أكثر أُمّة بيّن القرآن معالم شخصيتها، وكشف كوامن نفسيتها، وحدّد ملامح هويتها، وحذّرنا منها هي «الأُمّة اليهودية». * وقد حكم الله عزّ وجلّ من فوق سبع سماوات أنها أشد الناس عداوة لأهل الإيمان. * كما أنه سبحانه وتعالى أخبرنا أنّ اليهود سيقاتلوننا، ولكنهم لا يقاتلون إلاّ في قرى محصنة أو من راء جُدر. * ونظراً للخوف المسيطر على النفسية اليهودية والذي لا ينفك عنها حتى ولو انتصرت، فإنّ القارئ في كتب التاريخ يلحظ أنّ لليهود مع الجدران تاريخاً طويلاً بدأ منذ الخروج زمن موسى عليه السلام مروراً بالسبي البابلي وصولاً لعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحتى خط بارليف الذي أقامته إسرائيل بعد حرب 1967، والجدار العازل الذي شرعت في إقامته سنة 2003 بعد أن سيطرت على أغلب الأراضي الفلسطينية، وامتلكت من السلاح والعتاد ما لا يعلمه إلاّ الله. * ومع أنّ أكثر المفسرين والمفكرين ركز فيما قال على الجدار المادي المعروف، باعتبار أنه جزء من كل، «خاص بعد عام» إذ إنّ القرى المحصنة جزماً محاطة بجدران، إلاّ أنّ فصل الله عزّ وجلّ بين القرى المحصنة والجُدُر بحرف العطف (أو)، وليس «الواو» التي بها يعطف الخاص على العام، دلّ على أنّ العطف هنا يفيد التنوع والاختلاف.. * وهذا يعني أنّ اليهود حين يقاتلوننا حالتان: الأولى: أن يتحصنوا منا داخل قُراهم التي بالغوا في تحصينها، وهي جزماً ذات جدر تحيط بها. الثانية: أن يخرجوا للمنازلة خارج قراهم المحصنة، ولما كانوا أجبن الخلق، فقد كانت فكرة الجدار هي الأنسب لهم لكي يتمكنوا من التحرك خارج حصونهم. * والمشاهد اليوم أنّ الجندي الإسرائيلي إذا كان لوحده وجهاً لوجه أمام طفل صغير مسلم دون جدر وخارج قريته المحصنة، فإنّ الخوف يملأ عليه جوانحه ويهلكه، وكم هي المشاهد التي تبرهن على ذلك وتدلل عليه، شاهدها بنو الإنسان قاطبة عبر قنوات الإعلام المختلفة. (واختيرت لفظة «جُدُر» جمع «جدار» دون «جدران»، لتدل على أقصى الكثرة، مع أنّ «جدران» هي الأكثر في الاستخدام، إلاّ أنها على صيغة «فعلان» التي تدل على القلة النسبية دائماً، في حين كان السياق يصور شدة خوف اليهود وحرصهم على الحياة، فما كانت «جدران» لتناسب سياق الخوف والجبن، لذلك عُدل إلى «جُدر» على وزن «فُعل» التي تدل على أكثر العدد، لتصوير خوفهم وشدته، وكأنهم لهذا الخوف على حياتهم لا يقاتلونكم حتى يضعوا أكبر عددٍ ممكنٍ من الجدران ليقاتلوكم من خلفها، وهذا مصداق قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ..} والتنكير في حياة يدل على أي أية حياة مهما كانت تافهة). ومن الجدر التي لم يتحدث عنها في كتب التفسير ولا حتى المفكرين المعاصرين حسب علمي، والتي لها أهمية كبيرة في حرب الصهاينة مع العرب على أرض فلسطين اليوم «الجدر المعنوية». * لقد كانت بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى هي الجدار الذي اتكأ عليه اليهود. * واليوم تعتمد إسرائيل بشكل كبير على الولايات المتحدة الأمريكية، وأذرعتها الأممية المعروفة، ومعها وتساندها دول أوروبية، وأحزاب سياسية، ومليشيات عسكرية، وجماعات أيديولوجية، وإن أظهرت خلاف ذلك، وكل حرب تدخلها لا يمكن أن تخوضها بلا جدار معنوي يسندها ويبارك خطواتها التوسعية. * وكما يُستخدم الإسمنت والبلوك والتراب والحديد والأسلاك الشائكة في بناء الجدر المادية، استخدم الصهاينة مواد عديدة لبناء جدرهم المعنوية عبر التاريخ، فالمال والإعلام والمرأة وأجهزة الاستخبارات والجماعات السرية والمؤتمرات المشبوهة والأحزاب والجماعات والانتخابات والبرلمانات وصناديق الاقتراع والمنظمات الدولية والطابور الخامس و... هي أبرز هذه المواد. هذا ما قاله الله عزّ وجلّ عن هؤلاء القوم، فماذا عسانا فاعلون، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.
مشاركة :