أسواق المعادن الأساسية .. تحديات في 2023 وآفاق متباينة خلال 2024

  • 12/31/2023
  • 21:11
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

شهد الذهب أداء قويا في عام 2023، متحديا بذلك أغلب التوقعات. فمع ارتفاع أسعار الفائدة العالمية اعتقد كثير من الخبراء أنها ستكون منافسا قويا للطلب على المعدن الثمين، عندما يتعلق الأمر بجذب أموال المستثمرين، بل إن بعض التقديرات تشير إلى أن أداء الذهب تفوق على المتوسط العام لارتفاع أسعار السلع والسندات ومعظم أسواق الأسهم. الصراعات الجيوسياسية وعدم اليقين الاقتصادي أضفيا على الذهب جاذبية خاصة خلال 2023، نتيجة تفضيل قطاعات واسعة من المستهلكين والمستثمرين للمعدن النفيس على غيره من الاستثمارات الأخرى. وفي الرابع من ديسمبر وصل سعر الذهب إلى اعلى مستوى له على الإطلاق، حيث بلغ 2141 دولارا للأونصة، قبل أن يعاود الانخفاض. لكن هذا الانخفاض لم يمنع المحللين من توقع أن تصل أسعار الذهب إلى مستويات مرتفعة جديدة وأن تتجاوز سعر ألفي دولار للأونصة في عام 2024. فعدم اليقين الجيوسياسي يتزايد، ويترافق ذلك مع عام انتخابي رئيسي في عديد من الاقتصادات الكبرى، كما أن كثيرا من البنوك المركزية في العالم تواصل عملية شراء الذهب لتعزيز الاحتياطي المالي لديها، ومع إعلان الفيدرالي الأمريكي أخيرا ثبات أسعار الفائدة وعدم تغيرها، ازداد توقع الخبراء أن تشهد أسعار الفائدة انخفاضا العام المقبل، ما شجع كثيرا من المستثمرين على الاحتفاظ بالذهب في محافظهم الاستثمارية مقارنة بالدولار الذي من الممكن أن تتراجع قيمته. يقول لـ"الاقتصادية"، دي. سي. أليسون الخبير المالي في بورصة لندن "المخاطر الجيوسياسية أسهمت في ارتفاع أسعار الذهب في 2023 بين 3 إلى 6 في المائة، وغالبا ستسهم بنصيب أكبر من الزيادة السعرية المرتقبة في 2024، حيث ستجرى انتخابات في الولايات المتحدة والهند وتايوان وفي بعض الدول الأوروبية، أما طلب البنوك المركزية ومشتريات المؤسسات الرسمية للذهب فقد أضافت 10 في المائة أو أكثر إلى أسعار الذهب، وهذا الاتجاه سيتواصل في العام الجديد، حتى إن لم تصل المشتريات إلى المستوى الذي بلغته في عامي 2021 و2022". في مطلع العام بدت الفضة على أعتاب ارتفاع مستمر في الأسعار، حيث بدأ الاهتمام يتحول إليها نتيجة الطلب الصناعي القوي خاصة من صناعة الألواح الشمسية المتنامية، وكان ارتفاع أسعار الفضة في بدايات 2023 امتدادا للأسعار الإيجابية التي انتهت إليها السوق في عام 2022، لكن هذا اللمعان لم يدم طويلا. فرفع المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة في النصف الأول من العام الجاري حد من مكاسب تجار الفضة، لكن مع ثبات أسعار الفائدة في وقت لاحق لدى كل من الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا والمصرف المركزي الأوروبي اتجهت أسعار أونصة الفضة إلى الأعلى ووصلت إلى 26 دولارا للأونصة في شهر مايو الماضي، لكنها لم تستطع مواصلة التقدم للأمام وبدأت في التراجع. ويقدر الخبراء نسبة الزيادة في أسعار الفضة في 2023 بـ8 في المائة، بينما كانت توقعاتهم أكثر من ذلك في بداية العام. ويصبح السؤال ما الآفاق المتوقعة للفضة في العام الجديد؟ روبرت رولينج أحد المضاربين على الفضة في بورصة لندن يعتقد أنه من منظور العرض والطلب لا يوجد مبرر لانخفاض أسعار الفضة، فللعام الخامس على التوالي تعاني السوق عجزا في العرض، وتفشل المناجم في مواكبة الطلب المتزايد من صناعة الطاقة الشمسية، حيث تعد الفضة مكونا رئيسا في صناعة الألواح الشمسية. ويقول لـ"الاقتصادية"، "إنه من المتوقع أن يصل طلب الصناعات المرتبطة بالخلايا الكهروضوئية من الفضة إلى 161 مليون أوقية في 2023 بزيادة قدرها 15 في المائة عن عام 2022، وسيرتفع إنتاج المناجم لمواكبة هذا الطلب، لكن لن يكون كافيا للصناعات الأخرى، ونظريا على الأقل فإن المصدر الرئيس للطلب الصناعي على الفضة يكمن في القطاعات التي لديها آفاق نمو قوية في المدى الطويل، مثل الطاقة الشمسية والبطاريات الداخلة في صناعة السيارات الكهربائية، ومن ثم يبدو الطلب المستقبلي على المعدن صحيا في الأمد المنظور". ويضيف "لكن قوانين العرض والطلب لم تعمل في سوق الفضة نتيجة زيادة المخزون في المملكة المتحدة، حيث وصل تقريبا إلى 27.5 طن، والسبب الآخر الواردات الهندية، فالهند أحد أكبر المشترين للمعدن، وقد تراجعت الكميات التي تقوم باستيرادها منذ أن قامت الحكومة بزيادة التعريفات الجمركية، ما أدى إلى انخفاض بنسبة 83 في المائة في شهر أغسطس الماضي". وحول الأسعار في عام 2024 يعلق قائلا "لا تزال آفاق الفضة على المدى الطويل قوية للغاية مع توقع زيادة الطلب نظرا لدوره في المجال الصناعي، لكن هناك عديدا من التحديات الاقتصادية على طول الطريق، والمرجح أن يصل السعر إلى 26 دولارا للأوقية في العام الجديد". عند الحديث عما يعرف بمجمع المعادن الأساسية الذي يضم ستة معادن رئيسة هي النحاس والرصاص والقصدير والزنك والألمنيوم والنيكل، فإن جانب العرض اتسم في عام 2023 بدرجة ملحوظة من المرونة، فالإنتاج الروسي كان أعلى من المتوقع على الرغم من العقوبات الغربية، واستوعبت الصين الجزء الأكبر من الشحنات الروسية، وبصفة عامة فإن الأجواء في أسواق المعادن تتمتع بدرجة عالية من التفاؤل تجاه المستقبل. لكن التفاؤل تجاه المستقبل لا ينفي وجود تباين في الآراء حول تقييم الوضع في 2023 و2024، فبينما تتوقع مؤسسات دولية تتمتع بالمصداقية والخبرة أن تشهد أسعار المعادن تحسنا هامشيا في العام الجديد على الرغم من ضعف الطلب الصيني وتباطؤ النمو العالمي، تتوقع مؤسسات دولية أخرى من أبرزها البنك الدولي مزيدا من الانخفاض في أسعار المعادن عن مستويات عام 2023 بسبب وفرة العرض، على أن يتعافى الطلب عام 2025. من جهتها، تقول لـ"الاقتصادية"، الدكتورة إلينا جونسون الاستشارية في منظمة التجارة الدولية، "بصرف النظر عن معدلات نمو الاقتصاد العالمي، فإن الطلب على المعادن الأساسية سيكون في ازدياد في الأعوام المقبلة نتيجة التحول إلى الطاقة الخضراء، ما يعني أن المعادن الأساسية ستتبع مسارا خاصا بها بصرف النظر عن معدل نمو الاقتصاد الدولي". مع هذا يرى خبراء البنك الدولي في توقعاتهم للمعادن الأساسية أنها ستنخفض بنسبة 12 في المائة خلال 2023 مقارنة بالعام السابق، وبنسبة 5 في المائة في 2024، ويمكن أن تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة إلى تقليل الطلب على المعادن وتحديدا الرصاص والقصدير، اللذان يستخدمان بكثافة في الصناعة والسلع الاستهلاكية المعمرة، كما أن مزيدا من التباطؤ في تشييد المباني الجديدة في عام 2024 خاصة في أوروبا بسبب أسعار الفائدة المرتفعة، قد يؤدي إلى تراجع الطلب على بعض المعادن. بالنسبة إلى الألمنيوم تباطأ الإنتاج في الأشهر الأخيرة من عام 2023، جراء مشكلات الطاقة في الصين، وكان الخبراء قد توقعوا في بداية العام أن يؤدي انتعاش الاقتصاد الصيني إلى زيادة الطلب، إلا أن هذا لم يحدث، وتراجعت أسعار الألمنيوم في بورصة لندن للمعادن من أعلى مستوى بلغته في شهر أكتوبر عندما وصل الطن إلى 2367 دولارا إلى 2184 حاليا، ومن المتوقع أن تشهد الأسعار مزيدا من الهبوط في 2024، مع هذا يراهن البعض على أن يؤدي انخفاض الأسعار إلى تشجيع المشترين على زيادة كمية مشترياتهم من الألمنيوم، لعلهم يفلحون في تحقيق أرباح مستقبلية جيدة عندما ترتفع الأسعار. على الرغم من التحديات المختلفة في مناطق تعدين النحاس المهمة مثل شيلي وإندونيسيا وبنما والولايات المتحدة، فإن إنتاج مناجم النحاس في العالم ارتفع وإن كان بشكل متواضع لم يتجاوز 1.3 في المائة في الفترة من يناير إلى أغسطس، وعلى الرغم من أن نتائج الربع الأخير من 2023 لم تظهر بعد، فإن استمرار الاضطرابات في مناطق الإنتاج تشير إلى انخفاض كبير في حجم الإنتاج العالمي، وسط توقعات أعداد كبيرة من الخبراء بأن الزيادة في الإنتاج العالمي من النحاس لعام 2023 لن تتجاوز 0.8 في المائة. لكن تلك الزيادة المحدودة تم تعويضها بزيادة بلغت 5 في المائة فيما يتعلق بتدوير النحاس، وقادت الصين الاتجاه العالمي في هذا السياق بزيادة قدرت بـ12 في المائة، وعلى الرغم من تباين الطلب الدولي على النحاس المكرر فإن نسبة الزيادة الدولية عليه بلغت 2.5 في المائة. من خلال تلك الأرقام يرجح الدكتور آرثر دين أستاذ علم المعادن في جامعة شيفيلد أن تشهد سوق النحاس تحسنا في عام 2024 إذا ما تحسن الوضع الاقتصادي في الصين. ويقول لـ"الاقتصادية"، "إن الآفاق الاقتصادية تمثل تحديا لسوق النحاس، لكن الأسواق متفائلة بشأن العام المقبل، فالتحسن المتوقع في نشاط التصنيع والتحول المستمر في مجال الطاقة، والطلب الصيني المتصاعد ونمو الطلب على السيارات الكهربائية تؤكد زيادة الطلب العام في عام 2024 ويحتمل أن ينمو الاستهلاك بنسبة 4.6 في المائة للنحاس المكرر". لكن تلك التقديرات تصطدم بتقديرات غير إيجابية من قبل البنك الدولي حول مستقبل أسواق النحاس في العام الجديد، حيث يتوقع الخبراء أن تنخفض أسعار النحاس بنسبة 5 في المائة في عام 2024، ما يعكس ضعف الطلب العالمي ونمو العرض بشكل قوي نتيجة الدور الذي تلعبه الشركات الناشئة في عملية الإنتاج والتوسعات الجارية في عديد من البلدان المنتجة ومن بينها تشيلي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإندونيسيا وبيرو وروسيا وأوزبكستان. وفقا لتقرير بورصة لندن للمعادن كان الزنك أضعف المعادن الأساسية أداء في البورصة في الأشهر العشرة الأولى من عام 2023، إذ تم تداول الزنك لمدة ثلاثة أشهر بـ2450 دولارا للطن بانخفاض بنسبة 18 في المائة عن بداية العام، والمعدن الوحيد الذي كان أسوأ أداء هو النيكل، ويعود الأداء الضعيف نسبيا للزنك إلى زيادة المخزون مع تحول السوق العالمية من نقص المعروض إلى زيادة مفرطة منه. ومن المرجح أن الزيادة في الإنتاج ستتجاوز الطلب بكثير، ما يوفر فائضا كبيرا في العرض خلال 2024 والعام المقبل، وتشير تقديرات الخبراء في بورصة لندن إلى أن متوسط سعر الطن سيصل إلى 2600 دولار في عام 2025، بينما ستنخفض الأسعار في عام 2024 بنحو 4 في المائة. بشكل أو آخر يحمل إل.دي. سيمون المحلل المالي في بورصة لندن إندونيسيا مسؤولية الأداء السيئ للنيكل في 2023 و2024. ويقول لـ"الاقتصادية"، "إن النيكل هو المعدن الأسوأ أداء في بورصة لندن للمعادن حتى الآن، مع انخفاض في الأسعار بنحو 45 نقطة، هذا الأداء الضعيف من المرجح أن يستمر على الأقل في المدى القريب، نظرا لضعف الطلب والفائض المستدام في الأسواق". ويضيف "مواصلة إندونيسيا الإنتاج وعلى الرغم من أن إنتاجها يصنف على أنه من الدرجة الثانية أو أنه من المواد ذات النقاء الأقل، ويستخدم عادة في إنتاج الفولاذ المقاوم للصدأ، يضغط على الأسعار، فقد بلغ إنتاج منجم النيكل في إندونيسيا ما يقدر بـ1.6 مليون طن عام 2022 بزيادة 54 في المائة عن عام 2021، وهذا يشكل تقريبا نصف الإنتاج العالمي من النيكل الذي بلغ 3.3 مليون طن". ويتفق ذلك إلى حد كبير مع التقرير الذي أصدرته مجموعة دراسة النيكل الدولية الذي جاء فيه "من المتوقع أن يتسع الفائض في سوق النيكل العالمية إلى 239 ألف طن متري في عام 2024، ما يمثل فائضا في العرض للعام الثالث على التوالي، وسيكون هذا هو الفائض الأكبر حتى الآن". يلعب دمج القصدير في تطبيقات التكنولوجيا مثل الألواح الشمسية والمركبات الكهربائية دورا حاسما في استقرار الطلب والأسعار، وتشير أغلب التوقعات إلى احتمال حدوث تقلبات في السوق على المدى القريب بسبب ظروف الاقتصاد العالمي، ويبدو أن التقلبات في أسعار القصدير مستمرة حيث انخفضت الأسعار الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوى لها منذ مارس الماضي لتصل إلى ما دون 23 ألف دولار للطن الواحد، وهو ما دفع البنك الدولي إلى توقع أن تنخفض الأسعار بنسبة 4 في المائة في 2024، إذا لم يحقق النمو الاقتصادي في البلدان المتقدمة معدلات نمو مرتفعة. تراجعت أسعار معدن الرصاص في الفترة الأخيرة من عام 2023، مع ذلك يمكن القول إن الأسعار ظلت مستقرة عند نحو 2150 دولارا للطن خلال النصف الثاني من العام، وربما يعود الاتجاه التنازلي للأسعار إلى ضعف الإنتاج في أوروبا والولايات المتحدة، لكن زيادة الصادرات الصينية أسهمت بشكل كبير في توازن الأسعار في الأسواق، وتعود زيادة الصادرات الصينية إلى ضعف الطلب على المستوى المحلي. وتشير أغلب التوقعات إلى استقرار أسعار الرصاص في عام 2024 بسبب بطء نمو العرض نسبيا إذ لم ينمو الإنتاج العالمي إلا بنسبة 0.8 في المائة فقط هذا العام، مع هذا يتوقع أن يزداد الطلب خلال الأعوام المقبلة، حيث يفوق الطلب العرض. ويقدر الخبراء أن زيادة الطلب سيرافقها عجز في المتاح من معدن الرصاص في السوق العالمية بنحو 59 ألف طن خلال الفترة من 2023 إلى 2032 مقارنة بمتوسط فائض قدره 38 ألف طن في العقد السابق، وهو ما يشير إلى اتجاه صعودي في أسعار الرصاص. مع ذلك يحذر لـ"الاقتصادية" الدكتور آرثر دين أستاذ علم المعادن في جامعة شيفيلد "المستقبل الإيجابي لأسعار الرصاص يرتبط بزيادة الطلب على السيارات الكهربائية، فبطاريات الرصاص الحمضية بديل جذاب بشكل متزايد لبطاريات الليثيوم أيون، طالما ظلت هناك اختناقات في توافر إمدادات الليثيوم والكوبالت على المستوى العالمي، كما يمكن استخدام بطاريات الرصاص الحمضية لتخزين الطاقة الثابتة مثل مرافق توليد الطاقة المتجددة". لكنه يضيف "لكن هذا المشهد الإيجابي لمستقبل الرصاص يمكن أن يتغير إذا استطاع المجتمع الدولي حل مشكلات الإمداد والعرض المتعلقة بالليثيوم، إذ يمكن أن يؤدي ذلك إلى تقلص في أسعار الرصاص نتيجة انخفاض الطلب العالمي".

مشاركة :