عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابكِ على خطيئتك. سؤال ينبغي على كل عاقل أن يسأله، ما النجاة؟ كيف أنجو غدًا بين يدي الله تعالى؟ إن طلب النجاة هو ما أقضّ مضاجع الصالحين، وأقلق قلوب العابدين، ولهجت به ألسنة الذاكرين، فيا رب نسألك النجاة في الدنيا والآخرة. أولى فوائد هذا الحديث العظيم حرص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على طلب النجاة خصوصا، وعلى تحصيل الخير عموما، نعم كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على الخير، وأسرع الناس في تحصيله، كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن سبله وطرق تحصيله. فهذا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله قال: الصلاة على وقتها قال ثم أي؟ قال ثم بر الوالدين قال ثم أي قال الجهاد في سبيل الله قال حدثني بهن ولو استزدته لزادني. وهذا سائل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أدومه وإن قل. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة قال: تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان قال والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا. وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت يا نبي الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت..... بل كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عن الشر مخافة أن يقعوا فيه فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر قال: نعم قلت وهل بعد ذلك الشر من خير قال نعم وفيه دخن قلت: وما دخنه قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر قال: نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صفهم لنا فقال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك. وهذا عقبة بن عامر رضي الله عنه يسأل النبي عن النجاة ويخبره النبي صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة من سبل النجاة أولها حفظ اللسان وقد يقول قائل: هل اللسان على هذه الدرجة من الخطورة حتى يجعله النبي صلى الله عليه وسلم أول أسباب النجاة؟ نقول نعم فاللسان أخطر أعضاء ابن آدم، ولم لا وهو إما أن يكون سببا في نجاة العبد وسعادته سعادة لا شقاء بعدها وإما أن يكون سببا في شقاء العبد شقاء لا سعادة بعده أبدا، لذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه منه، فهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه فقلت بلى يا رسول الله قال رأس الأمر وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد ثم قال ألا أخبرك بملاك ذلك كله فقلت له بلى يا نبي الله فأخذ بلسانه فقال كف عليك هذا فقلت يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم في النار أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم. فاللسان سلاح ذو حدين إذا حفظه صاحبه كان من أعظم أسباب النجاة ومن أسباب دخول الجنة، ومن أطلق له العنان يرتع به فيما حرم الله كان من أعظم أسباب دخول النار. حفظ اللسان من أعظم أسباب النجاة: فمن حفظ لسانه وكبح جماحه، وحفظ فرجه فقد ضمن له النبي صلى الله عليه وسلم الجنة ودليل ذلك ما ورد عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة. وعن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر اطلع على أبي بكر رضي الله عنه وهو يمد لسانه فقال: ما تصنع يا خليفة رسول الله فقال: إن هذا أوردني الموارد، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس شيء من الجسد، إلا وهو يشكو ذرب اللسان. ومعنى ذرب اللسان: حدته وشره وفحشه، وإذا كان الصديق رضي الله عنه يقول هذا ويفعل هذا بلسانه فما بالنا نحن. وهذا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول والله الذي لا إله إلا هو ما شيء أحوج إلى طول سجن من لسان.
مشاركة :