ما زالت أسواق النفط تعاني حالة من التقلبات السعرية في ضوء تنازع عدد من العوامل الداعمة والمضادة التأثير، حيث يضغط ارتفاع الدولار ومستوى المخزونات الأمريكية على الأسعار وذلك قبل أيام قليلة من تحرك واسع من قبل المنتجين للسيطرة على تخمة المعروض. ومن المقرر أن تبدأ تلك التحركات باجتماع منتجي النفط في أمريكا اللاتينية في 8 نيسان (أبريل) يليه الاجتماع الموسع والمرتقب في الدوحة الذي يضم 15 منتجا في 17 من الشهر الجاري وهي من العوامل الداعمة للسوق، حيث يعتقد كثيرون أن بوسع المنتجين إعادة التوازن السوقي. يأتى هذا فيما تتجدد المخاوف من تخمة المعروض بعد تقرير لوكالة الطاقة الأمريكية بشأن ارتفاع المخزونات، فيما يتطلع المراقبون إلى تحسن مستويات الطلب القادم من الصين واليابان والمراهنة على قدرة المنتجين في السيطرة على فائض المعروض. وقال لـ "الاقتصادية"، الدكتور آمبرجيو فاسولي مدير مركز دراسات الطاقة في مدينة لوزان السويسرية، "إن أسعار النفط إذا استمرت في الانخفاض حتى بدء عقد اجتماعات المنتجين في أمريكا اللاتينية ومن بعدها الاجتماع الموسع في الدوحة فسيكون ذلك أكبر محفز وضاغط على المنتجين للتوافق حول تجميد الإنتاج والالتزام به بشكل صارم". وأضاف فاسولي أن "مراقبة تجميد الإنتاج ستتم من خلال لجنة وزارية رفيعة المستوى من كبار الدول المنتجة، وهو ما يجعل عملية مراقبة الإنتاج تخضع لمتابعة دقيقة للتأكد من التزام كافة المنتجين بها"، مشيرا إلى أن التجميد كفيل بتخفيف حدة ارتفاع المخزونات النفطية التي سجلت مستويات قياسية بسبب ضعف الطلب. وشكك فاسولي في إمكانية انضمام إيران إلى لاتفاقية حتى في مراحل لاحقة على أساس أن طهران لديها تصور مبالغ فيه عن رفع الإنتاج إلى أربعة ملايين برميل يوميا في فترة قصيرة، وهو ما أثبتت تقديرات المؤسسات المالية الدولية المحايدة صعوبة تحقيقه بسبب ضعف الاستثمار والتحديات اللوجستية. ومن جهته، أوضح لـ "الاقتصادية"، بن فان بيردن المدير التنفيذى والعضو المنتدب لشركة "شل" العالمية للطاقة، أن تراجع الأسعار فرض ضرورة التحرك في عديد من الملفات بشكل سريع وبخاصة تبني المنتجين والشركات استراتيجية مزدوجة تجمع بين تنمية مصادر الطاقة المتجددة ورفع مستوى كفاءة الطاقة، مشيرا إلى أن النجاح في هذه الاستراتيجية سيكون كفيلا بتلبية الطلب المتزايد على الطاقة في المستقبل. وقال بيردن "إن تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تشير إلى أن 11 في المائة من الطاقة العالمية تأتي حاليا من مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة المائية، والوقود الحيوي وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية والطاقة الشمسية حيث إنه من المتوقع بحلول 2040، ارتفاع هذه المساهمة على نحو محدود يصل إلى 15 في المائة فقط". وأضاف بيردن أنه "بحسب أكثر التقديرات تفاؤلا فإن هذه النسبة لن تتجاوز 25 في المائة بحلول 2050"، مشيرا إلى أن هذا يعني أن أكثر من 75 في المائة من الطلب على الطاقة لن يستطيع أحد تلبيته إلا المصادر التقليدية للطاقة مثل النفط والغاز الطبيعي". وأشار بيردن إلى أن مستقبل الطاقة التقليدية يحيط به تفاؤل كبير، لكن علينا أن نقلل من توقعاتنا لمستقبل خال تماما من الكربون على أساس أن هناك عقبات تكنولوجية واقتصادية كبيرة تحول دون تحقيق ذلك، مشدداً على أنه يجب الوقوف أمام حقيقة تاريخية وهي أن مصادر الطاقة الجديدة احتاجت إلى نحو 30 عاما لمجرد الاستحواذ على حصة قدرها 1 في المائة فقط من السوق، وأن حجم وتكلفة البنية التحتية للطاقة كبير وباهظ جدا، ولهذا يجب أن ندرك أن الرياح والطاقة الشمسية مجتمعة تشكلان أقل من 1 في المائة من الطاقة الأولية في العالم. وذكر المدير التنفيذى لـ "شل" أن العالم يعيش حاليا مرحلة تحول جديدة في تاريخ إنتاج الطاقة، مشيرا إلى أن هذا التحول يرجع إلى عدة عوامل في مقدمتها الطلب المتزايد على الطاقة النظيفة وظهور الموارد الجديدة إلى جانب العوامل السياسية المتغيرة والتوسع في الابتكار التكنولوجي. واستدرك بيردن قائلاً "إن اثنين من هذه التحديات الكبرى يهيمنان حاليا على السوق وهما الحاجة الملحة إلى تلبية الطلب المتزايد على الطاقة العالمية والحاجة الملحة للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري"، مشددا على أن تلك الاحتياجات ستكون صعبة جدا في تلبيتها في نفس الوقت. ويرى بيردن أن هناك أمورا ملحة يحتاج العالم إلى القيام بها بشكل سريع وتشمل إنتاج النفط والغاز الطبيعي بشكل أقل تلويثا للبيئة، وينبغي للحكومات دعم تطوير الابتكارات مثل عمليات التقاط الكربون وتخزينه إلى جانب تطبيق سياسات تسعير الكربون باعتبارها تمثل حلا عمليا مرنا لمعالجة مشكلة ارتفاع الانبعاثات وتسهم في الوصول إلى حالة التنوع في المعروض العالمي. وبحسب بيردن فإن "شل" تستلهم برنامج عملها من خطاب شهير للرئيس الأمريكي باراك أوباما، تحدث فيه عن ضرورة تأمين مستقبل الأجيال الجديدة من خلال توفير عالم أكثر استقرارا وأمانا مع مصادر جديدة من الطاقة، وهو ما أصبح أحد أهداف وبرامج العمل الرئيسية لشركات الطاقة الكبرى حول العالم، "ونحن ندرك بالفعل حجم التحديات ونعرف مسبقا أن المهمة ليست سهلة"، مضيفاً أن "شل" تركز على الحلول المبتكر على المدى الطويل وفق منظومة عمل واقعية ومتطورة تمكن من بناء مستقبل أفضل وغني بكافة موارد الطاقة التي يحتاج إليها العالم. إلى ذلك، قال لـ "الاقتصادية"، ماركوس كروج كبير المختصين في "إيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، "إن استمرار انخفاض أسعار النفط يمثل أعباء متزايدة على ميزانيات المنتجين سواء الأقوى اقتصاديا أو الأقل نموا"، مشيرا إلى أن المرحلة الراهنة تتطلب تنويع الموارد لضمان التنمية الاقتصادية المستدامة. وأضاف كروج أن "بعض الاقتصاديات رغم قوتها وتمتعها بفوائض واحتياطات ضخمة إلا أن استمرار ضعف الأسعار دفعها إلى تخفيض الإنفاق العام والسعي حثيثا وبخطى متسارعة إلى إيجاد البدائل الاقتصادية والتركيز بصفة خاصة على تطوير القطاع غير النفطي والاعتماد على موازنات مرنة تتلاءم مع ظروف السوق الراهنة". على صعيد الأسعار، تعافت العقود الآجلة للنفط من الخسائر التي منيت بها في المعاملات المبكرة أمس، لكن المكاسب كانت محدودة في الوقت الذي عاد فيه التركيز من جديد على مؤشرات نمو المخزونات النفطية. وانتعش خام القياس العالمي مزيج برنت في منتصف التعاملات ليتجه نحو تسجيل أقوى أداء في آذار (مارس) منذ 2007 على الأقل، وكان الخام الأمريكي قد هبط في وقت سابق إلى أدنى مستوى له في أكثر من أسبوعين لكنه يظل متجها نحو تحقيق أكبر مكاسبه في الشهر المنصرم منذ 14 عاما. وبحسب "رويترز"، فقد جرى تداول العقود الآجلة لخام برنت بزيادة 45 سنتا عند 39.71 دولار للبرميل، واستقرت عقود شهر أقرب استحقاق للخام الأمريكي عند 38.32 دولار للبرميل بعد أن هبطت لأدنى مستوى لها منذ 16 آذار (مارس) البالغ 37.57 دولار للبرميل. وتضع زيادة المخزونات العالمية استدامة المكاسب محل شكوك، حيث أظهرت البيانات أن مخزونات الخام الأمريكية سجلت مستوى قياسيا من جديد الأسبوع الماضي رغم تزايد معدل التشغيل الموسمي لمصافي التكرير إلى أعلى مستوى في 11 عاما. وفي سابع زيادة أسبوعية على التوالي، ارتفعت مخزونات الخام الأمريكية بواقع 2.3 مليون برميل إلى 534.8 مليون برميل في الأسبوع المنتهى في 25 آذار (مارس) مسجلة مستويات قياسية، وبالنسبة إلى إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة أشارت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أن إنتاج النفط انخفض للأسبوع الثالث على التوالي إلى إجمالي 9.02 مليون برميل يوميا. ويعكس استمرار توسيع المخزونات لمستويات قياسية جديدة وتباطؤ إنتاج النفط الصخري، ضعف معدلات الطلب والاستهلاك في الولايات المتحدة أكبر مستهلك للنفط في العالم، وعلى الرغم من انخفاض أسعار النفط خلال الأسبوع الحالي، إلا أنها لا تزال مرتفعة بأكثر من 12 في المائة على مدار تعاملات الشهر الماضى، مسجلة أكبر مكسب شهري منذ نيسان (أبريل) 2015، بدعم من آمال نجاح كبار المنتجين في الاتفاق على تجميد الإنتاج عندما يجتمعون منتصف الشهر الجاري في الدوحة.
مشاركة :