قررت السعودية أن تستعد لعصر ما بعد النفط بإنشاء أكبر صندوق سيادي في العالم. ووضع ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - في حوار استغرق أكثر من خمس ساعات مع وكالة بلومبيرغ- رؤيته لصندوق الاستثمار العام الذي سيتحكم في نهاية المطاف بأكثر من تريليوني دولار، ليساعد في إبقاء المملكة بعيدا عن هيمنة النفط على اقتصادها. وقال الأمير محمد بن سلمان إن جزءا من تلك الإستراتيجية سيتمثل في بيع السعودية أسهما في شركة أرامكو، وتحويل الشركة النفطية العملاقة إلى كيان صناعي ضخم. وقد يتاح الاكتتاب الأولي العام القادم. وتخطط المملكة لبيع أقل 5 % من أسهم الشركة. وقال الأمير محمد بن سلمان في مقابلة بالديوان الملكي في الرياض انتهت في الرابعة فجر الخميس: «إن الاكتتاب في أرامكو وتحويل أسهمها إلى صندوق الاستثمار العام سيجعل الاستثمارات، من ناحية فنية، مصدر عائدات الحكومة السعودية، وليس النفط». وزاد: «ما بقي الآن هو تنويع الاستثمارات. ولذلك في غضون 20 عاما سنكون اقتصادا أو دولة لا تعتمد بشكل رئيسي على النفط». وهكذا، فبعد قرابة ثمانية عقود منذ اكتشاف النفط في السعودية، يريد ولي ولي العهد السعودي تحويل أكبر مصدر للنفط في العالم إلى اقتصاد يلائم الفترة القادمة. وذكر الأمير محمد بن سلمان أن بيع أسهم شركة أرامكو السعودية مخطط له أن يتم العام 2018، أو حتى قبل ذلك بعام. وسيقوم الصندوق السيادي بدور كبير في الاقتصاد، بالاستثمار في الداخل والخارج. وسيكون صندوقا سياديا ضخما سيكون بمستطاعه شراء شركات أبل، وألفابت (مالكة غوغل)، وميكروسوفت، وبيركشاير هاثاواي، التي تعتبر أكبر أربع شركات تباع أسهمها في أسواق الأوراق المالية. وقال الأمين العام لمجلس إدارة الصندوق ياسر الرميان إن الصندوق يخطط لزيادة الاستثمارات الأجنبية بنسبة 50 % بحلول العام 2020. وجاءت خطة التغيير الهيكلي إثر سلسلة من الإجراءات العام الماضي لكبح الإنفاق، والحيلولة دون تخطي عجز الميزانية نسبة 15 % من الناتج المحلي الإجمالي. وعمدت السلطات في نهاية ديسمبر الماضي إلى زيادة أسعار الوقود، والكهرباء، وتعهدت وضع حد للهدر في إنفاق الميزانية، إثر هبوط أسعار النفط. وستأتي خطوات إضافية لتتلو هذه «المعالجات السريعة»، في نطاق «خطة التحول الوطني» التي ستعلن في غضون شهر، وتشمل إجراءات لزيادة العائدات غير النفطية بشكل منتظم من خلال إجراءات مختلفة، تشمل فرض رسوم، وضريبة للقيمة المضافة. وزاد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز: «نحن نعمل على زيادة كفاءة الإنفاق». وأضاف أن الحكومة كانت تنفق أكثر من مخصصات الميزانية بنحو 40%، وتم خفض تلك النسبة إلى 12 % في عام 2015، «ولذلك لا أعتقد بأننا ستواجهنا مشكلة حقيقية حين يتعلق الأمر بانخفاض أسعار النفط». ويشرف مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه ولي ولي العهد السعودي، الذي يتولى حقيبة الدفاع أيضا، على عدد من الوزارات المهمة، ومنها الاقتصاد، والبترول، والمالية. وأوضح الأمير محمد بن سلمان أن صندوق الثروة السيادي يملك أصلا حصصا في شركات، منها الشركة السعودية للصناعات الأساسية التي تعد ثاني أكبر شركة لتصنيع البتروكيماويات في العالم، وكذلك البنك الأهلي التجاري الذي يعد أكبر مانح للقروض في المملكة. وأضاف أن الصندوق يتطلع إلى فرصتين خارج السعودية في حقل الصناعة المالية، لكنه أحجم عن تسمية الكيانين المستهدفين بالتملك. وزاد: «أعتقد أننا سنتوصل إلى إحدى الصفقتين على الأقل». وكان الصندوق السيادي السعودي بدأ أصلا زيادة نشاطه في الخارج؛ إذ تملك في يوليو الماضي حصة تبلغ 38 % في شركة بوسكو للهندسة والإنشاءات الكورية، في مقابل 1.1 مليار دولار. وخلال الشهر نفسه، وافق على شراكة بـ10 مليارات دولار مع الصندوق الروسي للاستثمار المباشر، للاستثمار في روسيا. وأوضح الرميان أن الصندوق يستعين بخبراء في الأسواق، وصناديق الاستثمار الدولية، وإدارة المخاطر. وأضاف: إننا نعمل الآن على جبهات مختلفة، إن الحكومة تقوم حاليا بتحويل بعض موجوداتها وأراضيها وشركاتها إلينا. لدينا مشاريع مختلفة في السياحة وصناعات جديدة لم يسبق للسعودية عهد بها. ووصف خطة الاستثمارات الخارجية بأنها «شرسة جدا»، وإن كان قال إن صندوق الاستثمارات العامة سيتجه مبدئيا للعناية بالموجودات المحلية من خلال إضافة أرامكو. وبين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز: «سيكون بلا شك الصندوق الأكبر في العالم. وسيحدث ذلك فور بيع أسهم أرامكو». وفي شأن النفط، قال الأمير محمد بن سلمان إن السعودية لن تجمد إنتاج النفط عند مستويات يناير إلا إذا انضمت إيران والمنتجون الكبار الآخرون لاتفاق بهذا الشأن، حاضا إيران على القيام بدور فاعل في استقرار أسواق النفط الخام. وزاد ولي ولي العهد السعودي: «إذا اتفقت كل البلدان على تجميد الإنتاج، فنحن مستعدون. وإذا قرر أي منها أن يزيد إنتاجه، فإننا لن نرفض أي فرصة تطرق بابنا». وسئل الأمير محمد بن سلمان إن كان يتعين على إيران أن تشارك في أي اتفاق لتجميد الإنتاج، فأجاب: بلا شك. وزاد: «إذا قررت جميع الدول، بما فيها إيران، وروسيا، وفنزويلا، ودول أوبك، وكل المنتجين الرئيسيين تجميد الإنتاج، فسنكون ضمنهم». ولفت ولي ولي العهد السعودي إلى أن السعودية جاهزة لتجاوز الأزمة النفطية من خلال إصلاح اقتصادها. وقال: «لا أعتقد بأن هبوط أسعار النفط يشكل تهديدا بالنسبة إلينا». وزاد أن أي ارتفاع في الأسعار، في حين ستكون له فوائد لميزانية المملكة، لكنه يمثل تهديدا لـ «عمر النفط». وأشار الأمير محمد بن سلمان إلى أن أسعار النفط سترتفع خلال العامين القادمين، في ظل استمرار تزايد الطلب. لكنه أوضح بجلاء أن الرياض ليست لديها حماسة تذكر لعودة إدارة أوبك للإنتاج التي ظلت تحكم صناعة النفط لمدة 30 عاماً. وأشار ولي ولي العهد السعودي: «بالنسبة إلينا السوق الحرة هي التي يتحكم بها العرض والطلب، وتلك هي الطريقة التي نتعامل بها مع السوق». وفي ما يتعلق ببيع أسهم أرامكو، يعمل الأمير محمد بن سلمان ومستشاروه على خطة لطرح أسهم في الشركة، بدلا من شركات التكرير التابعة لها. وستدرج أرامكو في سوق المال السعودية في عام 2017، بما لا يتجاوز 2018 بحسب إيضاحات ولي ولي العهد الذي قال: «الشركة الأم ستطرح للجمهور وكذلك عدد من الشركات التابعة لها». وسيسمح الأمير محمد بن سلمان بذلك للمستثمرين بفرصة تملك حصة في أكبر حقول نفطية في العالم، ويتيح أكبر قدر من الشفافية غير المسبوقة حيال الأرصدة التي يقوم عليها اقتصاد المملكة. وتتحكم أرامكو بأكثر من 10 أضعاف الاحتياطات النفطية التي تديرها «إكسون موبيل». وإذا تم احتساب برميل النفط - افتراضاً - بـ 10 دولارات، فإن قيمة أرامكو ستفوق 2.5 تريليون دولار. ويعتزم الأمير محمد بن سلمان أن تكون أرامكو أكبر شركة لتكرير النفط في العالم، لتتخطى بذلك إكسون، وذلك بزيادة طاقتها التكريرية في آسيا، وبالتوسع بقدر أكبر في إنتاج البتروكيماويات. وأضاف الأمير محمد بن سلمان: «سنعلن أيضا إستراتيجية أرامكو الجديدة، وسنحولها من شركة للنفط والغاز إلى شركة للطاقة والصناعة». وزاد أن الخطة تنطوي أيضا على طرح حصة صغيرة من أسهمها في مؤشر «تداول»، وهو أكبر مؤشر بورصة في العالم العربي. وأضاف: «نحن نتحدث عن أقل من 5 %». وستكون بقية أرامكو مملوكة للدولة، لكن الذي سيتحكم بها هو صندوق ثروة سيادي، سيصبح أغنى صندوق في العالم نتيجة بيع أسهم أرامكو.
مشاركة :