يشهد العالم تطورات متسارعة بفضل التأثيرات الإيجابية التي أحدثتها الثورة الصناعية الرابعة لجهة تحسين جودة الحياة البشرية، من خلال استخدام التقنيات المتقدمة التي أنتجتها هذه الثورة، لاسيما تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، التي يمكن من خلالها تحسين أداء المؤسسات وإنتاجيتها عن طريق أتمتة العمليات أو المهام وتوفير فهم أكثر شمولاً لفيض البيانات المتوفرة. ومما لا شك فيه أن المزيد من توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي يعني ترسيخ عملية التنمية المستدامة في المجالات كافة، وهنا تمكن الإشارة إلى أن أعضاء لجنة الخبراء الأكاديميين والتكنولوجيين، الذين شاركوا في دراسة المائة عام لجامعة ستانفورد عن الذكاء الاصطناعي، خلصوا إلى أنه «بحلول عام 2030، سيكون الذكاء الاصطناعي قد غيّر الطريقة التي نذهب بها إلى العمل وإلى الحفلات، وطريقة اعتنائنا بصحتنا وطريقة تعليم أطفالنا». وفي الواقع، فإن دولة الإمارات لا تتعامل مع الذكاء الاصطناعي على أنه توجه مؤقت، بل تكنولوجيا تسهم في تعزيز تقدم المجتمعات، في عالم يموج بالتطورات المتلاحقة ترسم ملامح مستقبله التقنيات الحديثة، ولذا لم يكن غريباً أن تولي القيادة الرشيدة ممثلة بصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، أهمية خاصة لتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لدعم عملية التنمية المستدامة ولتحقيق المزيد من الإنجازات المتفردة، بما يسهم في تأكيد تميز النموذج التنموي لدولة الإمارات. وهنا تجدر الإشارة إلى قول سموه: «بناء القدرات في مجال الذكاء الاصطناعي، يجسد روح الريادة التي تتميز بها دولة الإمارات». وتعكس «استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي»، التي تم إطلاقها في أكتوبر 2017، رهان دولة الإمارات على تسخير هذه التقنيات لتحقيق تطلعاتها التنموية الكبرى، حيث تهدف هذه الاستراتيجية إلى تحقيق أهداف مئوية الإمارات 2071، وتعجيل تنفيذ البرامج والمشروعات التنموية لبلوغ المستقبل، وإلى الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الخدمات وتحليل البيانات بمعدل 100% بحلول عام 2031، وإلى الارتقاء بالأداء الحكومي وتسريع الإنجاز وخلق بيئات عمل مبتكرة، حتى تكون الإمارات الأولى عالمياً في استثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي بمختلف قطاعاتها الحيوية، في ظل احتدام تنافس الدول بقوة في مضمار التقدم والتنمية. ويؤكد تعدُّد القطاعات المستهدفة في «استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي»، وجود رؤية شاملة لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في المجالات كافة، حيث تشمل هذه القطاعات: النقل، والصحة، والفضاء، والطاقة المتجددة، والمياه، والتكنولوجيا، والتعليم، والمرور، والبيئة والمناخ.. وذلك من خلال آليات محكمة تشمل: بناء فريق عمل الذكاء الاصطناعي، وتنمية قدرات القيادات الحكومية العليا في مجال الذكاء الاصطناعي، وتفعيل العديد من البرامج والمبادرات وورش العمل في جميع الجهات الحكومية حول الآليات التطبيقية للذكاء الاصطناعي، وغيرها. وفي إطار المساعي الدؤوبة لتوطين تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، توفر العديد من مؤسسات التعليم العالي في دولة الإمارات برامج دراسية في الذكاء الاصطناعي في مختلف الدرجات (بكالوريوس ودراسات عليا) للطلبة الذين يرغبون التخصص والعمل في هذا المجال. وتأتي في مقدمة هذه المؤسسات «جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي»، وهي أول جامعة للدراسات العليا المتخصصة في بحوث الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، وتقدم نموذجاً أكاديمياً وبحثياً جديداً في هذا المجال الحيوي، وتوفر للطلبة وأعضاء الهيئة التدريسية أحدث أنظمة الذكاء الاصطناعي وأكثرها تطوراً في العالم. إن النجاحات التي حققتها دولة الإمارات في مجال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لترسيخ عملية التنمية المستدامة، إنما تعكس إصرار الإمارات على تحقيق المزيد من التميز والسبق، وتعمل الحكومة حالياً وسوف تظل تعمل جاهدة على تسريع وتيرة تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال الشراكات الاستراتيجية بين مؤسسات القطاعين العام والخاص، لتعزيز جاهزيتها للمستقبل وتحويل ما ينطوي عليه من تحديات إلى فرص لتعزيز مكانة الإمارات على الصعيدين الإقليمي والدولي. *صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
مشاركة :