مرر الكونغرس الأميركي بغالبية - من دون تناحر شديد كالمعتاد - مشروع قانون الإنفاق العسكري، والذي أصبح بذلك قانوناً جديداً، بمستوى إنفاق غير مسبوق تجاوز 850 مليار دولار سنوياً. ورغم ذكر مشروع القانون لأوجه ومبررات الإنفاق المتزايد، والتي من ضمنها تمويل أوكرانيا في حربها ضد روسيا. وأيضاً، تخصيص نحو 17 مليار دولار لمواجهة ادعاءات وتوسعات الصين البحرية، كما ذكر القانون حرفياً... يتكشف من أوجه ومجالات الإنفاق الجديد المتزايد، أنه موجه بالكامل لمواجهة التهديد الصيني المتزايد. وهذا مدعاة أساسية لموافقة الكونغرس بغالبية على القانون. إذ إن مواجهة التهديد الصيني من الملفات القليلة جداً التي تلقى إجماعاً داخل الولايات المتحدة، بما في ذلك داخل الحزبين الديموقراطي والجمهوري، التي يعتريها انقسام حاد على كل الأصعدة والقضايا، حيث يذكر في صدد ذلك، أن الكونغرس وافق على تمرير القانون بعد الاتفاق على إلغاء اتفاق إضافي كان مخصصاً لأوكرانيا. تقوم الولايات المتحدة برفع إنفاقها العسكري بصورة رهيبة في ظل أزمة اقتصادية عميقة تئن منها، ومستويات تضخم غير مسبوقة، وبعد سنوات من تخفيض ميزانيتها العسكرية بصورة نسبية في إطار استراتيجية القيادة الدولية من الخلف التي رسختها عقيدة أوباما. لكن يتكشف من زيادة الإنفاق الجديد، أن تنامي خطر تهديد بكين لهيمنة واشنطن الدولية يتفاقم بشكل مرعب يوماً بعد يوم لدى دوائر صنع القرار العميقة في الولايات المتحدة. التهديد الصيني الشامل لواشنطن معروف لدى الجميع... فقد غدت بكين تُهدّد واشنطن، حتى في خلفيتها اللاتينية. ويكفي القول إن الرئيس الصيني شي جينبينغ كان أبلغ الرئيس جو بايدن صراحة خلال لقاء جمعهما في نوفمبر الماضي على هامش منتدى «آبيك»، أن الصين ستضم جزيرة تايوان يوماً ما وبأي وسيلة. وفى ضوء هذه النبرة الجريئة المعتادة من الرئيس الصيني، والأهم تفاقم التهديد عبر مجموعة متنوعة من السياسات والإجراءات، حتى على مستوى المجال السيبراني والتكنولوجي، فلا مفر أمام واشنطن، سوى الدفع بكل السبل لردع التهديد الصيني، حتى ولو على حساب اقتصادها المتدهور. وليس في ذلك أي عجب، فهي السردية التاريخية التي تتكرر مرة أخرى، حيث يقاوم المهيمن بكل السبل القوى الصاعدة المهددة، وغالباً ما ينتهي الأمر بمواجهة عسكرية حاسمة، تشكل بداية مرحلة «نظام دولي جديد». وربما تتوقع الولايات المتحدة ذلك، وتستعد لها بقوة، وهو ما كشفته أوجه ومجالات الإنفاق العسكري الجديد، حيث ركزت بصورة تامة على تعزيز قوة الدفاع والردع الأميركي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وهى المنطقة التي يعدها الخبراء المنطقة المفصلية لتحديد المنتصر في معركة القيادة الدولية. وبحسب قانون الإنفاق الجديد، سيتم تخصيص مبالغ لتعزيز قوة الردع الأميركية في منطقة المحيط الهادئ، وأخرى لزيادة عدد الجنود والتدريب، وتعزيز التحالفات البحرية مع الدول المتنازعة مع الصين وتزويدها بأحدث تكنولوجيا الرصد والمراقبة، وزيادة عمليات حرية الملاحة. إضافة إلى أموال لتعزيز كفاءة البيئة التشغيلية والربط الإلكتروني للقوات العاملة في المحيط الهادئ. كما أشار القانون الجديد إلى تخصيص مبالغ لتقوية تحالف «أوكوس» النووي بين الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة، وذلك لإحكام الردع الموجه للصين في مرامي المحيط الهادئ. وبحسب ما ذكرة القانون في هذا الصدد، سيتم منح أستراليا وإنكلترا، غواصات نووية حديثة من دون قيود تشريعية كان يفرضها الكونغرس. ولم يغب عن القانون، تضمين مخصصات مالية واسعة لتعزيز قوة الردع للجيش التايواني، وفق ما جاء من تعليقات مسؤولين في الكونغرس، من أن سياسات الصين الأخيرة تجاه الجزيرة تمثل أكبر تهديد للولايات المتحدة في آسيا والمحيط الهادئ، ويستلزم ذلك تشديد قوة الردع تجاه الصين إلى أقصى درجة ممكنة.
مشاركة :