برامج القنوات الفضائية.. المستوى المهني مخجل!

  • 3/30/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تشهد القنوات الفضائية في العالم العربي تراجعاً ملموساً في المحتوى الذي تقدمه للمشاهد العربي من خلال الشاشة الصغيرة، ما جعل النقاد والأكاديميين بل وحتى المشاهد العربي نفسه يمارس نوعاً من النقد بحثا عن الأسباب التي تقف خلف هذا التراجع، فالمتوقع من تلك القنوات أن تستشعر مسؤوليتها وتراعي علاقتها بالمشاهد التي تقوم أساسا على قدرتها على تقديم مستوىً متقدمٍ من البرامج الهادفة ذات القيم العالية ولاشك أن هذا التراجع يُخلف الكثير من الآثار المحتملة والتي تؤثر على المشاهد، فنوعية البرامج الضعيفة وغير القادرة على إحداث إضافة نوعية للمشاهد قد تسهم في تأثير اجتماعي لا يمكن التنبؤ بعواقبه. «الرياض» تناقش في هذا التحقيق الأسباب التي تقف خلف تراجع وانحدار المهنية والقيم الأخلاقية في مستوى ومحتوى برامج بعض القنوات الفضائية. إدارات وافدة بدايةً أكد د. مساعد المحيا - أستاذ الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني المشارك في جامعة الإمام محمد بن سعود - أن البعد الربحي للقنوات في ضوء منافسة الشبكات الاجتماعية أصبح الهاجس الاكثر تأثيرا في صناعة المواد التلفزيونية، مضيفا: «هذا الجانب يجعل الجمهور وبخاصة الذين يبحثون عن الترفيه الذي لا يحمل اسفافا ولا انتهاكا للقيم يرون أن هذه القنوات بحاجةٍ ماسةٍ إلى كفاءات مهنية تمثل قيمه الاجتماعية والأخلاقية، والقنوات التلفزيونية حين تتيح لمن لا يحملون قيم المجتمع الخليجي ولا ينتمون إليه ليتولوا صناعة البرامج فإن المتوقع أن يتسلل من هذه البرامج العديد من المواد التي لا تتسق مع قيم المجتمع. وأضاف: شخصيا لا أعرف كيف يرضى مسؤول في هذه القنوات ينتمي للخليج وقيمه وعاداته ان تقف فتاة لا ترتدي سوى ورق التوت باسم الفن لتستعرض جسدها في حالة من العري لا يتقبلها كل من ينتمي لقيم المجتمع الخليجي، ويبدو أن ثمة علاقة قوية بين طبيعة محتوى تلك القنوات وبين رؤية الممارسين للعمل المهني في هذه القنوات، إذ ان كثيرا من هذه القنوات يديرها من حيث الممارسة المهنية شخصيات تنتمي لقيم اجتماعية وثقافية مغايرة لبعض القيم الاجتماعية والاخلاقية الراسخة في مجتمعاتنا الخليجية، لذا فان الطريق لاستصلاح ذلك هو أن يتولى صناعة هذه البرامج والاشراف عليها كفاءات خليجية تستشعر مسؤوليتها الاجتماعية امام الجمهور ومسؤوليتها امام الله. ولفت د. المحيا إلى أن هناك الكثير من المشاهدين ممن لا يتقبلون تلك المشاهد ولا يرضونها كما أن هناك فئات ممن يستمتعون بتلك المشاهد، وهو ما تستغله تلك القنوات لتكسب المزيد من الجمهور وبالتالي المزيد من المعلنين، موضحا أن ذلك جزء من نظرية الاستخدامات والاشباعات التي توظفها تلك القنوات لتقول للجمهور بأن ما نقدمه هو استجابة لما يريده الجمهور، وهذه لغة تقفز على قيم المجتمع وعلى كل افراد الجمهور الذين تؤلمهم تلك المشاهد واللقطات لما تشتمل عليه من مناظر مؤذية وسيئة جدا. تحكم المعلن ويؤيده الرأي عبدالرحمن الناصر - ناقد فني - قائلا: «السبب الرئيس في هذا الانحدار هو أن كثيراً من مسيري هذه القنوات في الخليج العربي ليسوا من ابناء الخليج مؤكدا في الوقت ذاته أننا نؤمن بأن لدينا كفاءات وطنية قادرة أن تُسير هذه القنوات، مشيرا إلى أن أحد أسباب انحدار محتوى ما تقدمه تلك القنوات يعود إلى أن دخلها أصبح مؤسساتيا فتلجأ الى مؤسسات الإنتاج والمعلن وإلى الرعاية الرسمية للبرامج وهو بدوره من يتحكم في عرض القناة عن طريق شراء مدة البث، مضيفا: «منذ أن ظهرت القنوات الفضائية الخاصة أصبح المشاهد العربي مُعرضا لبرامج ذات فكرة غربية لا تحمل الهوية العربية ولا تقدم اصلا الشخصية العربية بشكل عام، هذه البرامج لفتت انتباه المشاهدين وخاصة الخليجيين وأصبح هناك تنافس فيمن يقدم البرنامج الجاذب حتى وإن كان سطحيا مشيرا إلى أن ما ُيسير هذه البرامج هو الحجم الإعلاني أو الراعي الرسمي الذي يفرض البرنامج على القناة». وأكد الناصر أن هناك بصيص أمل في بعض القنوات لأن تقدم القيمة الأخلاقية في محتواها وتحترم العادات والتقاليد وقيم المجتمع الخليجي ولكنه استدرك أن الضخ الإعلاني والتنافس بين القنوات قد يؤدي بهذه القنوات أن تركب الركب وتقلد هذه البرامج، ومن أجل هذا الغرض استقطبت أغلب القنوات الخليجية الخاصة منها الحكومية أيادي عاملة من مجتمعات غير خليجية حتى تقدم لها مثل هذه البرامج التي تدعمها من خلال الراعي الرسمي ومن خلال الضخ الإعلاني أو من خلال التسابق في عدد المشاهدة»، مشيرا إلى أن مثل هذه البرامج لا تحمل القيمة الفعلية للمجتمع الخليجي ولا تظهر صِبغة المواطن الخليجي الذي تحكمه عادات وتقاليد كما أنها لا تقدم ولا تُعرف المجتمعات الاخرى بشعوبها، ونحن اليوم في منعطف خطير وهو كيف نقدم هذه البرامج التي تليق بالنشء الجديد مثلما كنا نقدم من برامج في الثمانينيات كبرنامج سلامتك أو افتح يا سمسم وغيرها الكثير من البرامج التوعوية والتعليمية والثقافية، اننا اليوم بحاجة الى دراسة الوضع من جديد وإعادة النظر فيما يقدم للنشء والاسرة الخليجية، ويجب أن نجد حلولا سريعة خاصة، واليوم أصبح المشاهد أكثر وعيا ربما من مسيري تلك القنوات ومن هنا علينا أن نبدأ دعم قنواتنا، ونتخلص من المنتجين الجدد ممن لا يهمه عادات وثقافات الخليج ولم ينشأ بالخليج و كل ما يهمه المادة فقط». جشع الملاك وفي السياق ذاته أوضح د. أحمد الزايدي – وكيل معهد الدراسات العليا التربوية بجامعة الملك عبدالعزيز - أن المتتبع للقنوات الفضائية العربية اليوم من خلال ما تقدمه من برامج يلمس سيطرة الربحية في توجيه برامج هذ القنوات والاعتماد على الجوانب الدعائية والإعلانات على حساب المهنية والجوانب الأخلاقية لاسيما تلك القنوات الخاصة، ومن هنا تنازلت الكثير من القنوات عن البرامج الجادة ذات المحتوى الفكري والثقافي العميق، ولجأت إلى البرامج الهابطة التي تستهدف الشباب بالدرجة الأولى كأكبر شريحة من المتابعين فتعرض البرامج المستنسخة من ثقافات غربية بعيدة عن ثقافة وقيم المجتمعات العربية، كالبرامج القائمة على المسابقات والتصويت وإرسال الرسائل في استغلالٍ واضح للمشاهدين وانحدار بمستوى الاهتمامات لدى الشباب، إضافة إلى تقديم المسلسلات المدبلجة التي تعرض ثقافات بعيدة عن قيم المجتمع المحافظ وتروج للرذيلة، وتسهم في تطبيع الممارسات السلبية، وتنشر الثقافة والقيم الهابطة وما نشاهده من تغير نمط الشباب اليوم من حيث قصات الشعر والملابس وخلافه هو نتيجة لهذا التطبيع. الحلول ممكنة ويرى د. الزايدي أن الحل يكمن في تدخل الحكومات والجمعيات الأهلية للسيطرة على مضمون هذه القنوات، مضيفا: «حتى تعيد القنوات الخليجية هويتها الثقافية لا بد من توفر شرط الإشراف الحكومي على هذه القنوات، وتوفير مصادر دعم إضافية لتغيير ممارساتها نحو البرامج الهادفة، وتشجيع الجمعيات الأهلية التي تحمي حقوق المشاهدين لتكون بمثابة قوة ضغط على القنوات والشركات التي ترعى برامجها الهابطة والتهديد بمقاطعة منتجاتها في حال عدم تجاوب هذه القنوات لتغيير سياساتها نحو الاهتمام بقضايا المجتمع وتعزيز القيم الأخلاقية وتعزيز قيم المواطنة والاعتزاز بالهوية من خلال برامج هادفة ومفيدة، وتشجيع القطاع الخاص على دعم مثل هذه البرامج للنهوض بوعي الرأي العام»، مؤكدا أن الرأي العام يعي ويدرك خطورة الإعلام السلبي ولا أدل من «الهاشتاق» الذي تناقله المغردون في تويتر ايقاف برنامج «ذي كوين» مطلب شعبي والذي دفع بقناة دبي الفضائية لإيقاف البرنامج. المشاهد مسؤول ويرى طارق الجاسر - معد ومقدم برامج إذاعية – أن المسؤولية لا تقع فقط على الجهة الإعلامية وحدها، بل على المتلقي كذلك، مضيفا: «هناك برامج تكون ذات فائدة ولكن تقابل بعدد مشاهدات ضعيف جداً، في المقابل قد تكون هنالك برامج سطحية ولكنها تدر على الجهة الاعلامية مبالغ عالية وهنا يكون الطرفان شركاء في هذا الانتشار، لنأخذ على سبيل المثال مشاهير شبكات التواصل الاجتماعية، وعدد متابعيهم، لذلك تغيرت المعادلة الآن فربما بوجود الانترنت وشبكات التواصل و»السناب» و»الانستقرام» فأصبحت بعض الوسائل الاعلامية تحاول أن تصل إلى ما يريده الاشخاص، فلم تعد معهم الدفة كما كانت سابقاً». وأشار الجاسر الى أن الهوية الخليجية متواجدة في كثير من القنوات والاذاعات، ولكن بعض الوسائل الاعلامية تعتمد على سواعد من غير بلدها، وهي من تضع برامج لا تحمل قيم او مفاهيم المجتمع الموجة له هذه البرامج. وقال: ربما يكون السبب الأكثر تأثيراً هو وجود بدائل، وهو ما يجعل المشاهد أو المستمع يفكر ويقارن، بنفس الوقت البرامج الترفيهية أصبحت ذات تواجد قوي وملحوظ، فدور المشاهد قوي فيها حيث انه جعل البرامج تتنافس الآن على ما يرضي المشاهد، وهو ما يجعل وعيه يكون ملحوظاً حيث أنه سيشعر أن مسؤولية هذه البرامج من مسئؤليته. سلطة المال ويؤكد محمد الشهري - مذيع و مقدم برامج - أن هذا الانحدار يأتي بسبب مالكي القنوات والمديرين المباشرين لتلك القنوات، مضيفا: «المالك يحتاج إلى المال لتعويض خسائره، والمدير المباشر يسعى لإرضاء المالك، ومن هنا تأتي المشكلة فالمدير المباشر تم اختياره بناء على خبراته في تسويق الأعمال الهابطة لأنه تعلم وترعرع في بيئة بعيده كل البعد عن العادات والتقاليد المتعارف عليها في الخليج تحديدا، ويرى بأن أي مواد تلفزيونية هابطة تجذب المال هي ما يصبو إليه شخصيا ويصبو إليه المالك فالمال هو الأهم والنهاية تقديم اعمال لا تليق بنا كخليجيين ولا تليق بديننا ولا عاداتنا ولا تقاليدنا». وبين الشهري أن معالجة تلك القضية تأتي من رأس الهرم المالك لتلك القنوات فإن أراد الإصلاح كانت المواد التلفزيونية رائعة وتصل إلى ذوق المشاهد بما تقدمه وان أراد الإفساد استمر الوضع على ما هو عليه فالمالك بحسب رأيه هو الأساس في الاختيار الجيد من حيث المديرين ذوي الخبرة والإصرار على تقديم المفيد هو الأهم لتعود تلك القنوات إلى جادة الطريق الصحيح، أما إذا استمر المالك في البحث عن الجشع وحب المال فلن تتغير الأمور وسيستمر في الانحدار، مؤكدا أن المشاهد بات أكثر وعيا من ذي قبل بعد أن تنوعت طرق التواصل التي خدمت المجتمع، وأصبح هناك العديد من الأشخاص الذين يقدمون مواد متلفزة تضاهي ما تقدمه تلك القنوات، ولو لاحظنا في الآونة الأخيرة أن هناك العديد من القنوات التي أصبحت تهاب الكثيرين من الشباب والفتيات وتسعى لاستقطابهم حتى لا يكونوا منافسين لتلك القنوات وتحاول قتل طموحهم ومواهبهم بشتى الطرق وذلك من خلال مديري تلك القنوات الذين سبق وأن قلت عنهم بأنهم لا يملكون لا وازعا دينيا ولا ثقافيا ولا ينتمون لعاداتنا وتقاليدنا، وأكبر دليل على أن معظم من نجح في قنوات التواصل الاجتماعي تم استقطابهم وتحويل مسارهم السليم إلى الهبوط نحو الهاوية وهذا ما يسعى إليه مالكو ومديرو تلك القنوات بل ويسعون إلى تهميش كل من يقدم مادة جميلة حتى وإن كانت تجذب المال المعتدل لأن ذلك لا يروق لجشعهم ونهمهم المادي».

مشاركة :