القيادة أمر حيوي ومهم للإنسان، وهي متداخلة في كل جزئية من حياتنا الاجتماعية على مختلف أنواعها، وفي البعض من الأحيان نصبح قادة دون أن نعلم أو نمارس دور القائد بعفوية، مثل رب الأسرة الذي يجد نفسه أمام تحديات الحياة وتقع على كاهله مسؤوليات مهمة تتعلق بأطفاله، فهو يسعى للأمن والتعليم والصحة ونحوها من المتطلبات ليحقق الرفاه والاستقرار لهذه الأسرة، ويقوم بمهام متعددة لتحقيق هذه الغاية، وكل ما يصدر عنه ومنه يصب في هذه الغايات السعيدة لأسرته، فهو القائد بشكل عفوي. سنجد وظيفة القائد ماثلة في كل جزئية، وكأنها تبدأ معنا منذ الطفولة، حيث نلمسها عندما يقوم أحدنا بتولي زمام الأمور مع أنه لم يطلب منه القيام بدور القائد، إلا أن المجموعة وبشكل فطري لا يمكن أن تنتظم مسيرتها وتتفق مهام عملها دون وجود من يتولى زمام الأمور لتنسيق جميع الآراء، ويعمل على توحيد كل التباين في وجهات النظر، ثم أيضاً يكون هو المتخذ للقرار النهائي. يعتقد العلماء بأن مفهوم القيادة ضارب العمق في تاريخ البشرية، وأنه من المهام والوظائف التي نمت وتطورت بشكل عفوي لحاجة الإنسان لها، بمعنى لم يتم اكتشاف علم القيادة، أو وضع اليد على مفهوم القادة وصناعتهم في زمن ما بواسطة باحث أو عالم من هنا أو هناك، بل هو نتاج حاجة قديمة ودائمة ومستمرة لكل مجموعة بشرية، حتى في تلك الحكايات عن الإنسان القديم الذي كان يتوجه نحو الصيد، كان لا بد من وجود قائد لمجموعة الصيادين ينسق تحركاتهم ويوزع المهام ويحدد المواقع حتى يتمكنوا من إيقاع الفريسة وصيدها، ففي تلك الحقب كانت أدوات الصيد بدائية جداً، وكان الصيد يتطلب جهداً بدنياً من الركض والاختباء ونحوها من المهام، وكان لا بد من وجود من يقوم بمهمة القيادة لهذه المجموعة حتى يكون عملهم منسقا ومكملاً لبعضهم البعض، وليس فوضوياً فيضيع الجهد وتهرب الفريسة المنتظرة. عندما استقر الإنسان وبدأ في عمليات الزراعة والبناء وتكوين المجتمعات، كان لا بد من قائد يفض الاشتباكات ويحل الخلافات، ثم ظهرت التخصصات المتنوعة في مجالات القيادة، فهناك من تمرس وتعود على القيادة عند الغارات والحرب، مثل وظيفة القائد العسكري في عصرنا الحاضر، وهناك من تمرس على القيادة خلال الاستيطان داخل التجمع السكاني، وهكذا نمت وظهرت أنواع متعددة من متطلبات القيادة. وإن أمعنا النظر والتأمل فإن هذا التنوع والتعدد جاء من تطور الإنسان وحاجته؛ لذا نشاهد هذا الموضوع في عصرنا وقد أصبح علماً قائماً وعريقاً له تفرعات وأنواع ونظريات وحقائق ونحوها، والمفارقة الغريبة في هذا السياق أنه مع الحاجة الملحة للقيادة، ومع عمقها الضارب في الزمن وتطورها التاريخي الطويل، بقي معناها وتعريفها محل اختلاف وتباين وعدم اتفاق حتى عصرنا الراهن؛ البروفيسور كيث جرينت: أستاذ في القيادة العامة والإدارة بجامعة وارويك، وأستاذ في مجال قيادة الدفاع بجامعة كرانفيلد، وزميل السلوك التنظيمي بكلية تمبلتون بجامعة أكسفورد، والأستاذ الزائر في مجال الأبحاث في جامعة لانكاستر وزميل معهد صنينج ديل وباحث زائر في جامعة سيدني، له عدة كتب ومؤلفات هامة، من بينها كتاب حمل عنوان «القيادة»، جاء فيه: «بالرغم مما يقرب من ثلاثة آلاف عام من التأمل، وما يزيد على القرن من البحث الأكاديمي في القيادة، فيبدو أننا لم نقترب من اتفاق على المعنى الأساسي لها، فضلاً عن إمكانية تعلمها أو قياس تأثيراتها أو التنبؤ بها. ولا يمكن أن يرجع ذلك إلى قلة الاهتمام بهذا الموضوع أو قلة المواد المتعلقة به؛ فحتى ٢٩ أكتوبر ٢٠٠٣، كان هناك ١٤١٣٩ كتاباً تتناول موضوع القيادة معروضة للبيع على موقع أمازون الإلكتروني، وفي غضون ست سنوات فقط من ذلك التاريخ، تضاعف هذا العدد أربع مرات ليصل إلى ٥٣١٢١ كتاباً، وهناك دليل واضح على أنه خلال فترة قليلة من الزمن سيفوق عدد الكتب التي تتناول القيادة عدد من يقرأون هذه الكتب. ونلتمس لك العذر إذا ما اعتقدت أن الزيادة في المعلومات تقود إلى فهم أفضل. فمع الأسف، يبدو أننا نتسبب في إضفاء تباين أكبر بكثير على مفاهيمنا حول تعريف القيادة، وكذلك أننا أبعد من الحقيقة المتعلقة بهذا التعريف عما كنا عليه قبل الشروع في نشر هذه الأفكار الكثيرة». ومع هذا فإن صفات القادة وتنمية الحس القيادي لدى النشء وصقل مهارات القيادة، ونحوها من المفاهيم في هذا السياق، تتطور وماثلة، وهو ما يدل على حيوية وأهمية هذا العلم، والمطلوب منا في هذا السياق هو التنبه للمواهب القيادية التي قد تظهر على أطفالنا وتنميتها وتشجيعهم ليكونوا فاعلين ومنتجين في مجتمعهم. Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :