غزة: ما الخطأ الذي حصل وكيف يمكن إصلاحه؟

  • 1/4/2024
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لا يسعنا، خلال تفكيرنا ببعض الأحداث المأساوية التي شهدها عام 2023 والطرق التي كان يمكن تجنبها، إلّا أن نتذكر مقولةً لرئيس الوزراء البريطاني الراحل ونستون تشرشل، حين قال إنه "يمكن للمرء أن يثق تماما أن الأمريكيين سيفعلوا الشيء الصحيح، لكن بعد أن يكونوا قد جرّبوا كلّ الخيارات الأخرى". وتُعتبر الكارثة المستمرة في قطاع غزة خير مثال على هذا الأمر، حيث فضّلت الإدارة الأمريكية تقديم الدعم المتحيّز وغير المحدود لإسرائيل، التي يتّهمها الكثير من السياسيين والمراقبين الدوليين بارتكاب إبادة جماعية، وذلك بدل الاستماع إلى نصائح أصدقائها وشركائها في المنطقة. وقد اقترب الصراع من اختتام شهره الثالث وأدّى إلى مقتل أكثر من 21 ألف فلسطيني معظمهم من المدنيين، وخاصّةً النساء والأطفال. في حين لا يزال، في الوقت نفسه، معظم الرهائن الإسرائيليين محتجزين، وقادة حركة حماس أحرارًا طلقاء. وغني عن القول إنه كان يمكن تجنب هذا الصراع بأكمله لو أن واشنطن استمعت للنصائح التي أسدتها لها السعودية بشكل متكرّر. وقد ألقى أول بيان صدر عن وزارة الخارجية السعودية في أعقاب أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر بالضوء على هذا الموضوع، حيث أشار إلى أن انفجار العنف هذا هو بالضبط ما توقّعت الرياض حدوثه نتيجةً لاستمرار الاحتلال غير الشرعي للأراضي الفلسطينية وترهيب الشعب الفلسطيني، لا سيما من قبل الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة الحالية. كما أنه كان من الممكن تفادي الأزمة الحالية لو تمّ تنفيذ حلّ الدولتين، وهي مبادرة تبنتها المملكة منذ انعقاد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991. وبالتأكيد، سيقول النقاد إنه "إذا ما كان يجب أن يُلقى باللّوم على أحدهم، فيجب أن يُلام الفلسطينيون"، مضيفين التصريحات المُكررة، والتي تُعتبر صحيحةً إلى حدّ ما، وتفيد "بأنهم (أي الفلسطينيين) لا يفوّتون أي فرصة لتفويت الفرص" وتتساءل "كيف يمكن لإسرائيل أن تتفاوض مع الفلسطينيين إذا كان الفلسطينيون منقسمين فيما بينهم؟". قد يكون في هذا الرأي شيء من الإنصاف، إلّا أن الإسرائيليين ليسوا أبرياء أيضاً. فبناء المستوطنات غير الشرعية وانتهاك القانون الدولي بشكل مستمرّ في كلّ مرة كانت فيها المفاوضات جاريةً لم يساعد أبدًا، ناهيك عن نهج رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي بات مكشوفًا فيما خصّ سياسة التفرقة التي تبنّاها، حيث تمثّلت في إفشال أي محاولة للتفاوض بشأن إقامة دولة فلسطينية عبر تقويض السلطة الفلسطينية الشرعية في الضفة الغربية بشكل وتمكين حركة حماس، التي تعتبرها إسرائيل جماعةً إرهابيةً، في قطاع غزة بهدف توسيع هوّة الانقسامات الداخلية بين الفلسطينيين وصبغ قضيتهم العادلة بالتطرف. أين أخطأ الأمريكيون إذًا؟ بدأ الأمر بالبيان الفظيع الذي أصدروه باكرًا وأشاروا فيه إلى عدم وجود خطوط حمراء بالنسبة لإسرائيل وباستخدام حقّ النقض لمنع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من تبنّي قرار يطالب بوقف لإطلاق النار. وبالإضافة إلى تسبّب مواقفها هذه بسقوط عدد مروّع من القتلى المدنيين في قطاع غزة وبأزمة إنسانية حادّة وبدمار هائل، ساهمت الإدارة الأميركية الآن، بل ضمنت، توليد التطرّف والكراهية لأجيال قادمة في قطاع غزة وحول العالم أيضًا. ففي نهاية المطاف، كيف تتوقعون أن يشعر الطفل الذي فقد أحد والديه أو كليهما أو أحد أطرافه أو عائلته عندما يكبر؟ فكلّ ما يعرفه هو أنه كان يلعب عندما قُصف منزله بشكل عشوائي. وسيتساءل النقاد عمّا إذا كان يجب تحميل حركة حماس مسؤولية ذلك، معتبرين أنه لو لم تقم حركة حماس بما قامت به في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، كان من الممكن ألّا تندلع هذه الحرب. ويُمكن أن تكون هذه حجةً جيّدةً، إلّا أنه من المؤكد أن هذا الطفل لن يأخذها في الاعتبار. ففي نهاية المطاف، لم يرَ الطفل حركة حماس تقتل والديه، بل رأى طائرةً إسرائيليةً تُسقط قنبلة على منزله وعلى المستشفى والمدرسة المحلية. وسيُقال له بعد ذلك إنه لولا احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، لما كانت حركة حماس موجودةً. ولا شك أن كل ذلك يساهم بما وصفته زميلتي مينا العريبي مؤخراً، في مقال لها نُشر في صحيفة الشرق الأوسط باللّغة العربية، بأنه "السقوط الحرّ لعالم المثاليات الغربية". ولعلّ أبرز ما أوضح هذا الموضوع كان انتقاد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إسرائيل لعدم بذلها المزيد من الجهود لتجنب استهداف المدنيين، قبل أن تتجاوز الوزارة نفسها الكونجرس الأمريكي مرّتين في الشهر التالي لضمان بيع المزيد من الأسلحة لإسرائيل. إلّا أنه عندما بدأ الحوثيون (الذين لطالما كان شعارهم "الموت لأمريكا... اللّعنة على اليهود") بمهاجمة السفن في البحر الأحمر ردًا على ما يجري في قطاع غزة، استيقظت الولايات المتحدة فجأةً لمواجهة هذا التهديد، على الرغم من أن التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن كان يحذّر من التهديد نفسه على مدى ثماني سنوات. وقال وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك للصحافي في صحيفة الشرق الأوسط بدر القحطاني مؤخّرًا: "حذّرنا مراراً وتكراراً من خطر السماح لمجموعة أيديولوجية مسلحة بزعزعة الأمن والاستقرار وتهديد الملاحة الدولية". ولعلّه من المفارقات أن نفس المشرعين الأمريكيين الذين رفعوا الحوثيين من قوائم الإرهاب وحظّروا بيع الأسلحة للسعودية وانتقدوها بسبب الحرب التي شنتها بناءً على طلب الحكومة اليمنية الشرعية المدعومة من الأمم المتحدة، يريدون اليوم من المملكة الانضمام إلى تحالف البحر الأحمر. وللأسف، إن الأوان قد فات، فآمال المملكة تتركّز اليوم على الهدنة المستمرة في اليمن وأمل تحوّلها إلى اتفاق سلام دائم في المستقبل القريب. كيف ستتبلور الأمور في المستقبل؟ بالطبع، يتمنّى المرء لو تمّ أخذ النصائح على محمل الجدّ في مرحلة مبكرة، لا سيما أن بداية شهر أيلول/سبتمبر الماضي شهدت على محادثات جديّة بشأن اتفاق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، مما كان من شأنه أن يضمن حقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم. وكلّما طال أمد الحرب وارتفعت أعداد القتلى، ازدادت صعوبة تحقيق سلام إقليمي (ودعونا لا ننسى أن للسعودية النفوذ الأكبر في رابطة العالم الإسلامي والجامعة العربية)، كون المطالب الفلسطينية ستتغيّر بطبيعة الحال وسترتفع كلفة ذلك بالنسبة لإسرائيل. ولعلّ النصيحة الفورية تكمن في دعوة إدارة بايدن للاستماع إلى ما يقوله الصحافي توماس فريدمان الذي يعتبر أنه على أمريكا أن تكون أكثر صرامةً مع إسرائيل. ويجب على البيت الأبيض أن يدرك أن المستفيد الوحيد من إطالة أمد الحرب هو نتنياهو الذي أعتقد أن مكانه في السجن، سواء لإدانته بالفساد أو لمحاسبته على الجرائم ضدّ الإنسانية التي ارتُكبت في غزة من دون شكّ. ولابد من التوصّل إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، كما يجب حشد جهود إغاثية دولية بشكل فوري بهدف إعادة الإعمار ومعالجة الجرحى في قطاع غزة. وقد يبقى هناك أمل في استمرار المحادثات بعد ذلك. ويتوجّب على الفلسطينيين أيضاً أن يسهموا في الحلّ وأن يشكّلوا حكومةً موحدةً تحت مظلّة السلطة الشرعية في الضفة الغربية. دعونا نأمل أن يشهد عام 2024 على نهاية الأعمال العدائية وولادة دولة فلسطينية، أو انطلاق المراحل الأولى من عمليّة إقامتها على الأقلّ.

مشاركة :