القبة الفلكية في الشارقة.. مستودع أسرار الفضاء

  • 4/1/2016
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

في طور البناء يكون التحدي أقوى مما يتخيله كثير من الناس، ويكون أكثر صعوبة حين يكون متعلقاً ببنية تحتية، فهي المنجز الأهم في التأسيس على أصول صحيحة، لإقامة أية حضارة وتقدم أي وطن. نهجت الشارقة هذا النهج مبكراً، خصوصاً في علوم الفضاء، منذ الربع الأخير من القرن الماضي، حين أقامت القبة السماوية، لتكون المنفذ الذي يسبر غور الفضاء، ليبوح بأسراره، ويكشف عن جديده، فيكون مستودعاً ينهل منه أهل الخليج علومهم ومعارفهم المتعلقة بالفضاء والفلك والعلوم. ما زالت أعمال البناء مستمرة، وإحراز التقدم ظاهراً على الأرض، فتشييد المبنى الجديد مركز الشارقة لعلوم الفضاء والفلك الذي يعد صرحاً كبيراً وإضافة قوية إلى المنجز الوطني، بما يحتويه من أجهزة ومعدات وكوادر بشرية وعلمية، وهو بمثابة خطوة أخرى للعودة سريعاً إلى ما برع فيه أجدادنا العرب القدماء في أزهى عصورهم، وأبرز علمائهم من البيروني، وابن باجة وابن مسعود وأبو النصر التكريتي والمجريطي، الذين ما زالت فنونهم ومؤلفاتهم تكشف مكنونات الفضاء وينهل منها العالم إلى اليوم. في زيارتها للمركز، عمدت الخليج إلى تسليط الضوء على المنجز الجديد، بعد مده بأرقى وآخر التقنيات الفلكية، ومجموعة من الكوادر البشرية والعلمية، وإضافة العديد من المباني الملحقة والمتخصصة في دعم ودراسة علوم الفلك، ولتكون جارة أخواتها في الإمارات، تثقف وتعلم وتؤسس لعلم ممتد عبر التاريخ. إبراهيم عبد الرحمن الجروان، المشرف العام للقبة السماوية بالشارقة، ومساعد مدير مكتب الشارقة لعلوم الفضاء والفلك، والباحث في علوم الفلك، يقول: هناك كثير من المستجدات في المرحلة الثانية لتطوير واستكمال المركز، ومنها عدد من المعارض والأجهزة، ونموذج صاروخ (آريان -5) القابع في ردهة المبنى على اليسار من مدخل الزوار، كما افتُتحت قاعة (الكون في القرآن الكريم) التي تحتوي على شاشات ضخمة تعرض لقطات متوالية من السماء والأبراج السماوية، وتشرح الصور والمعروضات وبعض الآيات والمعجزات القرآنية في الكون، وربطها بالآفاق العلمية، وتوضيح بعض الظواهر. يضيف: تعد الحديقة الكونية التي تبلغ مساحتها 300 ألف متر مكعب من أهم المستجدات في المركز، التي استُكملت في المرحلة الثانية، كما تُعد أيضاً متنزهاً للزوار، وبها مجسمات عدة تتعلق بالفلك، أما محطة النزول القمرية، أو وحدة الهبوط القمرية، فهي نموذج بالحجم الطبيعي للمحطة التي نزلت على القمر القرن الماضي، ولها نفس التصميم، ووضعت بالحديقة الكونية بجانب باب الزوار. تلسكوب متطور تمتلك القبة الفلكية نماذج متطورة من التليسكوبات تستطيع رصد 30 مليون جرم سماوي في ظروف الرصد المثالية، رغم أن موقعها لا ينطبق عليه تلك الظروف، نظراً لوقوعها داخل النطاق السكني. ويوضح الجروان، قائلاً: الرصد يحتاج هواء نقياً بعيداً عن التلوث، كما يحتاج قمماً جبلية عالية لا تتوفر إلا على قمم جبل جيس، ورغم ذلك فإننا استطعنا رصد بعض المذنبات والبقع الشمسية، إضافة إلى عدد من النوفا والانفجارات النجمية، والمجرات الشمسية. كما نملك تلسكوباً خاصاً بالشمس، وآخر يختص بالأجرام البعيدة، ويعد المرصد الفلكي على مستوى عالٍ من التقنية والتقدم. ويتابع: يوجد نموذج للعربة القمرية، التي تنقل رواد الفضاء على سطح القمر بسهولة ويسر، وكذلك المحطة الفضائية الدولية التي تحتوي على جميع الإمكانات التي تتاح للرواد، ويستخدمونها في سبر أغواره، إلى جانب المختبرات العلمية، بغرض البحث ومسايرة التقدم الحاصل في علوم الفلك والفضاء في العالم، كما يتسع المدرج لنحو 200 شخص، أما المسرح فينطبق عليه أكبر المعايير العلمية والعالمية. جهاز تاريخي وحسب الجروان، فإن: من المستجدات أيضاً في المركز، نقل جهاز القبة السماوية التاريخي، التي تأسست في الشارقة في عام 1980، وبدأت العمل في 1981، وكانت حينها بمثابة أقدم مكان في دول الخليج، يهتم بدراسة علوم الفلك والفضاء، وخدم الآلاف من أبناء الخليج العربي، لتكون شاهداً على سبق الشارقة في علوم الفلك. ويشير إلى وجود تعاون بين المركز والمؤسسات العلمية في الشارقة، لدراسة إمكانية دعم البحث العلمي في مجال علوم الفضاء والفلك، لتكون هناك مشاريع واضحة، يقول: لا شك أن هذه الاستعدادات تدعم المهتمين بعلوم الفضاء وتوجه اهتمام الآخرين إلى ضرورة دراسته. وهناك تنسيق عالي المستوى بين وكالة الإمارات للفضاء وأيضاً مركز الشيخ محمد بن راشد للفضاء، والمؤسسات الأكاديمية المختصة بالعلوم الهندسية والفضاء في الشارقة، ونحن نؤمن بتكامل الأدوار بين المؤسسات الأكاديمية العلمية البحثية في إيجاد مشاريع بناءة وطموحة في مجال الفضاء وعلوم الفلك. ويرى أن الهدف من عرض هذه الأجهزة العلمية، وإتاحتها للجمهور، خصوصاً طلاب المدارس، للتفكر في كيفية عمل هذه الأجهزة والتعامل معها والقدرة على تطويرها وصناعة مثيلها في المستقبل، من خلال رؤية هذه النماذج، مما يندرج تحت مسمى الثقافة العلمية. وعن أهم رسائل المركز للمجتمع يقول الجروان: لدينا رسائل مجتمعية تتمثل في الاتجاه التثقيفي العام بعلوم الفلك من خلال محاضرات علمية في علوم الفلك، بجانب البرامج التخصصية الموجهة لشريحة الشباب لتوجيه الاهتمام بهذا العلم لتطويره. زيارة طلابية طلاب من مدارس الإمارة ينتظمون في صفوف استعداداً لدخول المبنى، واكتشاف ما تحت القبة الفلكية، والتعرف إلى محتوياتها من أجهزة وأدوات ومجسمات وصور، تثير في نفوسهم حب العلوم، ليجدوا ما يدرسونه في المناهج والمواد الدراسية، واقعاً متجسداً أمامهم. ينتقل الطلاب في ردهات المكان منبهرين بما يشاهدون، يستمعون بشغف مغلّف بالحماس، إلى معلميهم ومشرفيهم الذين يرافقونهم في الجولة، ويشرحون لهم الأجهزة ودورها في اكتشاف كل جديد في الفضاء من أجرام سماوية وكواكب ومجرات تبعد عنا آلاف السنين الضوئية، ما يخرجهم إلى عوالم من خيال رحب يرونه مجسداً أمامهم تحت القبة السماوية. يقول إبراهيم عبد الرحمن الجروان، المشرف العام للقبة السماوية بالشارقة: هناك برامج مخصصة من سن الثامنة، ويجري التنسيق مع المدراس لضمان أكبر فئة واختيار البرامج التي تناسب الفئات السنية للاستفادة القصوى منها. أما عن استقطاب كوادر بشرية وعلمية وأكاديمية في علوم الفلك والفضاء لمواكبة التقدم العالمي في هذا الجانب، فيوضح قائلاً: لا شك أن هناك كثيراً من الخطوات تسبق هذه الخطوة، على الرغم من وجود عدد كبير من الخبراء العرب في المركز الذين نستعين بهم حالياً في وضع أسس هذه العلوم المهمة، لمجاراة الدولة أو الدول التي لها باع طويلة في الفضاء، والوصول إلى نتائج وإسهامات سريعة في ذلك الفرع المهم من العلوم الكونية. ويضيف: أعتقد أن الإمكانات التي تتمتع بها الدولة، ستجعل خطواتها قصيرة للوصول إلى الهدف المنشود، في المرحلة المقبلة، ولدينا خطط طموحة تتمثل في الاعتماد على الكادر المواطن والعربي في هذا المجال وإرساء قواعد ثابتة، خصوصاً أن هذا النوع من العلوم يعتمد بشكل كبير على علماء غير عرب وسنعمل في الفترة المقبلة على تأسيس كوادر فيه.

مشاركة :