مصر: مناهج التعليم تبقى حبيسة في التطوير العقيم والحذف السياسي

  • 3/28/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لم تكن يوماً من محبي البرادعي، أو أنصاره، أو المؤمنين به. بل لم تكن على دراية بأصله وفصله، وسبب شهرته، وعوامل أهميته. لكن حين قرأت تغريدة على «تويتر» يسخر صاحبها من الأدمغة المسؤولة عن المناهج الدراسية والتي تفتق ذهنها عن حذف الرجل من «نشاط 3» في الفقرة الواردة في كتاب اللغة العربية المقرر للصف الخامس الابتدائي والوارد ضمن قائمة المصريين الحاصلين على جائزة «نوبل»، بحثت حتى حصلت على الكتاب المذكور وقرأت المقصود وأصبح «حذف البرادعي» موضوع الساعة وحديث الشلة. شلة آية حسين (20 سنة) طالبة في إحدى الجامعات الخاصة لا تهوى السياسة ولا تحب متابعة الأخبار باستثناء تلك التي ينتقيها الأصدقاء للتدوين والتعليق على فايسبوك وتويتر». وحين وجدت عدداً هائلاً من التغريدات الناقمة على حذف «البرادعي»، بحثت وقرأت عن الدكتور محمد البرادعي الديبلوماسي والمدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والسياسي والناشط وضمن أكثر الشخصيات المصرية إثارة للجدل في خلال العقد الماضي. وعلى رغم أنها بقيت على شعورها بعدم حب الرجل أو كراهيته أو الإيمان بمبادئه وأهدافه أو معارضتها، إلا أنها وجدت نفسها وقد انضمت الى قائمة المنتقدين للأوضاع التعليمية والأفكار العقيمة المتعاملة مع المناهج الدراسية ودارسيها، باعتبارهم صناديق جامدة وأدمغة فارغة. فراغ الفكر التجديدي وخواء الابتكار التحديثي في مجال التعليم منذ عقود طويلة تجليا الأيام القليلة الماضية، من خلال قرارات عجيبة وخطوات غريبة اتخذتها وزارة التربية والتعليم التي قرر مسؤولون فيها حذف صورة البرادعي من فقرة أوردت أسماء شخصيات مثل الرئيس الراحل محمد أنور السادات والدكتور أحمد زويل والأديب الراحل نجيب محفوظ وذلك ضمن المصريين الحاصلين على جوائز نوبل. والسبب وفق المتحدث باسم الوزارة بشير حسن هو «مواقفه (البرادعي) العدائية وتصريحاته المحرضة ضد مصر بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة وثورة 30 يونيو». وعلى رغم صحة ورود العديد من الشكاوى من أولياء أمور الطلاب وعدد من المعلمين إلى وزراة التربية والتعليم، مطالبة بحذف أية إشارات الى البرادعي وغيره من «المعادين لمصر» من المناهج الدراسية، إلا أن التعامل مع المناهج الدراسية باعتبارها «صفحة رأي» في جريدة أو موقف شخصي يتخذه سياسي بعيدة عن فكر تجديد المناهج المطلوب لإنقاذ التعليم المصري من غياهب التحجر ومد يد العون للمنظومة برمتها التي تحولت فيها المدرسة من مؤسسة تربوية وتعليمية إلى مبنى يضطر المعلمون والطلاب أحياناً إلى المرور عليه لتوقيع كشف «الحضور». حضور البرادعي أو غيابه في المناهج المدرسية لا يشكل في حد ذاته مثار قلق أو لغط أو سخرية الطلاب، لا سيما الأكبر سناً ممن يرون في الحذف والإضافة، بناء على أهواء سياسية أو أغراض أيديولوجية، مثاراً للسخرية ودليلاً على السطحية. سطحية التفكير في ما يختص بتحديث المناهج ليست وليدة حذف البرادعي، لكنها سمة عمرها سنوات طويلة. مصطفى منتصر (21 سنة - طالب جامعي) يضحك كثيراً وهو يتذكر القصة التي كانت مقررة في المرحلة الابتدائية والتي تم تقديمها في حينها باعتبارها قمة التجديد ومواكبة روح العصر وثورة الإنترنت. القصة اسمها «مغامرات في أعماق البحار» وهي أسخف ما قرأت في حياتي، وإذا كانت تساعد على شيء، فهي تساعد على التخلف». وبين التخلف والتقدم فجوة كبيرة عمرها عقود طويلة. لكن العقلية السائدة والتي تعبر عن نفسها بخطوات «تحديثية» وإجراءات «ابتكارية» مثار للقلق ومدعاة للعجب. وبدلاً من إعادة النظر في محتوى المناهج الفكري والغرض منها وشكل الطالب المطلوب ليكون مواطناً مفيداً لنفسه ووطنه، لا يخرج التحديث عن إطار الاحتفاظ بالهيكل المتحجر مع تغيير المظهر الخارجي للمحتوى ليبدو وكأنه حديث. حداثة الحذف والإضافة في مناهج الدراسة تعكس استمرار تطويع المناهج على أيدي البعض ممن يتخيلون أنهم يسدون خدمات جليلة للنظام السياسي بحذف هذا وإضافة ذاك بهدف تلميع الحاكم، على رغم أن الحاكم نفسه قد يكون متبرماً من ذلك. لكن «ذلك» يستمر في التعبير عن نفسه من خلال استمرار تفسيرات وزارة التربية والتعليم. فـ «الطالب في المرحلة الابتدائية يصعب عليه إدراك الحقيقة» و «منعاً للتشتت وإثارة الخلاف بين المعلمين بين مؤيدين ومعارضين»، فقد تم اتخاذ قرار رفع كل ما يتعلق بالبرادعي من الكتاب، «لاسيما أن الطالب يحتاج إلى تركيز على الجزء المعرفي واللغوي وليس الصراعات السياسية». يشار إلى أن المناهج الدراسية تعرضت لهبات حذف وفورات إضافة في عامي ما بعد ثورة يناير، مرة بحذف 30 سنة من عمر مصر ممثلة في حكم الرئيس حسني مبارك، ومرة بالإشارة إلى الإخوان، ثم عودة إلى دمج مبارك بتحفظ، وتوضيح لما فعله «الإخوان» بمصر أثناء عام من حكمهم. الطريف أن اسم وسيرة عالم الفضاء المصري والمستشار العلمي للرئيس المصري الموقت عدلي منصور الدكتور عصام حجي تم حذفهما قبل أيام من قائمة العلماء المصريين، في كتاب التربية الوطنية المقرر للصف الأول الثانوي. تضحك مجموعة من الطلاب الجامعيين الذين سألتهم «الحياة» عن إلغاء شخصيات بعينها من المناهج وفق المزاج السياسي. قال أحدهم: «وكأنه لا يوجد إنترنت يمدنا بما نود معرفته عن هذا أو ذاك» ورد آخر: «المناهج أصلاً تدخل طي النسيان عقب الامتحان».

مشاركة :