بعد رحيل عبدالعزيز البابطين من يجمع شتات الشعر العربي الحديث؟

  • 1/22/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لم تتوهج البلدان العربية خلال زمننا الحديث بتجمعات لأجل إثراء الشعر العربي كما توهجت خلال المناسبات التي تقودها وتحييها مؤسسة العم عبدالعزيز بن سعود البابطين للثقافة بتنقلها المستمر بين بلد عربي وآخر عربي أو أجنبي لعقد الندوات والتجمعات والإحتفالات الشعرية.. وفق دعم لا محدود لأجل أن يستمر هذا الفن الأدبي العربي الراقي مستمرا مضيئا. الشاعر والداعم الأكبر لمسيرة الشعر العربي في العصر الحديث عبدالعزيز بن سعود البابطين إنطلق في رؤياه من أن الشِّعر العربي جدير أن يمتد أكثر فهو "أي الشعر" ابن لغة متعددة الصيغ كثيرة البنيان، مرنة.. كثيرة الاسماء والصفات والمصطلحات، وحتى الاشتقاق، لذا كانت رحلته مع هذا الفن النبيل عامرة بكثير من الوفاء الذي أنتج وبجهود شخصية ندوات ومحافل وتجمعات لإعادة احياء الشعر العربي.. كيف لا؟!. وهو الذي يرى أن الشعر مازال تعبير المجتمع وناقل التاريخ، غير إيمانه بأن للأدب بصفة عامة والشعر بصفة خاصة دورًا فاعلًا في التعبير عن هوية كل بلد غير الدور الكبير في قيادة التعبير في المجتمع ودفعه نحو التطور والانفتاح، وإن كان بوتيرة هادئة لكنها أكثر رسوخًا. كانت تجربته مع الشعر حياتية مستمرة بالغة الثراء.. لقد كان هذا الرجل الشمعة التي سارت بين بلدان العرب تنشد الإبداع الشعري وتصر على استمرار وهجه.. لا تتوقف طموحاته لتكون مؤسسته مستمرة في التحليق في سماء الشعر دون حدود.. كان رجلا ذا تصميم عال .. وحتى في أزمات المرض يتابع رسالته مع الشعر ويدرك أبعادها. لذا كانت شخصية عبدالعزيز البابطين مبدعة خلاقة ومبتكرة ولها طابع خاص مختلف، مما صنع شخصية مثقف غير عادي جمع العرب شعرا في عصر مفعم بالتقلبات السياسية، والأحداث المهمة، يعرف قيمته من قرأ كثيراً عن أعمال مؤسسته ودعمه المادي الذي لم يكن له حدود.. كله لأجل الشعر العربي.. كان نسيج وحده، يصعب تصنيفه بسهولة تحت راية أو اتجاه، مثله مثل كل المبدعين المحسنين الذين كانوا صادقين مع أنفسهم ومع انتمائهم العربي.. وحتى مع اسرته عبر صندوق أسرة البابطين الخيري وما ذهب من دعم كبير لمسقط رأس عائلته في منطقة سدير وحرصه وتقديره للصغير والكبير؟!. عاش كل مراحل إثراء الشعر العربي في فترة امتدت لما يقارب خمسين عامًا اتسمت بغزارة المنتوج الفني والعطاء الثري.. حمل على كتفيه تراثًا عربيًا متأصلًا في أعماقه، عمل مع المهتمين المنتمين لمؤسسته على صياغته لكي يكون حاضرا ومؤثرا.. ومتكئا على انسانيته بعيدا عن أي انتقائية في المضمون والاسماء التي شكّلت هوية واضحة له وقاعدة مؤسسة بصمة أثيرة في الوسط الثقافي والأدبي عربيا.. هنا لا نتحدث عن شخصية عادية.. لكن لمن يهب ماله ووقته فهو من فئة شخصيات لا تتكرر كثيرا إلا في ظروف ومنعطفات استثنائية، بالنظر إلى خط التزامهم بقضايا الأدب العربي، والدفاع عن تطلعاته وآماله القريبة والبعيدة. ترك بصمات لا تنسى في تاريخ الشعر العربي الحديث، تسجل له بكل فخر وتقدير وإعجاب بما قدمه من خدمات جليلة، ستظل شاهدة على منجزه الإنساني الأدبي، ولن ننسى أن دوره بين الثقافة والإقتصاد حيث أوجد لنفسه مكانة كبيرة من القبول والمصداقية قلّما تجتمع في شخص واحد، وإن تعايش معهما بشخصية الشاعر الباذل إذ يصعب على المثقف الحقيقي مخالفة طبيعته في زمن لا ترى مجتمعاتنا اعتبارات مهمة للأدب، في زمن إحتاج للصمود في بيئة عربية تفرض الكثير من المساومات والرضا بالحلول الوسط، لكن تجربة عبدالعزيز البابطين أثبتت أنه كان قادرًا على التوازن بين النقيضين. لم يأتي إلى باب الانتصار والدعم للشعر من باب المحب فقط، بل من نبض الشاعر المتقن أبجدياته فشاعرية عبدالعزيز البابطين كانت تتجلى كثيرا وإن كان كما يقول مجايليه يريد أن يَسمع لا أن يُسمع غيره من شعره، خاصة ما يذهب إلى الحنين الذي التصق بمفرداته الشعرية وتجلى كثيرا في الحنين إلى وطنه وأهله في الكويت وإلى مرابع عائلته الأولى في روضة سدير في إقليم نجد في المملكة العربية السعودية وفي ذلك نجده يقول: لك روحي أما سمعت النداء فهمومي قد أورثتني العناء وحنين إليك أضحى شعاعاً قد تعالى فمس حتى السماء ملأ الكون والفضاء وأمسى بين عينيك يسكب الأضواء إذا سرى الليل طوله ليلاقي فجرك الحلو ينضح الأنداء ولن يٌنسى أنه من قيمة شاعريته فقد قامت جامعة (أكسفورد) في إنجلترا باختيار أبيات من إحدى قصائده لتنقش على جدران إحدى قاعاتها تقديرا لمشاريع الشاعر الرائدة بالشعر والأدب واللغة العربية على المستويين العربي والدولي.. وهي ثلاثة أبيات من قصيدة (الإبداع الخالد) في ديوانه الثالث (أغنيات الفيافي) لتنقش بخط عربي سلس على لوحة خشبية أنيقة معلقة بصدر قاعة الأساتذة بكلية الدراسات الشرقية بقسم العلوم الإنسانية بالجامعة. هنا لن نتحدث عن جمعياته الخيرية أمّا عن دعمه فلو بدأنا بجائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، من منطلق اهتمامه بالشعر العربي ورعايته لكل المهتمين به، فهي ملازمة لكل الندوات والاحتفالات الكبرى التي اقامتها مؤسسته على امتداد العالم العربي.. وأنشأ لها جائزة للإبداع الشعري في نقد الشعر وجائزة أفضل ديوان شعر، وجائزة أفضل قصيدة، وجائزة تكريمية للإبداع الشعري، وجائزة شبابية لأفضل ديوان شعر، وجائزة شبابية لأفضل قصيدة، واشترط في قبول العمل المقدم أن يكون باللغة العربية الفصحى فقط تشريفاً لها. ومع اهتمامه هذا لم يغفل المهتمين بالشعر من ذوي الاحتياجات الخاصة، فهناك لفاقدي وضعاف البصر (برنامج إبصار) برنامج ناطق لكل ما هو موجود على شاشة الحاسوب إضافة إلى كتب شعرية مطبوعة بطريقة (برايل)، أما التعليم والثقافة، فقد نالا حظاً وافراً عبر مركز عبدالعزيز البابطين لحوار الحضارات، وكراسي البابطين للثقافة العربية في العالم، وأكاديمية البابطين، فضلاً عن بعثة سعود البابطين الكويتية للدراسات، والدورات التدريبية العديدة، إن عطاءات عبدالعزيز البابطين في الشعر العربي لم تتوقف، واحتضانه للشعراء العرب مستمرة..غير إنشاء صرحًا معماريًا ضخمًا في الكويت تجسد بصورة كتاب مفتوح حديث الهيئة وعريق المضمون, يضم من الكتب ما تجاوز عددها 72 ألف كتاب ويعبق برائحة نوادر المخطوطات والرسائل الجامعية والدوريات. المهم في سيرته الزكية أنه قد ألمه أن لا يكون هناك معجما للشعراء العرب المعاصرين فتكفل بعمل ذلك وفق جهد ملحمي استنفر له كبار المختصين العرب من شعراء وباحثين فكان النتاج عظيما "معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين" 5000 صفحة وجد فيه الشعراء والباحثين والمثقفين كل ما يحتاجونه، غير أن هذا المعجم يضم بين دفتيه تراجم لألف وستمائة وخمسة وأربعين شاعرًا معاصرًا من كل البلدان العربية ومن مختلف المذاهب والتيارات الفكرية ليأتي العمل متكاملًا بحيث يعطي صورة صادقة ومكتملةً عن الشعر العربي المعاصر في الوطن العربي والمهجر. نحو أكثر من شهر مرّ على رحيل العم الأديب الشاعر عبدالعزيز البابطين عن حياتنا.. وقد خلف إرثاً كبيراً في عالمنا العربي الإسلامي ليكون أحد المهمين في سلسلة المثقفين التنويريين، باعتباره حاملًا لشعلة التنوير أديباً موسوعياً فقد كان فكرًا نشطا جعل من إحياء الشعر العربي هدفا رئيسيا وفق حياةعامرة ‭ ‬بالشعر‭ ‬والتشويق‭ ‬والإيثار،‭ ‬جذورها‭ ‬في الكويت والسعودية ‬وأغصانها‭ ‬في‭ ‬كل الدول العربية.. ليكون غيابه نهاية قصة تبحث عن الجمال في الشعر، لشخصية متفردة في عطائها عربياً وعالمياً، ليكون أحد أعلام الثقافة العربية الذين يشار إليهم بالبنان، فضلاً عن مكانته المرموقة في الثقافة العامة، لينال العديد من الأوسمة الرسمية بلغت نحو ثمانية عشر ومن دول مختلفة غير شهادات الدكتوراه الفخرية من جامعات مرموقة عدة.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ عبدالكريم بن حمد بن عبدالله البابطين عبدالعزيز بن سعود البابطين -يرحمه الله-

مشاركة :