الحساسية والإبداع - خالد بن عبدالرحمن الذييب

  • 1/25/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كان في مرحلة المراهقة من عمره حين أصابت صديقه ذي التاسعة عشر ربيعاً صاعقة أدت إلى وفاته بين يديه، وفي مكان آخر وفي زمن آخر زُوجت عشيقته لغيره، وتوفيت بعمر صغير، فأصبحت هاجساً تلاحقه ويلاحقها. الأول كان الألماني مارتن لوثر والذي بدأ يفكر بالحياة والهدف منها وقاده التفكير إلى الدين وحقيقة المذهب الكاثوليكي إلى أن ظهر للإنسانية بمذهب جديد، هو المذهب البروتستاني بسبب وفاة صديقه. أما الثاني فكان دانتي وبسبب ما حدث لعشيقته «بياتريس» أنتج رائعته «الكوميديا الإلهية». النفس الحساسة المرهفة، والتي تعيش ألمها وتحس بآلام الآخرين ومعاناتهم من أهم مصادر الإبداع. فمع كونها تشكّل جانباً سلبياً في تأثيرها على الإنسان من الداخل إلا أنه إذا تعامل معها بشكل إيجابي، وتركها تنمو في الفضاء الخارجي، فإنها ستولد إبداعاً وإنجازاً منقطع النظير. فالكتّاب والفلاسفة والروائيون، وأصحاب المنجزات الكبرى لديهم حساسية عالية للأحداث من حولهم، فالحدث الذي يمر على غيرهم مرور الكرام، تجده يسكن داخلهم ويعذّب أنفسهم ويصبح وكأنه قضية شخصية لديهم لا بد من إيجاد حل لها، وهي لا ترتبط بالانطوائية فقط، فجيفارا أحد أهم أصحاب الأحاسيس المرهفة، ومع ذلك كان ذا روحٍ نارية، والذي أدت حساسيته بعد رحلته الشهيرة بالدراجة النارية، والمشاهدات التي شاهدها في رحلته أرجاء أمريكا الجنوبية مع صديقه «جرانادو» إلى تركه الطب واتخاذ قرار توحيد أمريكا الجنوبية، وأحاسيس أدم براون الشاب الأمريكي ابن العائلة المتوسطة، والذي وردت قصته في كتاب «هارون أخي»، والذي أدت مشاعره الفياضة، وأحاسيسه الجياشة إلى اتخاذ قرارات أدت إلى بناء مدارس في مختلف دول العالم الفقير في عمر ست وعشرين سنة فقط، حيث ذهب مع أحد أصدقائه لمشاهدة فيلم عبارة عن صور جامدة من أربع وعشرين دولة، فأتت لقطة من الهند لفقراء يسبحون في مياه متسخة ويشربون منها، فاهتز وقال: هل يعقل أن أبقى في أمريكا باحثاً عن المال متنقلاً بين الحفلات وهؤلاء يعيشون بهذه الطريقة؟ وأدى ذلك بإن يتخذ قراراً بالذهاب إلى جنوب شرق قارة آسيا، وسأل عن طلبات الأطفال فطلب أحدهم قلماً، حيث لا يوجد مدرسة، فعاد ليهدي له مدرسة لا قلماً بالتعاون مع وزير التعليم هناك، ونشر قصته على الفيس بوك، فانهالت عليه التبرعات. ميزة أصحاب الأحاسيس المرهفة أن حياتهم مليئة بالحركة والمشاعر واتخاذ القرارات، فكل حدث يستفز مشاعرهم، وهذه المشاعر توّلد أفكاراً، وهذه الأفكار تتشكل على شكل قرارات يتخذها دون تخطيط مسبق، فالتخطيط أحياناً يضيع الوقت، قد يستغرق تفكيرهم بالأمر سنوات، ولكن عندما يقررون، ينفذون. أخيراً ... من يحس بآلام الآخرين دون فعل ... زادت آلامه بلا هدف... ما بعد أخيراً... هناك نوع من الأحداث.. تولّد أفكاراً وتفجر قرارات..

مشاركة :