هذه الأسئلة التي تحمل عنوان "القارئ.. على الناصية الأخرى" قد تحمل طابع الخفة، لكن إجاباتها تمنح لذة استكشاف تفاصيل ذاكرة قارئ الروايات والتي تضيء نافذة للقارئ الآخر لكي يستدل على الروائيين والروائيات الذي كان لهم تأثير في تاريخ الرواية. وكذلك يتعرف على مفضلات القراء من روايات وعبارات وشخصيات روائية. وضيف الزاوية لهذا الأسبوع هو القارئ أحمد بادغيش والذي يقدم مباهج ذاكرته في رحلته القرائية مع الروايات. *من هم الروائيون العظماء الذين كان لهم، في اعتقادك، تأثير ملموس في تاريخ الرواية؟ - أعتقد بأن التأثير على التاريخ يعتمد على نقطتين رئيسيتين؛ قارئ جيد وكاتب جيد، وفي ظل هذه المعادلة أعتقد بأن الأبرز تأثيرًا على عالم الرواية الحديثة كانوا؛ كافكا، دوستويفسكي، بلزاك، غوته، هوغو، بروست. ويمكن أن يكون شكسبير أيضًا، وإن كان مسرحيًا، إلا أن له أثراً واضحاً على الرواية والأدب بشكل عام. وأعتقد أيضًا بأن عددًا من الروائيين المعاصرين سيكون لهم أثر واضح على الرواية مستقبلًا، ماركيز مثلًا، وكونديرا، وساراماغو كما أتمنى. * ما الرواية التي غيّرت مفاهيمك ورؤيتك للحياة؟ - أعتقد بأنها رواية "العمى" للبرتغالي خوزيه ساراماغو، لأنها برأيي طرحت المجتمع المدني المعاصر في سياق يبين مدى هشاشته. أقصد بأنني أعتقد أن المجتمع الحديث هو واجهة صورية نبيلة، إلا أن تلك الواجهة تخفي الكثير من البشاعة، التي يمكن أن تتضح إذا ما أتحنا لها أقل فرصة. في نفس الوقت، طرحت بأن الإنسان اجتماعي بالضرورة، وبأن الشرور يمكن أن تؤجج بأبسط الطرق، بينما يستدعي تأجيج الخير إلى عمل مضاعف أكثر بكثير. أو كما يقول ساراماغو في مفكرته بأن "تعبئة الناس للحرب، أسهل بكثير من التعبئة للسلام". * ما المشهد الروائي الذي قرأته وتمنيت لو أنكِ من كتب هذا المشهد؟ - ستطول القائمة بالتأكيد، لكن رواية "الغريب" لألبير كامو هي الأبرز بينهم، خاصة في المشهد الذي تقف فيه الشخصية الرئيسية على النعش الذي يحمل جسد والدته، والمشهد الآخر في استسلامه للأحكام القضائية، وندمه لما زارته الفتاة التي عشقها. وأخيرًا الحوار مع القسيس الذي كان يحادثه قبل تنفيذ الحكم القضائي. * ما الرواية التي قرأتها أكثر من مرة؟ - "الغريب" لألبير كامو. وأظنني سأقرؤها مستقبلًا أكثر. * من الشخصية الروائية التي ما زالت تستحوذ على تفكيرك؟ - "زوربا اليوناني"، لأنها وعلى قدر عظمتها إلا أنني مازلت أفكر إذا ما كانت شخصية يمكن أن تكون واقعية بيوم، أو إذا ما كانت شخصية متزنة أو أنها مجرد حشو لمضادات طباع شخصية عادية معاصرة. راسكولنكوف من "الجريمة والعقاب" أيضًا، أظن بأن قدرة دوستويفيسكي على تحليل الشخصية ولعِظم بناؤه للشخصية، بالإضافة إلى طول ملازمتي لها بعدد الصفحات الكبير للرواية، كل هذا وأكثر جعلها أحد الشخصيات التي لا يمكن تجاهلها. * ما العبارة التي دونتها من رواية لأنها أثرت فيك أو شعرت أنها يمكن أن تمثل لك فلسفة في الحياة؟ - من رواية قصة حصار لشبونة لساراماغو، عبارة عن حوار بين الشخصية الرئيسية ومعشوقته: "أنت متشائم. لم أصل لهذا الحد، أنا فقط متشكك راديكالي. المتشكك لا يحب. على العكس، قد يكون الحب هو الشيء الوحيد الذي يؤمن به المتشكك. ممكن. من الأفضل القول أنه يحتاج إليه." * من الروائي الذي استحوذ عليك بأعماله في بداياتك، ثم شعرت لاحقاً بأنه لم يعد يستهويك؟ - الأدب العربي القديم، المنفلوطي وإبراهيم المازني مثلًا. وأظن بأن سبب تجاوزي لها هو أنها صُنعت بعقلية أن العرب يفضلون قراءة أوصاف الحديقة، على مشاهدة صورة أو معايشة الحديقة. وأظن بأن ذلك أفقدها قيمتها السردية أو الروائية بالمعايير الحديثة. وبالطبع لا يعني ذلك بأنها كانت خطوة ضرورية في مسيرة الرواية عند العرب. * من الشخصية الروائية التي تشعر أنها يمكن أن تمثل رمزاً حياتياً؟ - ميرسولت في "الغريب" لألبير كامو، رمز العدمية. وجان فالجان من "البؤساء"، رمز الخير. دارتنيان من "الفرسان الثلاثة"، رمز النبل. * ما الرواية التي ترغب في أن تشاهديها سينمائياً؟ - أظنني سأتمنى عملًا لساراماغو، بعد رواية "العمى" التي تحولت إلى فيلم في حياته. وسأتمنى أن تكون رواية "قصة حصار لشبونة"، أو "انقطاعات الموت". * ما أجمل نموذج للحب قرأته في رواية ما؟ - قصة الحب في "قصة حصار لشبونة"، لأن شخصية الرجل وحياته كانت، لو نطقت، ستقول: "أمانع الحياة، لكنني لن أشارك في عملية الطموح والرغبة والأهداف"، وكل ذلك تحوّل بعد علاقة الحب التي صارت مراده. نفس الحالة في رواية "الغريب" ولكن بشكل مصغّر، حيث أن الشخصية الرئيسية لم تتمسك بالحياة إلا بعدما أحبت شخصية أخرى. * من الروائي الذي تمنيت أو تتمنى أن يجمعك به لقاء؟ - أعتقد بأن "ألبير كامو" و"خوزيه ساراماغو" هما الأبرز.. "أمبيرتو إيكو" طبعًا، حتى أنني تماديت لأتمنى بأن أكتب نصًا ينال إعجابه، لكنه توفي قبل أيام.
مشاركة :