اعتبر محللون أن تغيير السعودية نظام المعاملات التجارية يعد خطوة كبيرة على طريق تحسين بيئة الاستثمار وسهولة ممارسة الأعمال وإغراء الشركات انسجاما مع أهداف برنامج الإصلاح لتنويع الاقتصاد وتعزيز النمو وتوفير المزيد من فرص العمل، لكن الحذر لا يزال قائما. الرياض - تشكل القواعد الجديدة التي أقرتها السعودية في مجال المعاملات التجارية جاذبة لعدد من المستثمرين، الذين يرون أن التغييرات تدعو إلى إعادة التفكير وربما تشجع الشركات للمرة الأولى على شراء حصص أقلية في أصول محلية. وهذا بالضبط ما يهدف إليه قادة البلاد في سعيهم لجذب مليارات الدولارات من رؤوس الأموال الجديدة لتنويع مصادر الاقتصاد بعيدا عن الوقود الأحفوري. وفي منتصف ديسمبر الماضي دخل أول قانون مدني مكتوب في السعودية حيز التنفيذ، ليحل محل نظام يتمتع فيه القضاة بسلطة تقديرية كاملة في الفصل في المنازعات التجارية استرشادا بالشريعة الإسلامية. وفي السابق كان ذلك يصنع حالة من عدم اليقين بالنسبة إلى المستثمرين مثل عماد غندور، المؤسس المشارك والمدير الإداري لشركة سيدار بريدج كابيتال بارتنرز، والذين كانوا حتى الآن يستثمرون فقط في حصص الأغلبية بالشركات السعودية. وقال غندور، الذي تمتلك شركته أصولا تزيد قيمتها عن 140 مليون دولار في أوروبا والشرق الأوسط، لرويترز إن الإطار الجديد “يسمح لنا بحماية أنفسنا بشكل أفضل وأكثر قابلية للتوقع مما كان عليه الوضع في ظل القانون القديم”. عماد غندور: النظام يحمي أنشطتنا بشكل أفضل وهو أكثر قابلية للتوقع عماد غندور: النظام يحمي أنشطتنا بشكل أفضل وهو أكثر قابلية للتوقع ويعد نظام المعاملات المدنية الجديد جزءا من خطة الإصلاح التي تنفذها الحكومة ضمن رؤية 2030 الهادفة إلى تحويل اقتصادها بعيدا عن قطاع النفط والغاز. ويأتي إقراره بعد خمس سنوات من دخول نظام الإفلاس حيز التنفيذ، والذي بدأ في تغيير شكل وطبيعة الاستثمار في البلاد ويعطيه قوة وصلابة كان يفتقدهما طيلة عقود. وحددت الرياض في عام 2021 هدفا للوصول إلى 100 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر بحلول آخر أعوام هذا العقد، وهو ما يبدو بعيد المنال حيث تُظهر أحدث البيانات تدفقات أقل بقليل من 33 مليار دولار في عام 2022. ويرى بعض المستشارين أن النظام الجديد قد يغير قواعد اللعبة، إذ يوفر الوضوح القانوني لمجموعات كبيرة من البنوك وشركات المحاماة ومديري الأصول والشركات التي تنشئ مكاتب أو تفكر في استثمارات في أكبر اقتصاد في منطقة الخليج العربي. ويبدو جوزيف شيدراوي الشريك في شركة كوفينجتون آند بورلينغ للمحاماة، والذي يقدم المشورة للشركات المشاركة في النزاعات الدولية في البلاد، أحد الأشخاص المقتنعين بالخطوة. وقال إن “مجرد وجود مدونة تنص بإيجاز ووضوح على الموقف القانوني تجاه بعض القضايا، سواء كان ذلك تكوين العقود أو الأضرار أو الإنهاء أو غير ذلك، سيساهم في تعزيز ثقة المستثمرين”. ورغم ذلك يشير محامون ومصرفيون ومستثمرون إلى أن عدم اليقين بشأن آلية تطبيق القانون الجديد يعني أن الأمر قد يستغرق بعض الوقت قبل أن يتم تنفيذ المزيد من الصفقات، ما يؤدي إلى انتعاش واضح في تدفقات الاستثمار المباشر. وقال أندرو ماكنزي، رئيس قسم التقاضي والتحكيم والتحقيقات بالشرق الأوسط في شركة دي.أل.أي بايبر والذي يقدم المشورة للشركات في السعودية، “عليك بعد ذلك أن ترى تطبيقه وأن ترى المحاكم تطبقه، سيكون هذا طريقا للاكتشاف بالنسبة إلى القضاة إلى حد ما”. جوزيف شيدراوي: مجرد وجود مدونة سيساهم في تعزيز ثقة المستثمرين جوزيف شيدراوي: مجرد وجود مدونة سيساهم في تعزيز ثقة المستثمرين ويعتقد غندور أيضا أن شركته ستحتاج إلى معرفة آلية تطبيق القانون على أرض الواقع قبل تقديم أي التزامات ثابتة، لكن على الأقل لم يعد الإطار القانوني مدعاة للتردد. وقال جيم كرين الباحث في معهد بيكر بجامعة رايس في هيوستن، بشأن عدم وجود قواعد تجارية مكتوبة سابقا وترك الأمر للأحكام التقديرية، “بالنسبة إلى الكثير من قادة الأعمال كانت المخاطر السياسية للعمل في السعودية مرتفعة للغاية”. ورغم أن نظام المعاملات الجديد لا يزال يتبع مبادئ الشريعة الإسلامية بشكل كبير فإنه يستند إلى القانون المدني المصري لعام 1849 المصمم على غرار قانون نابليون ويحدد المبادئ التوجيهية القانونية التي يجب على القضاة الالتزام بها. وقال شيدراوي إن “القضاة يتلقون التدريب على النظام الجديد وسيطبق بأثر رجعي على جميع العقود”. كما قال غندور إن “النظام الجديد يسمح الآن لصفقات المساهمين بأن تتضمن حق الخروج من الاستثمار من خلال بند متفق عليه مسبقا أو القدرة على إجبار مساهمي الأقلية على الانضمام إلى بيع الشركة”. وأوضح أن هذه الحقوق لم تكن تُطبق في السابق بشكل عالمي، ما أدى إلى إضعاف مراكز المستثمرين. وفي السابق، عندما كانت تطالب الأطراف بتعويضات في الدعاوى القضائية، كان لسلطة المحاكم إمكانية تعديل المبالغ اعتمادا على أحكام القضاة لكن بموجب النظام الجديد ستقتصر أي أضرار على ما هو مدرج في العقد باستثناء حالات الاحتيال أو الإهمال الجسيم. وذكر أحد الممولين، لم تذكر رويترز هويته، أن المزيد من الوضوح يعني أيضا أن البنوك ربما تحتاج إلى تخصيص قدر أقل من رأس المال عند تقديم القروض المضمونة، الأمر الذي قد يحرر المزيد من التمويل. جيم كرين: كانت المخاطر سابقا مرتفعة جدا للكثير من قادة الأعمال جيم كرين: كانت المخاطر سابقا مرتفعة جدا للكثير من قادة الأعمال ويمكن للمقاولين أيضا التوقف عن العمل إذا لم يتلقوا أموالهم أو إذا تم انتهاك العقود بطريقة أخرى. ويسمح النظام الجديد أيضا برفع دعوى قضائية بسبب خسارة الربح، والتي كانت في السابق منطقة رمادية قانونية، لأن توجيهات الشريعة نصت بشكل عام على أن التعويض يجب أن يكون مبلغا ثابتا. ورغم ذلك لا تزال هناك شكوك قائمة حول كيفية معاملة الأطراف الأجنبية والمحلية في حالات النزاعات التجارية. وقال أحد المستثمرين العالميين، الذي تحدث لرويترز شريطة عدم نشر هويته، إن “مجموعته الاستثمارية رفضت الاستثمار في المملكة لأنها كانت ستخضع للقانون السعودي”. ولا تزال المجموعة تفضل إبرام الصفقات في الدول التي يمكن فيها صياغتها وفق القوانين الأوروبية. وقال محام في شركة محاماة أميركية، تحدث أيضا شريطة عدم نشر هويته، إن “الكثير من المستثمرين مازالوا يفضلون صياغة العقود باستخدام القانون البريطاني مع بند للتحكيم لتجنب المحاكم السعودية”. وأكد أن هؤلاء المستثمرين يريدون تجنب الدعاوى القضائية المحتملة في المحاكم السعودية، التي يعتقدون أنها قد تقف إلى جانب الحكومة وليس المستثمر الأجنبي.
مشاركة :