القدس - نصب شبّان شجرة عيد الميلاد على أرض موقف سيارات في الحي الأرمني في القدس القديمة ليؤكدوا على ملكية الفلسطينيين المسيحيين الأرمن للأرض، في مواجهة صفقة عقارية يصفونها بـ"المشبوهة" ويخشون أن تقضي على الحي. وفي العام 2021، أبرم اتفاق بين بطريركية الأرمن في القدس وشركة "زانا غاردنز" المحدودة التي يقف وراءها رجل الأعمال الأسترالي داني روثمان الذي يحمل أيضًا الجنسية الإسرائيلية. وينص الاتفاق على بناء فندق فخم على قطعة أرض تملكها الكنيسة، وفق ما يفيد المحامي الإسرائيلي الخبير في شؤون القدس دانيال سيدمان. ويقول محامي مجتمع حي الأرمن "هناك اتفاقية موقعة بين البطريرك وبعض المطوّرين الإسرائيليين، الظروف مشبوهة وشرعية هذا الاتفاق موضع شكّ كبير"، مشيرا إلى أن سكان الحي لم يُستشاروا في الصفقة. ويضيف سيدمان "هذه ليست صفقة عقارية واضحة وأظن بشدّة أن المستوطنين في القدس الشرقية يقفون وراءها وهناك بعض الأدلة بهذا الصدد". ويقع الحي الأرمني في البلدة القديمة من القدس الشرقية في الناحية الجنوبية الغربية من المدينة وهو واحد من الأحياء الأربعة الأساسية. يقع على أعلى تلّة في المدينة ويتوسّط باب الخليل وباب النبي داوود من أبواب المدينة الثمانية ويعيش في الحي نحو 2000 أرمني. ويشعر الأرمن بأن من شأن هذا الاتفاق أن يفقدهم 25 في المئة من مساحة أرض تعود للكنيسة الأرمنية تم تأجيرها بموجب الاتفاق لمدة 99 عاما. وتعادل هذه المساحة 11500 متر مربع وتتضمّن موقف سيارات وقاعة ندوات البطريركية إضافة الى مبنى قديم فيه خمسة مساكن ومطعم ومتجر، بحسب حركة "أنقذوا الحي الأرمني". ومنذ أسابيع، يتناوب سكان الحي على المرابطة ليلا نهارا في الأرض المعنية بالاتفاق. وأعلنت البطريركية الأرمنية الخميس أن "أكثر من 30 شخصا ملثمين" اعتدوا وجرحوا أعضاء من الكنيسة الأرمنية تجمعوا في المكان المثير للجدل. واتهمت روثمان بتدبير هذا "الهجوم" بعد أن تقدّم بطريرك القدس للأرمن نورهان مانوجيان بشكوى إلى القضاء للحصول على إلغاء الصفقة. وتؤكد بطريركية الأرمن في القدس أن البطريرك مانوجيان أرسل رسالة الى محامي شركة "زانا غاردنز" في 26 أكتوبر/تشرين 2023 لإبلاغها رسميا بإلغاء الاتفاقية. ونفى البطريرك أن يكون علم بالصفقة ويتهم مسؤول العقارات باريت يريتزيان المخول بالتوقيع عنه بالقيام بذلك دون علمه. وتمّ تجريد يريتزيان من كهنوته. ويقول الفلسطينيون إن البلدة القديمة في القدس الشرقية المحتلة تخضع لعمليات تهويد متسارعة في أحيائها الإسلامية والمسيحية. وتعلن جمعيات استيطانية مثل جمعية "عطيرت كوهانيم" أنها تعمل على جعل المدينة يهودية وتسعى جمعيات دينية متطرفة الى الاستحواذ على بيوت يسكنها فلسطينيون بطرق شتى. ويقول سيدمان "كلّ شيء سيتقرّر في المحاكم التي ستحتاج الى بعض الوقت ولن يتمّ حلّ المشكلة قريبًا"، بينما يؤكد سيتراك باليان (27 عاما) أحد مؤسسي حركة "أنقذوا الحي الأرمني" أن الحركة التي تأسست في شهر يوليو/تموز الماضي تسعى إلى "الدفع نحو إلغاء الصفقة وإنقاذ أرضنا ووجودنا". ويضيف "بحسب الدستور الداخلي للبطريركية على البطريرك قبل أن يعقد أي صفقة عقارية أن يستشير ويحصل على موافقة أكثر من 25 أسقفا"، "لكن الأساقفة كتبوا في 21 أكتوبر/تشرين أن أغلبهم لم يعرفوا عن الصفقة". ويتابع "بعد أن أرسل البطريرك رسالة للمستثمرين بإلغاء الصفقة، قامت الشركة المطوّرة في الخامس من نوفمبر/تشرين باستخدام تكتيكات التخويف، فأحضرت جرافات ومسلحين وكلابا" إلى المكان ويذكر أنها "هدمت السور الداخلي، لكن الشباب الأرمني نجح بالتصدي لهم بأجسادهم". ويقول التاجر كيغام باليان من جهته "نحن نخوض معركة سلمية ولسنا خائفين"، مضيفا "لقد كنّا هنا منذ 700 عام وهذا جزء من هويتنا"، مشيرا الى أن حركة "انقذوا الحي الأرمني" تتلقى دعما من المغتربين في الخارج الذين يقدمون المساعدة القانونية والتغطية الإعلامية. وعبّر رؤساء الكنائس في القدس الشهر الماضي في بيان عن قلقهم "العميق مما يجري في الحي الأرمني" بعد الإعلان عن إلغاء عقد "ملوث". وقالوا إن البطريركية الأرمنية في القدس تتعرّض "لأكبر تهديد وجودي في تاريخها. ويمتد هذا التهديد الوجودي الإقليمي بشكل كامل إلى جميع الطوائف المسيحية في القدس". وهذه ليست المرة الأولى التي تكون فيها أملاك مسيحية جزءا من صفقات، فمنذ عام 1991 وحتى الآن، تنصّل ثلاثة بطاركة أرثوذوكس من صفقات بيع مشبوهة لأملاك البطريركية في القدس القديمة ملقين اللوم على مساعديهم. وخسرت الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية مؤخرا بعد أكثر من 17 عاما من المداولات القضائية ثلاثة عقارات هي فندق إمبريال وبيت المعظمية وفندق البتراء عند مدخل باب الخليل لصالح مستوطني عطيرت كوهانيم. وألقت البطريركية باللوم على محام قالت إنه محتال أساء استغلال صلاحياته "لسرقة البطريركية". وقبلها خسرت البطريركية الأرثوذكسية في المحكمة العليا عام 1994 نزل مار يوحنا قرب كنيسة القيامة وفيه نحو 164 غرفة، وقد تحوّل الى مدرسة دينية وكنيس وسكن لعدد من العائلات اليهودية. ومع زيادة وتيرة الاستيطان في القدس وكذلك أعمال التخريب والاعتداءات على مسيحيين، رفعت الكنائس صوتها في 14 أبريل/نيسان العام الماضي ضد "المتطرفين" اليهود الذين يستوطنون في الحي المسيحي في القدس واعتبرت أنهم "يهددون توازنا طائفيا هشا فيها"، مؤكدة أن "الطابع المسيحي" للمدينة المقدسة "مهدّد". واحتلّت إسرائيل قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية في حرب عام 1967 وأعلنت ضمّ القدس في خطوة تعتبرها الأمم المتحدة غير قانونية.
مشاركة :