من الأمور التي لا تقبل الجدل، أن عملية التنمية والتقدم مرهونة بالعملية التعليمية برمتها، والتي تشمل أربعة مكونات: المعلم، والطالب، والمنهج، والإدارة التعليمية، وأنه عند وجود خلل في واحدة من تلك المكونات تقلّ كفاءة العملية التعليمية ومخرجاتها؛ مما يلقي ظلالاً سلبية على مسار التنمية والتقدم. ولو تتبعنا نهضة البلاد المتقدمة؛ لوجدنا أن التعليم كان الركيزة التي بُنِيت عليها خطط التقدم؛ لأن تلك العملية هي التي تصنع وتصيغ العقل البشري وإمكانياته؛ فإذا ما كانت تلك العملية برمتها ضعيفة أو بها قصور؛ فالعامل البشري الذي هو عماد النهضة والحضارة سيكون قاصراً عن بلوغ الأهداف المنوطة به. خذ مثلاً على ذلك اليابان؛ فهي بلد تجمع بين الحضارة والتقدم والرقي الأخلاقي والسلوكي؛ وذلك كله نتاج عملة تعليمية وتربوية راقية، تجمع بين الإمكانيات العلمية، والصياغات التربوية؛ وهو الأمر الذي أخرج هذه العناصر البشرية المذهلة في رقيها الإنساني وتقدمها الحضاري. والذي استدعى هذا الحديث، الذي نراه بديهياً؛ هو النتائج المفزعة التي أعلنت عنها هيئة تقويم التعليم العام؛ حيث كشفت دراسة حديثة قامت بها الجهة ذاتها، أن 66% من المعلمين يرون أن حماسهم ورغبتهم في التدريس تقل بعد التحاقهم بالمهنة، وهو تعبير عن حالة من حالات الإحباط! إضافة إلى ذلك الإحباط؛ فإن 75% من المعلمين لا يتوافر لهم مواد ووسائل تدريسية داعمة؛ بينما ذكر 70% من المعلمين أنه ليس لديهم أماكن متاحة في المدارس تُمَكّنهم من العمل والتخطيط للتدريس. هذه الدراسة تُظهر بصورة جلية خلالاً في كل أركان العملية التعليمية التي سَبَق أن أشرنا إليها، والغريب أننا ننتظر بعد ذلك مخرجات عالية الجودة تقود قاطرة التنمية في البلاد، وهو ضرب من ضروب الخيال والعبث، أو هو من باب الأماني الباطلة التي يكذّبها الواقع بكل تفاصيله ومكوناته. ولسنا حقيقة بحاجة إلى انتظار نتائج؛ فالدراسة ذاتها وفّرت علينا عناء البحث والانتظار؛ فالنتائج كانت صادمة فيما يخص مستوى الطلاب في مادتيْ الرياضيات والعلوم، اللتين هما عماد التقدم التقني والصناعي في البلاد التي تصبو إلى التقدم. فحين يكون 40% من طلاب وطالبات الصفوف الابتدائية لم يتجاوزوا الحد الأدنى للمهارات، في وقت لا يتجاوز فيه المعدل المقبول عالمياً 15%؛ فهذا ناقوس خطر شديد للقائمين على أمر التعليم، بأننا لا نسير في الاتجاه الصحيح.
مشاركة :