محمد المطروشي.. ذاكرة نبطية خصبة اللغة

  • 3/30/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يكتبها: يوسف أبولوز إن هذا الجهد المتواضع الذي بين يديك عزيزي القارئ، ليس عملاً كاملاً على كافة الأوجه، فبعض القصائد قد تكون ناقصة، وبعض المعلومات قد يأتي في المستقبل ما يختلف معها، وهذه طبيعة أي عمل بشري، خاصة أمام عمل بحثي عن شخصية مضى على وفاتها أكثر من نصف قرن، ولا توجد عنها مصادر كتابية كثيرة، ولا يفوتني هنا أن أشكر كل من ساعدني في جمع قصائد هذا العمل أو صحح لي معلومة فيه، أو شرح لي ما تعذر علي تفسيره، وأخص في شكري الشيخ سعيد بن عبيد آل مكتوم والأديب جمعة الماجد والشاعرين العصري ابن كراز المهيري وسيف بن حمد سليمان الشامسي. الانشغال بتقصي الشعر الشعبي في الإمارات، وتتبع حيوات رموزه، والإضاءة على تاريخه وثقافته، وبيئته الاجتماعية والثقافية القديمة. أقول إن مثل هذا الانشغال هو في حقيقة العملية من واجب مؤسسات ثقافية عندها برامج وخطط وتمويل، فما بالك إذا ذهب هذا الواجب الثقافي إلى عاتق أفراد؟ من المؤكد أن مثل هذا البحث الثقافي هو عمل نبيل في الدرجة الأولى، ويؤشر إلى أخلاقية الباحث الذي يوظف وقته وجهده وقراءاته من أجل مشروع ثقافي معين، ونقول إنه مشروع، لأن للكلمة دلالات، فالشعر الشعبي، والثقافة الشعبية في الإمارات هي من الأولويات، ومن الثوابت الثقافية في الذاكرة المحلية، والعمل المسؤول والجاد في هذا السياق هو مشروع ثقافي حتى لو قام على كاهل فرد. الشاعر والباحث سلطان العميمي من المهتمين الصادقين بالثقافة الشعبية وأبعادها الاجتماعية والتاريخية، إن الماضي الثقافي للإمارات هاجس أصيل بالنسبة إليه، وقد انشغل مبكراً في عمله البحثي الموجه إلى أعلام الشعر الشعبي في الإمارات، فهو أضاء على حياة وشعر كل من: سالم الجمري، وعلي بن قمبر، والماجدي بن ظاهر، وراشد الخضر وسالم بن علي العويس، ويعقوب الحاتمي، وبنت بن ظاهر، وأحمد بوسنيدة، وله سلسلة مختارات نبطية من الإمارات. اشتغال سلطان العميمي على حياة وشعر محمد المطروشي يأتي مكملاً لهذه الروح البحثية عند العميمي الذي أمضى عشر سنوات في جمع وتحقيق قصائد الشاعر المطروشي ويقول: في يوم من أيام عام 2001 بدأت في جمع شتات ما تناثر من إنتاج شعري للمطروشي، مع البحث في سيرته التي لا يعرف عنها الكثير، وكانت المحصلة في الأخير أكثر من سبعين قصيدة أمكنني جمعها بين دفتي هذا الكتاب، أضفت إليها قصائد الشعراء الذين تساجل معهم أو تساجلوا معه شعرياً، ليبلغ مجموع قصائد الديوان ثماني وثمانين قصيدة... منهج العميمي في شغله على قصائد محمد المطروشي يقوم على أنه نأى عن التصنيف التقليدي وهو التصنيف بحسب الأغراض الشعرية، وقام بشرح مفردات الكلمات في هامش أسفل الصفحة. بالنسبة للنقطة الأخيرة يبدو العميمي وكأنه وضع كتاباً في قلب كتاب، فهناك بحر من الكلمات التي شرحها العميمي، وبذلك فهو قرب لنا تماماً معاني المفردات النبطية بلغة فصحى سهلة التناول والاستيعاب الثقافي. الشاعر موضوع بحث العميمي هو محمد بن راشد بن عيسى المطروشي، ويذكر في مصدر آخر أن نسبه هو محمد بن جاسم المطروشي بحسب الشاعر الراحل د. أحمد أمين المدني، وتقول مصادر البحث إنه ولد في عام 1880، لكن العميمي يخمن أنه ولد ما بين 1860 إلى 1870. مهنته الغوص على اللؤلؤ، ولد في الشارقة، وبعد ذلك انتقل إلى دبي، ويذكر العميمي أن المطروشي عاش حياة متنقلة بين البر والبحر.. ففي مواسم الغوص، كان غيصاً، وبعد انتهاء مواسمه، كان يعود إلى البر، وعرف عنه أنه لم يتزوج طوال حياته... وكانت وفاته في منطقة الشندغة في أربعينات القرن العشرين. هذه باختصار شديد إضاءة على حياة المطروشي من خلال معلومات العميمي، ومن شعره: نار في قلبي مورايه البحر ما ظني يطفيها اشعلت في لبة حشايه كوس والغربي يزاغيها لو عيوز سمعت بكايه في القبر ونت لاهاليها ومرة ثانية، أشير إلى الجهد الكبير الذي بذله العميمي في شرح مفردات القصائد، وعلى سبيل المثال في هذه القصيدة التي ذكرناها قبل قليل فإن (مورايه) معناها: مشتعلة موقدة. (يزاغيها) معناها: يحركها ويداعبها.. (عيوز) معناها عجوز: (ونّت) معنا: أَنّت. رحلة ممتعة قراءة هذا الديوان الذي يعيدك إلى بكارة ونقاء اللهجة الإماراتية الشفوية على لسان شاعر أصيل. الكتاب: ديوان محمد المطروشي. إعداد وتحقيق: سلطان العميمي. الناشر: أكاديمية الشعر في أبوظبي 2011.

مشاركة :