أشاد مؤتمر الإرهاب وضرره على التنمية والاستقرار الذي اختتم أعماله اليوم بالعاصمة السنغالية داكار، بجهود المملكة العربية السعودية وقيادتها الحكيمة في مواجهة الإرهاب والتصدي للتطرف والغلو، وتوعيةِ الأمة بخطره، وحرصها على تعزيز الاستقرار والأمن في العالم. وأشار المشاركون في أوراق أعمالهم إلى أن نجاح السعودية مرتبط بتطبيقها للشريعة الإسلامية، وحرص قادتها على أمن مواطنيها والمقيمين على أرضها، وتلاحم شعبها مع قيادتها، بجانب دأبها على تعزيز التضامن الإسلامي، واهتمامها بقضايا المسلمين، مؤكدين براءة الإسلام من الإرهاب والإرهابيين، عادين الإرهاب جريمة تستغل لتشويه سمعة الإسلام, وإعاقة انتشاره, وزعزعة الأمن والاستقرار، وتعطيل برامج التنمية، مؤكدين أن الإسلام يحرم تخويفَ الآمنين، وهتْكَ حرمة المعاهَدين، واستهدافَ الأبرياء، وتدميرَ المنشآت. واستنكر المشاركون في المؤتمر الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي، إلصاقَ تهمة الإرهاب بالأمة الإسلامية ودينِها وتُراثها، موضحين أن هذه التهمة تعرقل الجهودَ المبذولة في مكافحة الإرهاب، وتتجاهل جهودَ المسلمين في التعاون الدولي، وخدمة الأمن والاستقرار العالمي، منددين بممارسة إسرائيل من جرائمَ في حق الشعب الفلسطيني, من حصارٍ وقتل وترويع واعتقال، وسعي لتهويد القدس، وتدنيس المسجد الأقصى المبارك . وطالب المؤتمر الأمم المتحدة بوضع حد لما يمارسه الهندوس في بورما ضد المسلمين المستضعفين هناك، وإدراجِها ضِمن الدول التي تمارس الإرهاب، ومعاقبةِ مرتكبيها. وأكد المؤتمر أهمية اتفاق العالم على تعريفٍ موحد للإرهاب، يكون جامعاً شاملاً كل أصنافَه، منعاً للخطأ والتحيز, ورأَى أن من أشمل تعريفات الإرهاب، ما صدر في بيان مكة المكرمة الصادر عن المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي في دورته السادسة عشرة التي انعقدت في الفترة من 21- 26/ 10/ 1422هـ، الموافق 5 إلى 10/ 1/ 2002م، الذي عرَّف الإرهابَ بأنه: العدوان الذي يمارسه أفراد، أو جماعات، أو دول، بَغْياً على الإنسان، في دينه، ودمه، وعقله، وماله، وعِرضه، ويشمل صنوفَ التخويفِ والأذى والتهديدِ والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحِرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق، وكلَّ فِعل من أفعال العنف، أو التهديد، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعِهم؛ بإيذائهم، أو تعريضِ حياتهم أو حريتِهم أو أمنِهم أو أحوالِهم للخطر، مستعرضين صنوفه في إلحاق الضرر بالبيئة، أو بأحد المرافق، أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو تعريض أحدِ الموارد الوطنية أو الطبيعية للخطر. وأشار المؤتمر إلى ضعف التأصيل الشرعي المبني على نصوص الكتاب والسنة, وفهمِ السلف الصالح، وعدمُ مراعاة مقاصد الشريعة الإسلامية , التي تدعو إلى السمع والطاعة لولاة الأمر, ولزومِ الجماعة ونَبذِ التفرق, ومراعاة المصالح والمفاسد, والموازنةِ بين مشروعية الأعمال, وحسنِ العواقب والمآل، بجانب قصور برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية عن تلبية حاجات المجتمعات، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، وغياب العدالة الاجتماعية في العديد من بلدان المسلمين، وإهمال العديد من المجتمعات حقوقَ مواطنيها وعدم توفيرِ حياة كريمة للفقراء والمحرومين، وتجاهلُ مشكلاتهم ومطالبهم، وتفَشِّي المنكَرات والفساد الإداري والمالي، وغيابُ المحاسبة، وتراجعُ أداء المؤسسات في بعض بلدان المسلمين، وفشلُها في خطط التنمية المستدامة، وقصورُها في مواجهة المشكلات والأزمات بالحزم والأمانة والعدل والإنصاف، وازديادُ حالات التفكك والعنف الأسري بسبب ضعف أثر الأسرة في التربية والتوجيه وحسن التنشئة. فيما تناول تطاول التيارات المعادية للدين وأحكامه على الثوابت والمسَلمات الإسلامية، وظهور الدعوات الهدَّامة التي تحارب اللهَ ورسولَه، بالإضافة إلى تجاوزاتُ الإعلام العالمي، وإساءاته إلى الأنبياء ورسالاتهم، وسنَّ القوانين التي تحمي المسيئين من العقوبة، بدعوى حرية الفكر والتعبير، والاعتقاد، واغترار كثير من الشباب بدعاوى الفكر المتطرف؛ لقلة علمهم وضحالة فكرهم، وعدمِ رجوعهم لأهل العلم الراسخين . وطالب المؤتمر المؤسسات الإعلامية بالحياد والتوقف عن سياسة التحيز والكيل بمكيالين -فالإرهاب لا دينَ له ولا وطن- في تعاملها مع الإرهاب، مؤكداً أن العديد من العمليات الإرهابية قامت بها جِهات غير مسلمة, مستنكراً سياسةَ التعتيم الإعلامي المتعمَّد، على الجرائم الإرهابية التي تُرتكب في فلسطين وسوريا والعراق وبورما. ودعا إلى تعزيز التضامن الإسلامي، والعمل على حل النزاعات الطائفية, ومساعدة الدول الفقيرة في خططها للحد من الفقر والبطالة، بجانب دعم المؤسسات الدعوية والخيرية , وإفساح المجال لها للقيام بواجبها في توعية الشباب ومساعدتهم وتبصيرهم بأحكام الدين الحنيف، ودعوة المؤسسات الدينية والعلماء في الأمة الإسلامية إلى نشر العلم الشرعي الصحيح المستمد من الكتاب والسنة، وفق فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين، وتعزيز نهج الوسطية والاعتدال. فيما طالب بتأصيل العقيدة الصحيحة في نفوس الناشئة, وبيان أهمية اتباع العلماء الربانيين وعدم الانحراف عن نهجهم، والتذكير بأهمية الأمن في حياة الناس, وأن المحافظة عليه مطلب شرعي، وضرورة مهمة، وتوفير القدوة الصالحة من العلماء الربانيين والمفتين الذين تتوفر فيهم الأهلية الشرعية، والحفاظ على مكانة العلم وأهله، ودعم مؤسسات العلم والإفتاء ومساندتها في القيام بالنصح وبيان أحكام الدين, وتبصير الناس بمن يستفتونهم, وربط الشباب بقيم الإسلام الحضارية والثقافية، وتصحيح المفاهيم الخاطئة وبيان الحق فيها، والرد على الشبهات المضللة؛ لحماية الشباب من الوقوع في شراك الشبهات والتطرف, وتوعيتهم بأحكام الجهاد وغاياته وضوابطه. وأوصى المؤتمر بالحوار مع الشباب والتباحث معهم في المشكلات المعاصرة، وإشراكهم في حل قضايا مجتمعهم، والتصدي للنوازل بفقه يستند إلى نصوص الشريعة ويراعي الواقع، والتصدي لدعاة التهييج وأصحاب الفتاوى الشاذة، ومناصحة أصحابها بتقوى الله تعالى والرجوع في كل نازلة إلى أهل العلم الراسخين، مطالباً بنشر القيم الإسلامية، واستثمار المخزون الثقافي للأمة، والالتزام بآداب الاختلاف والحوار، وعدم التساهل في التكفير والتبديع والتفسيق والتضليل، وإحسان الظن بالعلماء، وعدم النيل منهم أو التطاول عليهم، وترشيد مناهج التربية والتعليم بما يتوافق مع أحكام الإسلام، وتعميق القيم الإسلامية، وبخاصة تحريم الظلم, ونبذ العنف, وحرمة الدماء والممتلكات, ودعمُ المؤسسات التعليمية في المجتمعات الإسلامية، وتعزيز قدرتها على الوقاية من الفكر المضلل، والانحراف السلوكي والفكري. وشدد على أهمية توعية المجتمع - ولاسيما الشباب - بمخاطر التعامل مع وسائل الإعلام الجديد التي تشجع على الإرهاب وتمويله والانخراط في صفوفه، وتكثيف البرامج الإعلامية التي تؤكد وسطية الإسلام , وتحذر من النزاع والفتنة , وتعزز ثقافة الحوار , وعدم نشر ما يستفز الشباب من تطاول على ثوابت الدين , وقدح في العقيدة الصحيحة، وخدش للأخلاق والآداب الإسلامية، ما يعزز الوعي الأسري، بجانب التنسيق والتعاون بين فئات المجتمع، للوقوف صفاً واحداً ضد التيارات المنحرفة , والممارسات الخاطئة , والأفكار الدخيلة. وأعرب المؤتمر عن شكره للرئيس ماكي سال، رئيس جمهورية السنغال؛ لاستضافة المؤتمر، ما أسهم في نجاح فعالياته، مشيدين بجهود المملكة العربية السعودية، في خدمة الإسلام والمسلمين، ونُصرةِ قضاياهم، وتعزيزِ العمل الإسلامي وتأصيلِه, ومحاربةِ الفكر الضال والمنحرف, ومكافحةِ الطائفية والإرهاب والتطرف, وخدمة الحرمين الشريفين، ورعاية المشاعر المقدسة , وحرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود على العمل الإسلامي, والاهتمامِ بالدعوة الإسلامية، والعملِ على تحقيق التضامن الإسلامي, ونشرِ السلام والأمن في العالم . وقدّر المشاركون في المؤتمر جهودَ رابطة العالم الإسلامي ممثلة في أمينها العام الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي في الاهتمام بالقضايا الإسلامية. إلى ذلك اختتم المؤتمر جلسات عمله اليوم بمحورين، الأول تناول إستراتيجية مكافحة الإرهاب، فيما ناقش المحور الثاني دور الإعلام في مكافحة الإرهاب .
مشاركة :