غزة / القاهرة- يمثل قرار الولايات المتحدة ضخ المزيد من الذخائر إلى إسرائيل مؤشرا إضافيا على جدية تلويح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باستمرار الحرب أشهرا أخرى وأنها لن تتوقف دون تحقيق هدف إسرائيل المتمثل في تفكيك حماس، وهو ما يعيد النقاش إلى المربع الأول، أي عدم القبول بحل للوضع المستقبلي في غزة تكون الحركة جزءا منه. وتعد السيطرة الفعلية على غزة، كحكومة وكحركة عسكرية تمتلك السلاح، الورقة الأهم في يد حماس، أو على وجه الدقة الجناح العسكري من الحركة، لهذا فإن بقاء حماس كقوة حقيقية على الأرض هو الضامن الوحيد لها كجزء من ترتيبات ما بعد الحرب التي تجمع كافة القوى الإقليمية والعالمية على أن السلطة الفلسطينية هي أساسها. خسارة الأرض بفرض إسرائيل سيطرتها العسكرية عليها بحكم الأمر الواقع تبعد حماس عن السيطرة على الموقف، وتجعلها تلتحق بمصير القاعدة في أفغانستان وداعش في العراق وسوريا. ◙ العرض المصري يفتح الباب أمام ترحيل قادة حماس من الصف الأول والثاني إلى دولة إقليمية، في تكرار لتجربة 1982 وإذ تكسب حماس المزيد من النفوذ والشعبية في الضفة الغربية، فإن من المستبعد أن تصل قوتها إلى الدرجة التي تستطيع أن تتحدى بها قوة السلطة الفلسطينية هناك. وفي الوقت الذي راهنت فيه الحركة على أن مقتل العشرات من الضباط والجنود الإسرائيليين سيدفع نتنياهو إلى التراجع تحت ضغط الشارع، نجح رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى حد الآن في تبديد الضغوط الداخلية، سواء ما تعلق منها بالمخاطر المحدقة بمصير الرهائن أو ما اتصل بزيادة أعداد القتلى. وفيما تحصل إسرائيل على دعم عسكري أميركي سخي، ظل عتاد حماس مهددا بالنفاد مع تقدم المعارك واستمرارها وقتا أطول، وهو ما يجعل من مواصلة الحرب بمثابة انتحار للحركة من جهة، ومن جهة ثانية يزيد الضغوط عليها فلسطينيا لوقف الحرب بسبب الكلفة البشرية الباهظة المرشحة للارتفاع مع اعتماد إسرائيل على أسلوب الترويع وقصف كل المرافق لدفع الفلسطينيين إلى التمرد على الحركة. وإذا لم تتحرك حماس للبحث عن مخرج فستخسر حاضنتها الشعبية، وهي حاضنة في انحسار بسبب غضب الشارع الفلسطيني على مغامرة الهجوم على غلاف غزة في السابع من أكتوبر الماضي دون التفكير في مصير أكثر من مليونين من السكان الذين لا حيلة لهم أمام تدمير إسرائيلي ممنهج لمعالم الحياة في القطاع. ولن يثير التمسك بخيار الحرب إلى ما لا نهاية غضب الشارع الفلسطيني ضد حماس فقط، فقد يقود إلى خلافات داخلها بين الجناح العسكري كتائب القسام في غزة والجناح السياسي الموجود في الخارج، والذي بدأ يستجيب للضغوط ويقبل بتقديم التنازلات من أجل الحصول على هدن مؤقتة سواء عبر الوساطة القطرية أو من بوابة المبادرة المصرية. أوفير جندلمان: يمكن إنهاء الحرب في غزة بشرط تسليم قادة حماس أنفسهم للجيش الإسرائيلي أوفير جندلمان: يمكن إنهاء الحرب في غزة بشرط تسليم قادة حماس أنفسهم للجيش الإسرائيلي ولا تجد حماس السند الخارجي الذي تحصل عليه إسرائيل من أجل الاستمرار في خيار الحرب. وإذا رفضت الحركة التفاوض على إطلاق سراح الرهائن فإنها قد تتعرض لضغوط ممن تصنفهم أصدقاء، خاصة قطر، من أجل دفعها إلى تسهيل عملية التفاوض. وتحرص قطر على تقديم نفسها كفاعل إقليمي، وتجد في استضافة قادة حماس ورقة مهمة لتأكيد دورها وإقناع الولايات المتحدة به. والأمر نفسه بالنسبة إلى مصر التي تريد التأكيد على أن دورها مهم، وستضغط على حماس من جانبها للحصول على مكاسب لإرضاء الأميركيين. ولا شك أن الانفتاح الدبلوماسي الحالي على حماس من المحيط العربي لن يكون هو نفسه بعد الحرب، وهي لن تجد الفضاء الملائم للتحرك والترويج لمواقفها أو الظهور على وسائل الإعلام كما يحصل حاليا. وقد يجد قادتها، مثل إسماعيل هنية وخالد مشعل، أنفسهم مجبرين على ترك مقر إقامتهم المريحة في قطر والتوجه إلى لبنان أو إيران. ويرى مراقبون أن استمرار الحرب أشهرا أخرى سيدفع إلى تراجع حماس عسكريا وسياسيا، وهو ما تراهن عليه إسرائيل والولايات المتحدة من أجل دفع الحركة إلى التخلي عن حكم غزة من بوابة التفاوض تحت الضغط أو بالخيار العسكري. وكانت رويترز قد نقلت عن مصدرين أمنيين مصريين، لم تسمهما، قولهما إن حماس وحركة الجهاد الإسلامي “رفضتا اقتراحا مصريا بترك السيطرة على قطاع غزة مقابل وقف دائم لإطلاق النار”. وذكر المصدران أن حماس والجهاد رفضتا تقديم أي تنازل، عدا إطلاق سراح المزيد من الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة. وقال المصدران المصريان إن القاهرة قدمت إلى حماس ضمانات بعدم مطاردة أعضائها أو ملاحقتهم قضائيا، لكن الحركة رفضت تقديم أي تنازل. ويفتح العرض المصري الباب أمام تكرار تجربة ترحيل الفلسطينيين من بيروت في عام 1982، وهو ما يعني التوصل إلى تفاهمات برعاية إقليمية يتم من خلالها نقل قادة حماس من الصف الأول والثاني إلى دولة إقليمية بعد استسلامهم وتجريد الحركة من سلاحها. ويقلل المراقبون من فرص الحركة في البقاء في غزة وإعادة بناء جهازها العسكري والعودة إلى العمل السري ضد إسرائيل. وتكمن الصعوبة في أن إسرائيل ستكون لها اليد الطولى أمنيا في غزة خلال مرحلة ما بعد الحرب، وهي قادرة على تفكيك أي خلية تتشكل في المستقبل بعد السيطرة على الأنفاق. ◙ إذا لم تتحرك حماس للبحث عن مخرج فستخسر حاضنتها الشعبية، وهي حاضنة في انحسار بسبب غضب الشارع الفلسطيني وتراهن إسرائيل على فكرة أن استمرار الحرب سيقودها إلى اعتقال أو تصفية قادة بارزين وخاصة يحيى السنوار، رئيس حماس الفعلي، ومحمد الضيف، الرجل الذي تطارده إسرائيل منذ سنوات، ومروان عيسى الذي يوصف برجل الظل والنائب العسكري للسنوار. وسيسمح النجاح في تصفية أي قيادي بارز لحكومة بنيامين نتنياهو بالإعلان عن تحقيق نصر رمزي مهم لإقناع الإسرائيليين بأنها انتقمت من حماس ووجهت لها ضربات مؤثرة، كما يعيد إلى إسرائيل اعتبارها كقوة عسكرية وأمنية بعد أن هز هجوم السابع من أكتوبر صورة جيشها كأقوى جيش في الشرق الأوسط. وقال أوفير جندلمان، المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قبل أيام “يمكن إنهاء الحرب في غزة بشرط تسليم قادة حماس أنفسهم للجيش الإسرائيلي، وإعادة الأسرى من غزة”. ومن الواضح أن جندلمان سعى لإيصال رسالة واضحة إلى حماس يفيد مضمونها بأن قادتها مهما استمروا في التخفي فإنهم لن يفلتوا من الانتقام الإسرائيلي، وأن الأوْلى أن يقبلوا بالاستسلام أحسن من أن تتولى إسرائيل تصفيتهم.
مشاركة :