اليابان تستلهم أفكاراً خلاقة لبناء منازل مقاومة للزلازل

  • 1/11/2024
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

استطاعت اليابان خلال أكثر من قرن من الزمن، ابتكار منازل مقاومة للزلازل في هذه الجزيرة المعروفة بشدة هزاتها الأرضية. الأسبوع الماضي انتشرت في جميع أنحاء العالم مشاهد المباني التي تحولت إلى أنقاض، بعد أن ضرب زلزال بقوة 7.5 درجات محافظة إيشيكاوا على الساحل الغربي لليابان. ربما تكون إيشيكاوا قد أفلتت بسهولة، وفقاً للأستاذ الفخري في علم الزلازل في جامعة طوكيو، روبرت جيلر. حيث تحدث جيلر عن زلزال اليابان قائلاً: «يبدو أن تصميم المباني الحديثة، يعمل بشكل جيد للغاية»، مشيراً إلى أن المنازل القديمة «ذات الأسقف المصنوعة من القرميد الطيني الثقيل كانت هي الأسوأ»، مضيفاً أن «معظم منازل الأسر، حتى لو تضررت، فإنها لم تنهار بالكامل». ويقول مصممو المعمار المقاوم للزلازل إن «الزلازل لا تقتل الناس، بل المباني التي تنهار عليهم هي التي تتسبب بقتلهم». ففي واحدة من أكثر دول العالم عرضة للزلازل، حاول المهندسون المعماريون والمخططون الحضريون، منذ فترة طويلة، تحصين البلدات والمدن من الكوارث ضد الهزات الكبرى من خلال مزيج من الحكمة القديمة والابتكار الحديث وقوانين البناء المتطورة باستمرار. ومنذ زلزال كانتو الكبير، الذي دمر أجزاء كبيرة من طوكيو ويوكوهاما قبل ما يزيد قليلاً على 100 عام، تطورت تقنية المباني في اليابان بشكل كبير، بدءاً من استخدام ما يُعرف بـ«المخمدات» واسعة النطاق، التي تتأرجح مثل البندول داخل ناطحات السحاب، إلى أنظمة النوابض أو المحامل الكروية التي تسمح للمباني بالتأرجح بشكل مستقل عن أساساتها. وهذه الابتكارات تركز في الأغلب على فكرة بسيطة ومفهومة منذ فترة طويلة، وهي أن المرونة تمنح هياكل المباني فرصة كبيرة للصمود. ويقول الأستاذ المشارك في الهندسة المعمارية والعمران في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ميهو مازيريو: «تستقر الكثير من المباني، وخصوصاً المستشفيات والهياكل الحيوية المهمة، على هذه (المحامل) المطاطية، كي يتمكن المبنى نفسه من التأرجح». ويضيف: «من الناحية النظرية، يعود الأمر كله إلى فكرة أنه بدلاً من مقاومة حركة الأرض، يستطيع المبنى التحرك مع حركتها». وقد تم استخدام هذا المبدأ في اليابان لقرون عدة. على سبيل المثال، نجت معابد خشبية تقليدية عدة في البلاد من الزلازل، حتى عندما لم تتمكن الهياكل الحديثة من ذلك. لنأخذ على سبيل المثال، معبد توجي الذي يبلغ ارتفاعه 180 قدماً (55 متراً)، والذي تم بناؤه في القرن السابع عشر بالقرب من كيوتو، حيث خرج هذا المعبد سليماً من زلزال هانشين العظيم عام 1995، والذي يُطلق عليه أيضاً زلزال كوبي، بينما انهارت مبانٍ عدة قريبة منه. وعلى وجه الخصوص، يرجع معدل البقاء الملحوظ للمعابد منذ فترة طويلة إلى «شينباشيرا»، وهي الأعمدة المركزية المصنوعة من جذوع الأشجار والتي استخدمها المهندسون المعماريون اليابانيون لمدة 1400 عام على الأقل. وسواء كانت مثبتة على الأرض، أو مستندة على عارضة أو معلقة من الأعلى، فإن هذه الأعمدة تنحني وتنثني، بينما تتحرك الطوابق الفردية للمبنى في الاتجاه المعاكس. وتساعد الحركة الناتجة، والتي في الأغلب تُقارن بحركة الثعبان المنزلق، في مواجهة قوة الهزات، وتساعدها المفاصل المتشابكة والأقواس السائبة وأفاريز السقف العريضة. التعلم من المأساة قد لا تشبه المباني في اليابان اليوم المعابد البوذية، لكن ناطحات السحاب تشبهها بالتأكيد. وعلى الرغم من أن البلاد فرضت حداً صارماً للارتفاع، يبلغ 31 متراً حتى الستينات، بسبب المخاطر التي تشكلها الكوارث الطبيعية، فإنه سُمح للمهندسين المعماريين منذ ذلك الحين بالبناء لأعلى. واليوم، يوجد في اليابان أكثر من 270 مبنى يزيد ارتفاعها على 150 متراً، وهي خامس أكبر مباني العالم، وفقاً لبيانات مجلس المباني الشاهقة والموائل الحضرية. وباستخدام الهياكل الفولاذية التي تضفي المرونة إلى الخرسانة شديدة الصلابة، اكتسب مصممو المباني الشاهقة المزيد من الجرأة من خلال تطوير أثقال موازنة واسعة النطاق وأنظمة «عزل القاعدة» مثل (المحامل المطاطية) التي تعمل ممتصات للصدمات. وتقول الشركة العقارية التي تقف وراء أطول مبنى جديد في اليابان، والذي تم افتتاحه في مشروع أزابوداي هيلز في طوكيو في يوليو الماضي، إن ميزات تصميمه المقاومة للزلازل، بما في ذلك المخمدات واسعة النطاق سوف تشجع الشركات على مواصلة أنشطتها حتى في حالة وقوع حدث زلزالي كبير بقوة زلزال توهوكو القياسي، الذي بلغت قوته 9.1 درجات والذي حدث عام 2011. استمر التطور التدريجي لأنظمة البناء خلال القرن العشرين، لكن القانون الذي تم تقديمه في عام 1981 والمعروف باسم «شين تايشين»، أو التعديل المعياري الجديد للأبنية المقاومة للزلازل، وهو استجابة مباشرة لزلزال مياجي البحري قبل ثلاث سنوات، كان بمنزلة لحظة فاصلة. ومن خلال وضع متطلبات أعلى لقدرة المباني الجديدة على تحمل الأثقال، والمطالبة بقدر أكبر من «انحراف الطوابق» وهي (كمية الطوابق التي يمكن أن تتحرك بالنسبة لبعضها)، من بين أشياء أخرى كثيرة، أثبتت المعايير الجديدة فاعليتها إلى حد أن المنازل المبنية وفقاً لمعايير ما قبل عام 1981 المعروفة باسم «كيو-تايشين» أو «مقاومة ما قبل الزلازل») قد يكون بيعها أصعب بكثير وأكثر كُلفة للتأمين عليها. كان أول اختبار حقيقي لقانون «شين تايشين» في عام 1995 عندما تسبب زلزال هانشين الكبير في دمار واسع النطاق في الجزء الجنوبي من محافظة هيوغو. وكانت النتائج صارخة: 97% من المباني المنهارة، تم بناؤها قبل عام 1981، وفقاً للمرفق العالمي للحد من الكوارث والتعافي منها. الابتكار والتحضير أثار زلزال عام 1995 حملة وطنية، لتحديث المباني القديمة، لتتوافق مع معايير عام 1981، وهي العملية التي حفزها مسؤولو المدينة من خلال الإعانات. واستمر الابتكار في العقود التي تلت ذلك، حيث كان المهندسون المعماريون اليابانيون في كثير من الأحيان يقودون المجموعة عندما يتعلق الأمر بالتصميم الزلزالي. على سبيل المثال، تعاون أحد أشهر المهندسين المعماريين في البلاد، كينغو كوما، مع شركة نسيج كوماتسو ماتيري في عام 2016، لتطوير ستارة تضم الآلاف من قضبان ألياف الكربون المضفرة التي تثبت المقر الرئيس للشركة (يقع مقر الشركة على بُعد 85 ميلاً من مركز الزلزال الذي حدث الأسبوع الماضي) على الأرض مثل الخيمة. وفي الآونة الأخيرة، شارك في تصميم مبنى لرياض الأطفال في جنوب مقاطعة كوتشي، والذي يتميز بنظام جداري مقاوم للزلازل على طراز رقعة الشطرنج. وفي أماكن أخرى، كان كبار المهندسين المعماريين اليابانيين، مثل شيجيرو بان وتويو إيتو، يتميزون باستخدام الأخشاب المتداخلة، وهو نوع جديد من الأخشاب الهندسية التي يعتقد مبتكروها أنها يمكن أن تغير طريقة بناء المباني الشاهقة. تم إجراء أول اختبار كامل النطاق لمحاكاة الزلازل من خلال برج خشبي تم تصميمه هندسياً في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو في الربيع الماضي، على الرغم مما إذا كانت خطط إنشاء برج بطريقة الأخشاب المتداخلة يبلغ ارتفاعه 1148 قدماً في طوكيو، والتي اقترحتها شركة سوميتومو فورستري اليابانية، يمكن أن تكون قابلة للتطبيق على الإطلاق بسبب قوانين البناء الصارمة في اليابان. ويقول روبرت جيلر: «لديك الكثير من المباني الشاهقة، وقد تم بذل الكثير من الجهد، لتصميمها لتكون آمنة، ولكن هذه التصاميم تعتمد في الأغلب على المحاكاة الحاسوبية». ويضيف: قد لا نعرف ما إذا كانت عمليات المحاكاة هذه دقيقة أم لا حتى يحدث زلزال كبير. وإذا انهار أحد هذه المباني الشاهقة، فقد يكون هناك الكثير من الضرر. وعلى هذا النحو، يظل السؤال الذي يثير قلق المهندسين وعلماء الزلازل في اليابان لفترة طويلة: ماذا لو ضرب زلزال كبير مدينة مثل طوكيو بشكل مباشر، وهو الأمر الذي حذر المسؤولون منه في العاصمة اليابانية من أن احتمال حدوثه يبلغ نسبة 70% في السنوات الثلاثين المقبلة. ويقول الكثير من المهندسين وعلماء الزلازل: «من المحتمل أن تكون طوكيو آمنة إلى حد معقول، ولكن لا توجد طريقة لمعرفة ذلك على وجه اليقين حتى وقوع الزلزال الكبير التالي». • منذ زلزال كانتو الكبير، الذي دمر أجزاء كبيرة من طوكيو ويوكوهاما قبل ما يزيد قليلاً على 100 عام، تطورت تقنية المباني في اليابان بشكل كبير، بدءاً من استخدام ما يُعرف بـ«المخمدات» واسعة النطاق، التي تتأرجح مثل البندول داخل ناطحات السحاب. • يرجع معدل البقاء الملحوظ للمعابد منذ فترة طويلة إلى «شينباشيرا»، وهي الأعمدة المركزية المصنوعة من جذوع الأشجار والتي استخدمها المهندسون المعماريون اليابانيون لمدة 1400 عام على الأقل. المخمدات «المخمدات» هي نوع من أنظمة التخميد الزلزالي، وتستخدم في المباني العالية الارتفاع، لمقاومة أحمال الزلازل، وتم اعتمادها وتطبيقها على المنشآت عام 1950 على مبنى التجارة العالمي في أميركا، وانتشر استخدامها في عام 1980، حيث تم استخدامها في تقوية المنشآت القائمة. وتشبه «المخمدات» جهاز ماص الصدمات في السيارة، للتخفيف من حدة الاصطدام عند الوقوع في المطبات. ويحتوي المخمد على سائل له معامل لزوجة معين، ويمتص الصدمات الواقعة على المبنى خلال الزلازل، ويتم وضعه في المباني المهمة والجسور، لتقليل تأثير موجات الاهتزاز التي تحدث في المبنى. و«المخمدات» مكلفة جداً، وتحتاج إلى فريق عمل خاص، لتصميم وتنفيذ هذه التقنية في المبنى، ويتم تحديد مكانها بواسطة المهندس الإنشائي طبقاً للتصميم، ولابد من وجود تنسيق مع المعماري. قوانين البناء الخاصة بالزلازل تعد اليابان دولة نشطة زلزالياً، وتمتلك بعض أكثر معايير بناء الزلازل صرامة في العالم. وعلى الرغم من تحديث قوانين البناء بانتظام، فإنه حدث تغيير كبير في قانون معايير البناء في عام 1981. وتسمى المباني المبنية وفقاً لمعايير ما قبل عام 1981 «كيو تايشين» والمباني المبنية وفقاً للمعايير الجديدة تُسمى «شين تايشين». وهذا تمييز مهم جداً ليابانيين عدة يتطلعون إلى شراء شقة. لقد أدى زلزال توهوكو الأخير الذي بلغت قوته تسع درجات إلى وضع قوانين بناء الزلازل في مقدمة أذهان مشترين عدة. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App

مشاركة :