توفيت يوم أمس، المهندسة المعمارية العراقية-البريطانية زها حديد، الحائزة جائزة بريتزكر عام 2004، أرقى جوائز الهندسة، عن 65 عاماً اثر اصابتها بأزمة قلبية في مستشفى بميامي بالولايات المتحدة، كما أعلن مكتبها في لندن. جسر الشيخ زايد عربياً كان لزها حديد بصمتها الكبيرة في أحد أكثر الجسور تعقيداً من حيث التصميم على مستوى العالم، وهو جسر الشيخ زايد بأبوظبي الذي افتتح سنة 2010، ويصل العمر الافتراضي لهذا الجسر إلى 120 عاماً، خصوصاً أن الرطوبة العالية في منطقة الخليج تقلل من العمر الافتراضي للمباني. ويتماهى تصميم الجسر مع روح الحياة البدوية في شبه الجزيرة العربية، حيث ترمز أقواسه الثلاثة الفولاذية المتموجة إلى الكثبان الرملية التي تتميز بها إمارة أبوظبي، حيث تتصل هذه الأقواس ذات الأحجام المتساوية بكتل خرسانية صممت لتتحمل الرياح الشديدة والتي تصل سرعتها إلى 160 كلم في الساعة، ويبلغ طول الجسر إلى 850 متراً ويتكون من ثمانية مسارات مقسمة على كل اتجاه، ويشتمل هذا الجسر على كل عوامل السلامة والأمان من ممر للمشاة وأماكن للتوقف الاضطراري للمركبات وسيارات الإسعاف، وقدرت الكلفة الإجمالية لهذا الجسر بنحو 300 مليون دولار، ويعتبر من المعالم البارزة على مدخل مدينة أبوظبي. منزل مستقبلي من الأمور البارزة التي جعلت اسم زها حديد يسطع إعلامياً تصميمها لمنزل خاص لعارضة الأزياء الشهيرة نعومي كامبل، الذي وصفته وسائل الإعلام العالمية بـ المنزل المستقبلي وكانت البداية من خلال تعاقد الملياردير الروسي فلاديسلاف دورونين صديق نعومي كامبل مع زها حديد لتقديم تصميم استثنائي في العاصمة الروسية، ويبلغ ارتفاع البيت 20 متراً وهو بمساحة 2650 متراً مربعاً، وينقسم إلى قسمين بارزين، وهو على شاكلة محطة فضائية. وقال مكتبها في بيان بحزن كبير تؤكد شركة زها حديد للهندسة المعمارية، أن زها حديد توفيت بشكل مفاجئ في ميامي هذا الصباح. كانت تعاني التهاباً رئوياً أصيبت به مطلع الأسبوع وتعرضت لأزمة قلبية أثناء علاجها في المستشفى. وأضاف البيان أن زها حديد كانت تعتبر إلى حد كبير أهم مهندسة معمارية في العالم اليوم. ولدت زها حديد في بغداد عام 1950 ودرست الرياضيات في الجامعة الأميركية في بيروت، قبل أن تلتحق بالجمعية المعمارية في لندن، وتنال منها إجازة عام 1977. وأصبحت لاحقاً مدرسة في الجمعية. أسست حديد شركتها عام 1979 وصممت مركزاً للتزلج في انسبروك في النمسا، ودار الأوبرا في غوانزهو في الصين وكارديف في ويلز. وكانت حديد أول امرأة تنال سنة 2004 جائزة بريتزكر التي تعد بمثابة نوبل الهندسة المعمارية، بعد جان نوفيل وفرانك غيري وأوسكار نييماير. وزها حديد مصممة حوض السباحة لدورة الألعاب الأولمبية في لندن سنة 2012، كان يفترض أن تشرف على بناء الملعب الأولمبي للألعاب الأولمبية المقررة في طوكيو في عام 2020، لكن تم التخلي في نهاية المطاف عن المشروع باعتباره باهظ الكلفة. تتميز أعمال زها حديد باتجاه معماري واضح في جميع أعمالها وهو الاتجاه المعروف باسم التفكيكية أو التهديمية وهو اتجاه ينطوي على تعقيد عالٍ وهندسة غير منتظمة، كما أنها تستخدم الحديد في تصاميمها بحيث يتحمل درجات كبيرة من أحمال الشد والضغط تمكنها من تنفيذ تشكيلات حرة وجريئة، وقد ظهر هذا الاتجاه في عام 1971 ويعد من أهم الحركات المعمارية التي ظهرت في القرن الـ20. ويدعو هذا الاتجاه بصفة عامة إلى هدم كل أسس الهندسة الإقليديسية (نسبة إلى إقليدس، عالم الرياضيات اليوناني) من خلال تفكيك المنشآت إلى أجزاء. ورغم الاختلاف والتناقض القائم بين رواد هذا الاتجاه إلا أنهم يتفقون في أمر جوهري وهو الاختلاف عن كل ما هو مألوف وتقليدي. وعلى مدى السنوات الماضية تصدرت المهندسة العراقية الأخبار، وفرضت نفسها كواحدة من أهم العاملين في هذا المجال، وتتميز أعمالها بطابعها المستقبلي، ما يجعلها تنال إعجاب الخبراء والمتخصصين وتعتبر شركتها زها حديد للهندسة ومقرها في العاصمة البريطانية لندن إحدى أشهر شركات الهندسة في العالم، ويعمل تحت امرتها 350 شخصاً، وكان لها السبق في عدد من أشهر المعالم الهندسية في مختلف دول العالم من الصين شرقاً إلى الولايات المتحدة غرباً، لكن أعمالها لا تشمل فقط البنى التحتية، بل كذلك المجوهرات والأثاث والأحذية، وتم اختيارها في أكثر من مرة ضمن أكثر 100 شخصية تأثيراً في العالم، من خلال اللائحة السنوية التي تنشرها مجلة فوربس الأميركية المتخصصة. ومن أشهر أعمالها التي قادتها لتكون المهندسة الأشهر في العالم، متحف القرن الواحد والعشرين الوطني في العاصمة الإيطالية روما، وهو مخصص للأعمال الفنية المعاصرة، وتم افتتاحه في 2010 بعد نحو 12 سنة من بداية الأعمال فيه، وحين يطلب من زها حديد اختيار أحب الأعمال إلى قلبها، تشير دائماً إلى هذا العمل الذي صنفته وزارة الثقافة الإيطالية من بين المعالم الأثرية الشهيرة في العاصمة روما، واختير مرات عدة هذا المتحف كأفضل مبنى في العالم خلال السنوات الثلاث الماضية، ولعب هذا المبنى دوراً رئيساً في فوزها بجائزة سترلينغ في سنة 2010، وكذلك مبنى أكاديمية ايفلين غريس في بريكستون بلندن، الذي حظي بإعجاب منقطع النظير نظراً للطريقة الهندسية الجميلة التي اعتمدت في هذا المبنى والقائمة على نظرة مستقبلية، وتطلب هذا العمل نحو أربع سنوات ما بين 2006 و2010، وقادها للفوز بجائزة سترلينغ للعام الثاني على التوالي في 2011، ونالت حديد إشادات واسعة حين تعرف العالم إلى مركز الرياضات المائية الذي احتصن منافسات السباحة والغطس والسباحة الإيقاعية خلال أولمبياد لندن 2012، ومن أعمالها المركز الثقافي (حيدر علييف) في باكو بأذربيجان، ومبنى بييرز ييفس الشهير في مدينة مونبلييه الفرنسية، ومحطة افراغولا للسكة الحديد في نابولي بإيطاليا، ومحطة ساليرنو البحرية في ساليرنو بإيطاليا والمجمع الترفيهي العملاق ( دونغدايمون) بالعاصمة الكورية الجنوبية سيؤول، والمبنى الذي أذهل المتخصصين ويتعلق الأمر بـ صالة أوبرا غوانزهو في الصين. لعب المحيط العائلي لزها حديد دوراً رئيساً في صقل موهبتها وتوفير تعليم على أعلى مستوى لها، فقد رأت النور في 31 أكتوبر 1950 في العاصمة العراقية بغداد، وكانت عائلتها منفتحة على الثقافة الغربية، وبعد أن دخل العراق في عهد الانقلابات والصراعات السياسية الطاحنة هاجرت عائلتها إلى العاصمة البريطانية لندن في سنة 1972، وهناك تعلمت في معهد الهندسة البريطاني في لندن، وحصلت على شهادة التخرج في سنة 1977، ويعود عشقها للهندسة إلى رحلة مثيرة علقت بذاكرتها أيام الطفولة حين أخذها والدها لزيارة المعالم الأثرية للحضارة السومرية في الجنوب العراقي، وهذا ما يفسر الشبه الكبير بين عدد من تصميماتها وروح الهندسة السومرية، حيث استطاعت حديد أن تمزج بين الثقافة السومرية والروح العصرية. تصاميم معقدة عملت في بداية حياتها العملية مع شركة ميتروبوليتان للهندسة تحت إشراف أستاذها المهندس الهولندي المعروف روم كولهاس، وهو الذي أشرف على مشروع تخرجها وكان عبارة عن فندق بروح عصرية على مقربة من جسر هانغرفورد في لندن، ولم تمض سوى سنوات ثلاث حتى افتتحت مكتبها الخاص، واستمرت كذلك في تدريس الهندسة، وبعد 10 سنوات مثيرة وصعبة خلال ثمانينات القرن الماضي، بدأ اسمها يكبر ويشتهر عالمياً بعد أن فازت بعدد من الجوائز وعملت على بعض المشروعات الكبرى، وعلى الرغم من أن عدداً من كبار المهندسين خلال تلك الفترة تحدوا حديد أن تنجز بعضاً من مشروعاتها الكبرى على اعتبار أنها معقدة للغاية وغير مسبوقة في مدارس الهندسة العالمية، لكنها نجحت في إنجاز عدد منها، ما جعل منها المهندسة الأشهر في العالم.
مشاركة :