بصورة عامة، يقوم النهج التقليدي في تحليلات السياسة على دراسة الأسباب المؤدية إلى قبول ورفض الشروط المُقدمة كحلول لقضايا سياسية معينة. كما يتم التركيز أحياناً على الشروط التي يمكن أن تكون مقبولة من قِبَل الأطراف المتنازعة، بهدف السعي نحو تحقيق التوافق بين الطرفين المتصارعين. بينما اليوم، يشهد الواقع السياسي على الساحة الفلسطينية الإسرائيلية زخماً غير مسبوق للشروط المرفوضة. يتجلى الرفض بين الفلسطينيين أنفسهم وبين الإسرائيليين أيضاً، بالإضافة إلى اتساع فجوة الرفض بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لذلك، بعيداً عن التعبيرات المتكررة، مثل القول بأن حركة فتح قبلت السلام، وحركة حماس قبلت الهدنة، وإسرائيل قبلت التفاوض، سنطرح منظوراً فلسفياً مختلفاً سيتم من خلاله المقارنة بين مسميات أو تصنيفات الرفض فقط، من أجل فهم المنطق الذي يكمن وراء هذا الرفض العنيد في بعض السياسات الفلسطينية والإسرائيلية على حد سواء. من بين أبرز مواقف الرفض في القضايا الرئيسية التي تشكل نقاط التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين أن إسرائيل ترفض حلاً قائماً على فكرة الدولتين بهدف حماية أمنها القومي. وفي السياق نفسه، ترفض حركة حماس حل الدولتين القائم على الاعتراف بدولة إسرائيل. تواجه إسرائيل صعوبة في رفض التعامل مع السلطة الفلسطينية بشكل مباشر لالتزامها القانوني أمام المجتمع الدولي، ولذلك قامت بإنفاق مبالغ ضخمة لعرقلة إقامة دولة فلسطينية، سواء من خلال بناء المستوطنات أو تهجير الإسرائيليين إلى الأراضي الفلسطينية. والتشابه هنا أن حركة حماس، التي تُصنّف من قبل العديد من الدول كميليشيا إرهابية، لا تتمتع بالمقومات القانونية التي تُمكنها من التنافس بطريقة قانونية مع السلطة الفلسطينية. وعليه، عملت حماس على تعطيل مؤسسات السلطة الفلسطينية في قطاع غزة. إذاً، يمكننا القول إن حركة فتح تواجه رفضين في مسعاها لإقامة الدولة الفلسطينية، حيث يظهر الرفضان من جهتين؛ من جهة إسرائيل، التي عطلت "سيادة الدولة" أمام المجتمع الدولي، ومن جهة حركة حماس، التي عرقلت "إدارة الدولة" في المجتمع الفلسطيني. هذا الواقع الذي يتخبط فيه الفلسطينيون والإسرائيليون معاً يطرح سؤالاً هاماً، وهو: لماذا تحارب إسرائيل حركة حماس إذا كانت الأخيرة تتبنى مواقف تعمل وفقًا للمصالح الإسرائيلية في تعطيل تأسيس دولة فلسطينية؟ الدول الغربية، بما في ذلك إسرائيل، يدركون أن فكرة القضاء على العدو ليست قابلة للتحقيق على المدى القصير، وقد تكون مكلفة من الناحية المالية والعسكرية، وفقًا لتجاربهم السابقة. لذلك، تعتمد استراتيجياتهم على تقييد جميع السبل التي قد تؤدي إلى انتصار العدو، بهدف توجيهه نحو مسار واحد، وغالبًا ما يكون هذا المسار محفوفاً بالمخاطر الممزقة للنسيج الاجتماعي، مثل تحويل المشروع التحرري من النضال القانوني والسياسي إلى ميليشيا عسكرية متورطة بالعنف أمام القوانين الدولية. ومع ذلك، لا يمكن القول إن المسار الذي سلكته حركة حماس يتم توجيهه بشكل مباشر من قبل إسرائيل، حيث إن إسرائيل تدرك أن هذا المسار، الذي حقق لحماس بعض المنافع على المدى القصير، سيقضي في نهاية المطاف على المضار التي تعتقد حماس أن بها ستنتصر على إسرائيل. ببساطة، يمكن القول إن المنهج الذي تتبعه حركة حماس قد يؤدي إلى إسقاط السلطة الوطنية الفلسطينية، ولكنه غير قادر على إزالة إسرائيل. وهذا يعني أن رفض حماس للسلطة الفلسطينية أقل تأثيرًا على إسرائيل وأكثر نفعاً لها مقارنةً برفضها لوجود حركة حماس على المدى البعيد. المنظور الفلسفي في هذا السياق يركز على التوافق بين الطرفين المتحاربين على رفض نفس الشيء، أي رفض إسرائيل وحركة حماس للسلطة الفلسطينية. حيث يحقق الطرف الأقوى رفضه بتحديد الشروط التي يفرضها، بينما يحقق الطرف الضعيف رفضه وفقًا لشروط رفض الطرف الأقوى. ويمكن وصف هذا المنظور باستخدام مصطلح "الرفض المقبول"، حيث تقبل حماس ما ترفضه إسرائيل، والعكس صحيح، إذ تقبل إسرائيل ما ترفضه حماس. بمعنى آخر، يشير هذا المصطلح إلى أن رفض حماس يعتبر جزءاً من الرفض الإسرائيلي، إذ تتفق إسرائيل على ما ترفضه حماس.
مشاركة :