بين نوري وبشروئي فسحة التنوير..

  • 3/29/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أيها الفكر تجلى وأضئ عتمة دياجير العقول والنفوس والقلوب التي ابتلت بلوثة الإرهاب والتعصب والجهل والعنصرية في زمننا العربي.. هي خلاصة ما استنشقته وتعطرت به أنفاسي وروحي في ذكرى المفكر الأديب الإنساني الكبير والرحب سهيل بديع بشروئي التي أحياها مركز عبدالرحمن كانو الثقافي بالتعاون مع الجمعية البهائية وتجلى في عرضها الاستاذ القدير سمير رشدي.. كانت أمسية منفتحة على آفاق أجمل وأبدع ما قدمه الفكر الإنساني منذ اتقاد مشاعل التنوير في تاريخه.. أمسية جابت بنا في فكر سهيل بشروئي الذي تشرب بعشق وبوعي استناري استثنائي أبدع ما في نور رحاب محيي الدين ابن عربي وجبران خليل جبران ومرايا الحب والتسامح والتعايش في كل الأديان وخاصة الدين الإسلامي.. لقد كان الأستاذ سمير رشدي ومن خلال عرضه الباحث والدقيق لفكر بشروئي، قادراً ويتمكن من خلال مشهدياته البصرية ومختاراته لمقولات هذا المفكر، أن يختزل فحوى الرؤية الإنسانية الثاقبة والعميقة التي استضاء بها فكر المفكر، وجسدها صوراً حية في كتاباته ومشروعاته الأدبية والفلسفية لتكون شاهدة على العصر الذي يعج ويضج بنزاعات وخلافات لا تزيدنا إلا تخلفاً وظلاماً.. ولعل من أهم الإنجازات التي حققها بشروئي في مسيرته الفكرية، هي تعريف الغرب والشرق معاً بتراثنا الروحي الغني بمعان ودلالات عميقة مضيئة ربما ستكون مهملة لو لم يسعَ المفكر بشروئي إلى تحليلها وترجمتها ومحاورتها مع أهل الفكر ممن لا يتقن اللغة العربية ولا يعرف غزير جوهرها.. أمسية أزعم أني تعلمت منها واستضئت بها.. فشكراً لمن نظم هذه الأمسية ولمن أحيا ذكرى الراحل المفكر الإنساني العظيم بشروئي. قضيت بمركز عبدالرحمن كانو الثقافي، أمسية أحسبها عن ألف كتاب، مع عازف الكمان العراقي الشهير نوري الجبوري، الذي أحاطت ذاكرته الرافدية الخصبة بتاريخ الموسيقى في العراق، أسطورة وحضارة، شمالاً ووسطاً وجنوباً وخليجاً، عرباً وكرداً ومسيحاً ويهوداً وحضراً وبدواً وفلاحين، عثمانيين واندلسيين ومصريين.. أمسية جابت بها أنامل المبدع الجبوري على الكمان كل أروقة ودهاليز أسرار الموسيقى الثرية والآسرة في عراق ما بين النهرين بمختلف مقاماتها وأنواعها وفنونها العتيقة والحديثة والمبتكرة.. أمسية تمازجت فيها روح الجبوري العفوية والبسيطة بساطة الإيقاع الفلاحي، بروح العبقري الذي أشبع أرواحنا بتراث الموسيقى والغناء العراقي دون أن نحتاج إلى كتاب نتصفحه حتى نعرف هذا الموروث الموسيقي الغنائي العريق والمميز. وأجمل ما في هذه الأمسية التي لم تعلن انحيازها لأية عقيدة أو مذهب أو دين أو عرق أو طائفة، أنها رسخت بحس الجبوري العفوي العبقري العميق، مفهوم التعايش بين مختلف هذه الأجناس، ومفهوم أن الموسيقى وحدت بين كل هذه الأطياف والتلاوين لتصنع بذلك حضارة ناصعة في معانيها ودلالاتها، دون أن تنحاز لهذا الطيف أو ذاك.. كم أنت رائع وجميل أيها النوري في حضور بهائك في هذه الأمسية، وكم نحن حقاً بحاجة إلى مثل هذه الأمسية النورانية التي أضاءت أوتار مكانها قلوبنا وارواحنا.. شكراً من القلب لك سيدي الجميل المبدع نوري الجبوري.. شكراً لك صديقي الجميل الفنان المثقف محمد العبيدلي على تهيئتك لنا موقداً حميماً تستدفئ بجمره الروحاني قلوبنا وارواحنا..

مشاركة :