جرّاء رفضهم فكرة استقلال البوسنة التي أرادها البوسنيون والكروات أثناء تفكك يوغوسلافيا في أوائل التسعينات، أعلن زعماء سياسيون لصرب البوسنة في التاسع من كانون الثاني/يناير 1992 "جمهورية صرب البوسنة" ("صربسكا"). وبعد ثلاثة أشهر، اندلع صراع بين الطوائف استمر حتى 1995 وخلّف نحو مئة ألف قتيل. وضعت اتفاقية دايتون للسلام التي تم التوقيع عليها بالأحرف الأولى في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 1995 في قاعدة دايتون الجوية بالولايات المتحدة ثم في باريس في الشهر التالي، حدًا للحرب الطائفية. وكرّست هذه الاتفاقية تقسيم يوغوسلافيا السابقة إلى كيانين مستقلين بحكم ذاتي، هما كيان صربي (جمهورية صربسكا) وآخر كرواتي-بوسني وتربطهما حكومة مركزية ضعيفة. ومن بين سكان البوسنة البالغ عددهم 3,5 ملايين نسمة، يعيش 1,2 مليون شخص في "جمهورية صربسكا" التي تشكّل أراضيها نصف مساحة البوسنة تقريبًا. ويحتفل زعماء الصرب - وهم أرثوذكس - في التاسع من كانون الثاني/يناير بذكرى إعلان جمهوريتهم على الرّغم من أن المحكمة الدستورية البوسنية اعتبرت في العام 2015 هذا التاريخ "تمييزيًا" بحقّ البوسنيين المسلمين والكروات الكاثوليك. وتعتبر منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الاحتفال غير دستوري. رغم ذلك، قال الزعيم السياسي لصرب البوسنة منذ 2006 ميلوراد دوديك لوكالة فرانس برس "ليس لدينا نية إهانة أحد". وقال في خطاب مساء الاثنين إن الصرب يحيون "يومهم"، موضحًا "وُجدت جمهورية صربسكا من أجل ضمان الحرية للشعب الصربي". ويُشكّل هذا اليوم كذلك مناسبة للإشادة بالرئيس السابق لجمهورية صربسكا رادوفان كرادجيتش والقائد العسكري السابق لصرب البوسنة راتكو ملاديتش المتّهمين بقيادة مجزرة سربرينيتسا التي قُتل خلالها ثمانية آلاف مسلم في العام 1995. وحُكم عليهما بعد الحرب بالسجن المؤبد بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وإبادة. وتقول المتقاعدة مارا راديين (65 عامًا) خلال خروجها من كاتدرائية المسيح المخلّص في بانيا لوكا أكبر مدن "صربسكا"، "يجب الاحتفال بهذا اليوم"، مضيفة "تأسست جمهوريتنا بفضل جيشنا وجنودنا وأبطالنا. حاربوا من أجل +جمهورية صربسكا+ وعلينا أن نشيد اليوم باسم الله بكل الصرب في هذا الكوكب". من جهته، يقول المقاتل السابق أوليفييه ميلاكوفيتش (58 عامًا) إن هذا العيد هو عيد "جمهورية صربسكا التي مات من أجلها 23 ألف جندي"، مضيفًا "يعني ذلك حرية كبيرة للشعب الصربي، حرية لا تُقدّر بثمن". ويتابع "يكرهنا العالم بأسره لأننا مسيحيون أرثوذكس، نحن الصرب والروس". وسام لأوربان ذكّرت السفارة الأميركية في ساراييفو الثلاثاء بعدم دستورية هذه الاحتفالات، آملة أن "تحقق السلطات المختصة في كلّ انتهاك للقانون المرتبط بإحياء اليوم الوطني لجمهورية صربسكا في التاسع من كانون الثاني/يناير". من جهته، قال بيتر ستانو الناطق باسم المسؤول عن السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل "لا يتوافق يوم جمهورية صربسكا مع دستور البوسنة والهرسك". وأضاف "يشدد الاتحاد الأوروبي على ضرورة أن تحترم كل الأطراف في البوسنة والهرسك السيادة ووحدة الأراضي والنظام الدستوري بما في ذلك قرارات المجلس الدستوري"، موضحًا أن "أي عمل يتعارض مع هذه المبادئ سيؤدي إلى عواقب وخيمة". في الأشهر الأخيرة، أعلن ميلوراد دوديك أنه يريد تنظيم انتخابات خاصة به والاستيلاء على أملاك الحكومة المركزية الواقعة في أراضي جمهورية صربسكا. واعتبر دوديك في تشرين الثاني/نوفمبر أن مصير البوسنة سيتحدّد "بانفصال سلمي". وأصدر دوديك قانونًا يجعل جمهورية صربسكا مالكة للممتلكات الواقعة على أراضيها، لكن الممثل السامي الدولي المسؤول عن فرض تطبيق اتّفاقية دايتون للسلام كريستيان شميت ألغاه. ويعتبر دوديك أن شميت "غير شرعي" بحجة أنه لم تتم المصادقة على تعيينه رسميًا من قبل مجلس الأمن الدولي. ووجه انتقادات عديدة للسفير الأميركي وأعرب عن إعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى حدّ إثارة قلق الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ الذي ندد بـ"الخطاب الانفصالي" لروسيا وتدخلها "الخبيث" في البوسنة. ودوديك الخاضع لعقوبات أميركية مقرّب أيضًا من الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش وكان الى يمينه حين أعلن فوز حزبه المثير للجدل في الانتخابات التشريعية في صربيا في منتصف كانون الأول/ديسمبر. يتضمن برنامج الثلاثاء عرضًا لقوات الأمن وخطبًا وألعابًا نارية في أولى ساعات المساء في عدة مدن في جمهورية صربسكا وكذلك في بلغراد. واختار دوديك منح رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أعلى وسام من جمهورية صربسكا، وكان قد منحه العام الماضي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
مشاركة :