد وقف فوري لإطلاق النار في غزة يحمل على يديه دماء الأبرياء. وقد أشار بيان صحفي صادر عن المكتب الإعلامي لحكومة حماس يوم الأربعاء في غزة إلى أن أكثر من 1.8 مليون نازح في قطاع غزة يتعرضون إلى التهديد بشكل واضح في الأمن الغذائي والمائي والدوائي، ويعانون من سوء المعيشة والمأوى، مضيفا أن المساعدات التي تدخل قطاع غزة لا تلبي 2 في المائة من احتياجات قطاع غزة الهائلة. كما يُحمل البيان المجتمع الدولي والولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل المسؤولية الكاملة عن الحرب. وفيما يتعلق بدور واشنطن في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قال الكاتب السياسي الفلسطيني أكرم عطا الله لـ((شينخوا)) إن الولايات المتحدة انتقلت في هذه الحرب من حليف إلى شريك، شريك كامل يغطي إسرائيل من الناحية الدبلوماسية والسياسية وأمام المؤسسات الدولية، كما عزلت خصوم إسرائيل في المنطقة، وهذا سيؤثر على وقف إطلاق النار ويضعف آفاق التهدئة. ومن جهة أخرى، قال جيمس زغبي، وهو أكاديمي وكاتب أمريكي من أصل عربي ويرأس المعهد العربي الأمريكي في واشنطن، إنه بدلا من التعامل بجدية مع الخسائر الكبيرة في الأرواح الفلسطينية والظروف القاسية للغاية التي يعيشها النازحون، تواصل الولايات المتحدة منح الأولوية للهدف العسكري الإسرائيلي الخيالي المتمثّل في "القضاء على حماس". -- ازدواجية صارخة في المعايير في الوقت نفسه، ذكرت سحر خميس، زميلة أولى غير مقيمة في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، أن وسائل الإعلام الغربية أخذت موقفا منحازا بشكل واضح لصالح إسرائيل، ما تسبب في زيادة انتشار المعلومات المضللة حول الأزمة وتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم. وأضافت أنه في حين صنفت وسائل الإعلام الغربية السابع من أكتوبر كـ"هجوم إرهابي" بشكل قاطع، صورت في المقابل الهجوم الإسرائيلي على غزة على أنه إجراء يندرج ضمن "الدفاع عن النفس". وفي نفس السياق، قال الزميل المتميز في الجامعة الأمريكية ببيروت رامي خوري، إن تردد وسائل الإعلام الأمريكية في استخدام كلمة "إبادة" فيما يتعلق بالهجمات الإسرائيلية على غزة، إلى جانب ميلها إلى تجاهل أو إنكار الجرائم الإسرائيلية ضد الأبرياء الفلسطينيين، يشير إلى أن إسرائيل يمكنها مواصلة حملة "القتل مع الإفلات من العقاب"، ويطمئن الإدارة الأمريكية بأنها لن تُحاسب على تواطؤها. كما أنه في نوفمبر من هذا العام، ذكرت صحيفة ((واشنطن بوست)) في تقرير لها أن أكثر من 750 صحفيا وقعوا على رسالة مفتوحة تنتقد تغطية وسائل الإعلام الغربية للحرب. وتضم الرسالة موقعين من وكالة ((رويترز)) وصحف ((لوس أنجلوس تايمز)) و((بوسطن غلوب)) و((واشنطن بوست)). وفي الأسابيع التي سبقت الجولة الجديدة من الصراع والأسابيع التي تلت ذلك، أجرى ((الباروميتر العربي)) استطلاعا للرأي العام في تونس، كشفت نتائجه عن تحول كبير في تصورات المستطلعة آراؤهم حيال الولايات المتحدة. ففي المقابلات التي أُجريت قبل 7 أكتوبر، كان لدى 40 في المائة من التونسيين آراء "إيجابية" أو "إيجابية إلى حد ما" تجاه الولايات المتحدة، مقارنة بـ56 في المائة ممن كانت لديهم آراء "غير إيجابية". ولكن بعد بدء الحرب في غزة، شهدت النتائج تغيرا سريعا. ففي نهاية فترة الاستطلاع، كانت لدى 10 في المائة فقط من التونسيين آراء "إيجابية" تجاه الولايات المتحدة، بينما كان لدى 87 في المائة انطباعات "غير إيجابية". ويبدو أن كبار المفكرين في العالم العربي يتشاطرون هذا التصور مع التونسيين، ففي جريدة ((الأهرام))، كتب السياسي والكاتب والمفكر المصري الدكتور خالد قنديل حول التناقض البارز بين التشدق الأمريكي والأوروبي طوال الوقت بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والالتزام بالقانون الدولي، قائلا "تقرأ خبرين متعلقين في توقيت واحد، يقول أحدهما: ((أمريكا تعلن عن تقديم مساعدات إنسانية إضافية للشعب الفلسطيني))، بينما ظل الجسر الجوي الأمريكي الذي بدأ في اليوم الثاني من الحرب، مستمرا بالدعم العسكري للجيش الإسرائيلي". وفي حوار خاص مع ((الجزيرة نت))، قال كينيث روث، المدير التنفيذي السابق لمنظمة ((هيومن رايتس ووتش))، إن حكومة الولايات المتحدة تعد أكبر مزود للأسلحة والمساعدة العسكرية لإسرائيل، وينبغي لها أن تمتنع عن تقديم أي أسلحة أو مساعدة يمكن استخدامها في قصف أو الهجوم على المدنيين الفلسطينيين. على الأقل، يجب أن تربط رسميا أي أسلحة أو مساعدة بوقف هذه الهجمات.

مشاركة :