يناضل السوري غسان الحمود بشكل يومي مع أفراد أسرته للعيش في محافظة الحسكة شمال شرق البلاد في ظل وجود القوات الأمريكية وسيطرتها على الموارد وآبار النفط والمحاصيل الزراعية والمعابر الحدودية. وعلى غرار سكان الحسكة والمنطقة الشرقية في سوريا يعيش الحمود وأسرته ظروفا حياتية واقتصادية صعبة، خاصة فيما يتعلق بالحصول على الغذاء والوقود مع وجود "قوات الاحتلال الأمريكي"، حسب ما قال. وتنتشر القوات الأمريكية في عدة قواعد عسكرية في محافظة الحسكة، من أبرزها الشدادي ورميلان، وتقوم بين الحين والآخر بتسيير دوريات راجلة في المنطقة. وقال الحمود، وهو مدرس وأب لأربعة أطفال يقطن في قلب مدينة الحسكة لوكالة أنباء ((شينخوا)) "إن الوجود الأمريكي في المناطق الشمالية الشرقية والشرقية يؤثر على جميع جوانب الحياة لشعب المنطقة الشمالية". وتابع الرجل الذي يبلغ من العمر (51 عاما) "نحن اليوم أمام تحديات مختلفة في كافة الجوانب بسبب وجود الاحتلال الأمريكي في المنطقة". ويظهر تأثير وتداعيات وجود القوات الأمريكية ملموسا على المجتمعات المحلية في مجالات الأمن الغذائي والوقود عبر الاستيلاء على الأراضي وتهجير الرافضين للعيش "في ظل الاحتلال"، وفق الحمود. ويستذكر الحمود بحنين السنوات السابقة على الأزمة السورية، قائلا "في السابق كنا نعيش حياة رائعة، حياة تسودها الرفاهية في ظل الحكومة السورية، كل الأدوات الحياتية المعيشية من تعليم وأمن غذائي متوفرة، العلاقات الأسرية والتنقل بين المحافظات". وأضاف "اليوم الاحتلال الأمريكي جردنا من كل هذه الجوانب الحيوية". وتتهم دمشق بشكل متكرر ومستمر القوات الأمريكية بسرقة النفط والحبوب من المناطق التي تسيطر عليها في شرق وشمال شرق سوريا ونقلها عبر شاحنات وصهاريج إلى العراق. وكان رئيس شركة النفط السورية فرحان جميل عبد الله قد قال في يوليو الماضي إنه نتيجة للعقوبات الأمريكية والوجود العسكري في سوريا انخفض إنتاج شركته من النفط من 385 ألف برميل يوميا قبل الأزمة إلى 15 ألف برميل يوميا، في حين انخفض إنتاج الغاز من 30 مليون متر مكعب يوميا إلى 10 ملايين متر مكعب. وأضاف عبد الله أن معظم حقول الطاقة في سوريا خرجت عن سيطرة الحكومة نتيجة الوجود الأمريكي. وقال وزير النفط السوري فراس حسن قدور في يوليو الماضي إن الاحتلال الأمريكي أدى إلى خسائر اقتصادية بنحو 100 مليار دولار في قطاع الطاقة السوري. وقال رئيس مكتب نقابة عمال المواد الغذائية في اتحاد عمال محافظة الحسكة خالد الذياب لـ ((شينخوا)) إن القوات الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من واشنطن "سرقت أكثر من مليون طن من القمح كانت مخزنة في مراكز وصوامع تخزين القمح في أرجاء محافظة الحسكة بعد السيطرة عليها". واتهم الذياب هذه القوات ببيع القمح في دول الجوار بأسعار باهظة ضمن سياسة محاصرة الشعب السوري. وفي ضوء هذا الوضع ترغب المعلمة السورية البتول عليوي البالغة من العمر (45 عاما) في أن ينتهي "الاحتلال الأمريكي" ليتعافى المجتمع السوري. وقالت عليوي وهي زوجة غسان الحمود لـ((شينخوا)) إن "الاحتلال الأمريكي يواصل الضغط على الناس، حيث يسيطر على موارد البلاد وآبار النفط والمحاصيل الزراعية والمعابر الحدودية"، مشيرة إلى أن هذه السيطرة فتحت الباب أمام التهريب والفوضى في تسويق المنتجات. وتابعت أنه إذا انتهى الاحتلال الأمريكي اليوم فإن المجتمع السوري يمكن أن يتعافى، مشددة على أن سرقة الموارد والمحاصيل والمصاعب التي يتعرض لها الناس أثرت سلباً على النسيج الاقتصادي والاجتماعي للعائلات السورية. ومن هذه المصاعب تفاقم الأمراض وعودة "الأوبئة المنسية" إلى الظهور بسبب عدم كفاية الرعاية الصحية والتحصينات وارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان في محافظة الحسكة والمنطقة الشرقية، وفق السيدة عليوي. ولا توجد إحصائية دقيقة لنسبة زيادة الإصابة بمرض السرطان لعدم توفر كوادر طبية كافية، بحسب مدير صحة محافظة الحسكة الدكتور عيسى خلف. لكنه أكد أن "نسبة المراجعين للمراكز الطبية ازدادت بشكل ملحوظ لأخذ المتممات والعلاجات"، وعزا ذلك إلى التكرير العشوائي للنفط واستخدام القوات الأمريكية أسلحة محرمة دوليا خلال وجودها في منطقة الجزيرة السورية والعراق. وأوضح خلف لـ ((شينخوا)) أن "القوات الأمريكية استخدمت الأسلحة المحرمة دوليا خلال احتلال العراق في عام 2003، ما أثر على بعض المناطق السورية القريبة من الحدود، الأمر الذي رفع الإصابة بمرض السرطان". وأضاف أنه "خلال نشوب الحرب في سوريا عام 2011 وخروج الكثير من المناطق عن سيطرة الدولة السورية وخضوعها لسيطرة الاحتلالين التركي والأمريكي، استخدم الأهالي التكرير العشوائي للنفط بطريقة بدائية، ما أدى لانطلاق غازات سامة ساهمت في زيادة حالات السرطانات الموجودة في منطقة الجزيرة السورية عما كانت عليه قبل عام 2010". وتضم منطقة الجزيرة السورية محافظات الحسكة ودير الزور والرقة. وأكد خلف عدم وجود مراكز لمعالجة الأورام في محافظة الحسكة، مشيرا إلى أن كل المرضى يتم تحويلهم إلى مستشفى البيروني بدمشق لتلقي العلاج. وفي محافظة الحسكة خمسة مشافي حكومية، أربعة منها خارج سيطرة الدولة السورية، فيما يخدم المشفى الوحيد الباقي، وهو مشفى القامشلي، المنطقة الشرقية، بجانب مركز صحي بمدينة الحسكة يقتصر دوره فقط على إعطاء اللقاحات، وفق مصدر طبي في محافظة الحسكة. وتحتل سوريا قياساً بتعدادها السكاني المرتبة الخامسة بين دول غرب آسيا في عدد الإصابات بالسرطان، إذ توجد 196 إصابة بين كل 100 ألف سوري و105 حالات وفاة من كل 100 ألف مريض، وفق تقرير سابق للوكالة الدولية للبحوث السرطانية التابعة لمنظمة الصحة العالمية. وبجانب المصاعب الصحية، يؤثر الوجود الأمريكي في سوريا على الفرص الاقتصادية للشباب، بحسب التاجر السوري قيس عليوي. وقال عليوي البالغ من العمر (32 عاماً)، وهو شقيق البتول إن "التأثير المباشر والصريح للاحتلال الأمريكي في المنطقة الشرقية لسوريا هو على حياة الشباب"، مشيرا إلى أن الفرص الاقتصادية اختفت تماما وتفاقمت بسبب التحديات التي فرضها قانون قيصر وتقلب سعر الصرف بسبب العقوبات الأمريكية. أما الفتاة الصغيرة نور الحمود، وهي طالبة تبلغ من العمر (11 عاماً) فتتمثل معاناتها في إغلاق المدارس القريبة من منزلها. وقالت نور "لقد أغلقوا جميع المدارس القريبة من منازلنا، والآن علينا أن نسير لمسافات طويلة بسبب الاحتلال الأمريكي". ويبلغ عدد المدارس الحكومية في محافظة الحسكة 2285 مدرسة، جزء منها طاله الإرهاب، فيما استولت الإدارة الذاتية الكردية وقوات سوريا الديموقراطية على أكثر من ألفي مدرسة وحولت بعضها لمقار لها والبعض الآخر لتعليم مناهج خاصة بها، وفق مصدر حكومي في مديرية تربية الحسكة. وقال المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لـ ((شينخوا)) "حاليا هناك 146 مدرسة وخمسة مقار حكومية يتم تدريس المناهج الحكومية فيها لنحو 140 ألف طالب في مناطق سيطرة الجيش السوري في مدينة الحسكة وريفها". وتجسد معاناة أسرة الحمود في الحسكة هموم وصعوبات الحياة لغالبية الأسر في شرق وشمال شرق سوريا بسبب الوجود الأمريكي. وفي يناير الماضي حمل مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة السفير بسام صباغ الولايات المتحدة المسؤولية عما آلت إيه الأوضاع السياسية والإنسانية في سوريا، قائلا خلال جلسة في مجلس الأمن الدولي إن "سلوك واشنطن الهدام هو الذي أوصل ملايين السوريين إلى حالة انعدام الأمن والاستقرار، وحول جزءاً كبيراً منهم إلى لاجئين ونازحين وأفقدهم الأمن الغذائي"، بحسب الإعلام الرسمي.■
مشاركة :