هذا عنوان تقرير مجلة فورين بولسي الذي ضم العديد من مقالات الخبراء حول على ما يبدو أن الجنوب العالمي كان على رأس اهتمامات صنّاع السياسات والدبلوماسيين هذا العام، رغم التحفظ على مصطلح «الجنوب العالمي» من ناحية الدقة الجيوسياسية والاقتصادية، إلا أنه فرض نفسه على الواقع من قاعات الأمم المتحدة إلى منابر الزعماء، فمثلاً أطلق رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على بلاده لقب «صوت الجنوب العالمي»، عندما استضافت بلده قمة افتراضية بهذا الاسم لبدء العام الذي رفع آفاق عشرات الدول في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. وفي فيتنام في سبتمبر، استبدل الرئيس الأميركي جو بايدن عبارة «العالم الثالث» التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة بـ«الجنوب العالمي» أثناء حديثه. نبدأ بآخر مقال وهو للكاتب الهندي سي. رجا موهان، مثيرًا سؤالًا محددًا: هل أصلًا يوجد شيء اسمه جنوب عالمي؟ ويشير إلى العديد من العيوب التحليلية في هذا المفهوم، وأن بلدان الجنوب العالمي لديها مصالح اقتصادية ومسارات تنموية متباينة، وأن المجموعة نفسها لديها حدود شديدة المرونة، وبالتالي هل تستحق «النزعة الجنوبية العالمية» الاهتمام كإطار تفسيري؟ موهان لا يعتقد ذلك، لكنه يعترف أنه قد يكون ظهر ليبقى. بعد مرور أكثر من عام على الحرب الروسية الأوكرانية، يتساءل الرئيس والمدير التنفيذي لمجموعة الأزمات الدولية كومفورت إيرو: لماذا قدمت العديد من البلدان في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية دعمًا محدودًا لكييف؟ من المغري أن نقول إن الغرب يخسر الجنوب العالمي. لكن هذا أمر تبسيطي للغاية، كما يقول إيرو: «ليس من المستغرب أن يشعر العديد من المسؤولين من دول الجنوب العالمي أن الغرب يطالب بولائهم لأوكرانيا، بعد أن لم يظهر لهم الكثير من التضامن في ساعات حاجتهم الخاصة.. يسعى جميع المسؤولين الذين تحدثت معهم تقريبًا إلى تحديد سياساتهم الوطنية وفقًا لشروطهم الخاصة - بما يعكس مصالحهم السيادية - بدلًا من تأطيرها كجزء من مسابقة بين الغرب وروسيا». رئيس مجموعة أوراسيا كليف كوبشان كتب أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي طلب دعم البرازيل والهند وإندونيسيا والمملكة العربية السعودية وجنوب إفريقيا وتركيا إلى جانب قادة آخرين في الجنوب العالمي «تتمتع اليوم بسلطة أكبر من أي وقت مضى».. وقد قامت هذه الدول الست بالفعل بتشكيل منظورها حول حرب روسيا في أوكرانيا، وتحديدًا من خلال رفض الانصياع للخطط الغربية لتقديم المساعدات العسكرية لكييف والعقوبات ضد موسكو. وخلال استضافة الهند القمة السنوية لزعماء مجموعة العشرين في سبتمبر، ذكر رئيس مؤسسة فورد دارين ووكر أن المجموعة أصبحت الآن «على استعداد للدخول في عصر غير مسبوق من النفوذ، بل وأيضًا العدالة الاقتصادية، لجنوب العالم».. وكتب أن الهند استخدمت رئاستها لمجموعة العشرين لمدة عام لتسليط الضوء على القضايا التي تؤثر بشكل غير متناسب على بلدان الجنوب العالمي، وخاصة الديون السيادية، ولإسماع أصوات هذه الأغلبية العالمية. ويقول ووكر: «مع رئاستهما المقبلة لمجموعة العشرين، فإن البرازيل وجنوب إفريقيا لديهما الفرصة للبناء على الزخم الذي خلقه أسلافهما». أما الحرب على غزة فقد كشفت عن تحدٍّ جديد للغرب من بلدان الجنوب العالمي: «اتهامات بالنفاق» كما طرح أوليفر ستينكل، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ساو باولو، يقول «لقد رأى الكثيرون في العالم النامي منذ فترة طويلة المعايير المزدوجة في الغرب الذي يدين الاحتلال غير القانوني في أوكرانيا بينما يقف أيضًا بقوة خلف إسرائيل، التي احتلت الضفة الغربية وقطاع غزة منذ عام 1967». ويرى ستونكل أن هذا التناقض الملحوظ يمكن أن يلحق الضرر بالمطالبات الغربية بما يسمى النظام العالمي القائم على القواعد، خاصة مع ارتفاع عدد الضحايا المدنيين وتزايد الدعوات إلى وقف إطلاق النار. ويقول: «كلما طال أمد الحرب بين إسرائيل وحماس، كلما زاد الخطر على مصداقية الغرب في الجنوب العالمي». إن العديد من البلدان النامية لديها ببساطة أولويات أخرى، حسبما يطرح هوارد فرينش من مجلة فورين بوليسي الذي كتب: «على نحو متزايد، يقول الفقراء للأغنياء إن أولوياتكم لن تعني الكثير بالنسبة لنا ما لم تعنِ أولوياتنا الكثير بالنسبة لكم». ويذكر التقرير أنه في نظر بعض المعلقين، تذكرنا السياسة الجديدة في الجنوب العالمي بفترة ذروة حركة عدم الانحياز، التي انعقدت لأول مرة في إندونيسيا عام 1955. وقد تبدو المقارنة مناسبة بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بحرب روسيا في أوكرانيا. منذ فبراير 2022، تجنبت العديد من دول الجنوب انتقاد موسكو، بما في ذلك الامتناع عن التصويت أو التصويت ضد قرارات الأمم المتحدة لإدانة روسيا، مع الاستمرار في استيراد النفط والغاز الروسي على الرغم من العقوبات الغربية. ويختم التقرير بأنه مع استحواذ الجنوب العالمي الآن على اهتمام العالم، أصبحت سيولة هذا المصطلح وعدم دقته - بعد أن تم نقله ذات يوم إلى الأوساط الأكاديمية - أكثر وضوحًا. وحتى عندما يشكك المحللون في هذا المفهوم ذاته، فإن الأمر المؤكد هو أن الجنوب العالمي سيظل شخصية مركزية في الدبلوماسية واجتماعات القمة في عام 2024.
مشاركة :