الرباط - يتناول فيلم "الدروج" للمخرج العماني حميد بن سعيد العامري قضية اجتماعية حول امرأة أرملة شابة لديها طفل معاق، لا يتقبل المجتمع وجودها بسبب وضعها كأم أرملة لطفل عاجز، حيث يتعين عليها اتخاذ قرار صعب بين مستقبلها ورعاية ابنها، وفي ضوء هذه التحديات تقرر اتخاذ قرار يجعلها تتحمل مسؤولة حياتها. ويتعلق مصطلح "الدروج" بكائن رخوي يعيش بين البحر والبر، حيث يكون ضعيفًا ولا يملك سوى الصدفة التي تحميه من الآخرين، و يُرمز به إلى المرأة في المجتمع، التي لا تمتلك وسائل تحميها من الضغوط الاجتماعية سوى أطفالها. فيما يلي حوار مع المخرج العماني حميد بن سعيد العامري عضو لجنة التحكيم الدورة السادسة لمهرجان مزدة الدولي للافلام القصيرة: كيف جاءت فكرة "الدروج" ككائن رخوي يحمل رمزاً للمرأة في المجتمع؟ يعتبر هذا العمل في الأساس أحد السيناريوهات التي كتبتها منذ فترة لمناقشة قضية موجودة في المجتمع، وهي النظرة السلبية والمحبطة تجاه المرأة في أشكال مختلفة، بما في ذلك الشخصية التي قُدمت في الفيلم، والتي تعكس حالة من الضعف والاستسلام في جميع مراحل حياتها، حيث لا تمتلك القدرة على اتخاذ القرارات بسبب نظرة المجتمع السلبية نحوها، تزوجت هذه السيدة من أحد الأقارب بدون موافقتها، وعاشت في بيت لا يتسم بالحب، وقبلت هذا الواقع، وبعد وفاة زوجها تركها مع طفلها المعاق، إذ أصبحت تشعر باليأس من القدرة على اتخاذ قرار صائب، وهي تبحث عن حماية لها وتعتمد فقط على طفلها. أما تشبيهها ب"الدروج"، ككائن رخوي ضعيف وتائه بين البحر والبر، يعرضها لأن تكون فريسة لكثير من الكائنات داخل الماء وخارجه، ليس لديها سوى صدفة يمكنها الاحتماء بها. ما الرسالة التي ترغب في نقلها من خلال تصوير هذا الكائن الضعيف الذي يعتمد على الصدفة للحماية مثلا؟ الرسالة هي تشجيع الفهم والوعي حول حق الإنسان في المشاركة في أنشطة المجتمع وحريته في صياغة الأفكار واتخاذ القرارات، حيث يسلط الضوء على أهمية الدعم النفسي والمحبة في حياة الإنسان، مع التأكيد على أننا نمتلك قدرات وإمكانيات فريدة، وعلى الرغم من اختلافها بين الأفراد، إلا أنها تكوِّن شخصياتنا وتبرز إمكانياتنا. ويظهر الكائن الضعيف في الفيلم كرمز للحاجة إلى القوة الداخلية والإيمان بالنفس، مشيرًا إلى أهمية توجيه الانتباه لضرورة تعزيز الروابط الاجتماعية والتعاون لبناء مجتمع قائم على التضامن والتفاعل الإيجابي. كيف تمكنت من تجسيد "الدروج" بشكل يرمز إلى المرأة دون استخدام الكلمات أو التعبير المباشر؟ من خلال الصورة، فهي وسيلة أقوى من الكلمات، كما استخدمت السيناريو وعمليات التصوير وأداء الممثلة بشكل مدروس لنقل الحالة النفسية المرجوة، إذ تمكنت من خلق رمزية بصرية تجسد الواقع الذي يعيشه الكائن الضعيف، والذي يعكس تجربة المرأة في المجتمع، بدون الحاجة إلى استخدام كلمات أو تعابير مباشرة، وقد تم توظيف الصور بشكل فني لإيصال رسالة تعبر عن التحديات التي تواجه المرأة والحاجة إلى الدعم والتقة في رحلتها الانسانية. هل واجهت تحديات خاصة أثناء إخراج هذا الفيلم القصير؟ واجهت تحديًا رئيسيًا أثناء عملية الانتاج وهو الحصول على "الدروج" الذي كان يعتبر الرمز الرئيسي في العمل، وفي السنوات السابقة، كان "الدروج" منتشرًا على الساحل، ولكن في الوقت الحالي، أصبح من الصعب العثور عليه، قمت بمحاولات متعددة للبحث عنه، وواجهت تحديات مع صيادين كثر، الذين أفادوا أن الدروج قد انقرض بسبب التغييرات التي طرأت على المنطقة، مثل بناء الشوارع القريبة من البحر والمباني والمشاريع البحرية. كانت هذه العوامل تسهم في انقراض الكائنات البحرية بشكل عام، والتي تحتاج إلى اهتمام وحماية للمحافظة على تواجدها كجزء من البيئة الطبيعية. كيف استفدت من خبرتك السابقة في مجال الإخراج حول تناول قضايا اجتماعية من خلال هذا العمل؟ يعتبر هذا الفيلم هو العمل الثامن الذي قمت به، بدأت بفيلم "مدن تئن وذكريات تغرق" الذي كان تجسيدًا للحالة الاستثنائية التي مرت بها سلطنة عمان في عام 2007، وهو يعتبر الفيلم الوثائقي الأول الذي استخدم الصورة والمشاعر الإنسانية لنقل رسالة من خلال صوت الشاعر عبدالرزاق الربيعي. وتواصلت هذه الرحلة مع أفلام شاعرية أخرى وأفلام وثائقية قصيرة مثل "سماء متحركة"، و"الخروج الى الداخل"، و"زهور ذابلة"، وكل فيلم كان فرصة لاستكشاف قضية اجتماعية معينة ونقلها بطريقة تعبيرية فنية، وفيلم "ذاكرة كالحجر" و"الذهب الأبيض"، استفادوا من تجربة الأفلام الوثائقية في تسليط الضوء على قضايا محلية واستكشاف تفاصيل الحياة اليومية للأفراد في المجتمع. وأخذت على نفسي في هذه التجارب المتنوعة تقديم قصص وصور تعبيرية عن الواقع الاجتماعي والإنساني، وتحفيز المشاهدين على التفكير والتأمل في قضاياهم والمشاركة في الحوار الاجتماعي. أما فيلم "الدروج"، كونه مشروع التخرج من المدرسة العربية للسينما و التلفزيون في مصر، جسّدت فيه رؤية متقدمة واحترافية في تناول القضايا الاجتماعية، إذ تميز بمشاركته في العديد من المهرجانات الدولية وحصوله على جوائز متنوعة، مما يبرز قدرة الفنان على تقديم رسائل مؤثرة وإثارة للتفكير من خلال لغة السينما. ما هو الدور الذي يلعبه البحر والبر كخلفية لأحداث الفيلم؟ تم اختيار البحر والبر في الفيلم ليكونا رمزين يعكسان الداخل والخارج، حيث يمثلان المشاعر الداخلية والأحاسيس العميقة التي تحدث داخل شخصيات الفيلم، إذ يُظهر البحر الغامض الذي يحمل في عمقه الكثير من التعقيدات العاطفية والشخصية، في حين يمثل البر الظاهر الذي يرمز إلى التفاعلات الاجتماعية والسلوك الذي يستعمل في مواجهة التحديات. وتمثل هذه الرموز استعارة بصرية لنقل التعقيدات والتحولات النفسية والاجتماعية التي تحدث في حياة الشخصيات وتؤثر على سلوكهم في مواجهة التحديات والظروف المحيطة بهم. هل استخدمت أي رموز أخرى أو عناصر تحكي قصة موازية في الفيلم؟ نعم، استخدمت العديد من الرموز والعناصر لتعزيز القصة ونقل المشاعر والمعاني العميقة، على سبيل المثال: رمي الكرة من قبل الطفل إلى كوب صديقة والدته يشير إلى رفض فكرة الزواج مرة أخرى، وملامح الجدة القاسية أثناء كسر المزهرية تعكس التوتر والصراع في العلاقات، واختباء الطفل في مكان ضيق يُظهر الخوف وعدم الأمان، وطيور تحلق أمام الأم ترمز إلى الأحلام والآمال، كما أن الأمواج المضطربة تعبر عن المشاعر الداخلية الصعبة للأم، وقد تم استخدام هذه الرموز بشكل متقن لإضفاء عمق وتأثير إضافي على تصوير القصة وتوجيه المشاهد نحو التفاعل مع العناصر الرمزية في الفيلم. هل يوجد رسالة معينة تتعلق بالحماية والضعف في المجتمع للمشاهدين؟ يقدم الفيلم طرحًا فنيًّا يعزز حرية اتخاذ القرار والمسؤولية الشخصية في اتخاذ هذه القرارات، ويبرز أهمية الحب والتواصل بين الأفراد في المجتمع، إذ يدعو المشاهد إلى التأمل في حرية اتخاذ القرار والتفكير في المسؤوليات الفردية دون تقديم رسالة محددة، بل بإيجاد فضاء للتأمل والتفاعل الشخصي مع الأحداث والشخصيات في العمل. كيف استخدمت الصوت والموسيقى لخلق التأثير؟ من خلال اختيار موفق للمؤثرات الموسيقية والصوتيات، تم استخدام صوت الطبيعة مثل صوت الطيور وموج البحر لإضفاء جو من السكون والطبيعة، مما ساهم في خلق أجواء عاطفية تلائم السياق الفيلمي. كما تم التركيز على صوت الأم الذي يعبر عن فقدانها لكل شيء في لحظة، وهو عنصر مؤثر جدًا يساهم في نقل العاطفة والمشاعر للمشاهدين، فالاختيار الحساس للموسيقى والصوت أضفى على الخط الزمني للأحداث لحنًا فنيًا يعزز تجربة المشاهدة ويساهم في نقل الرسالة الفنية التي تمثلها القصة. هل تأمل في استمرار استكشاف هذا النوع من المواضيع في أعمالك المستقبلية؟ نعم، القضايا والمواضيع الاجتماعية تظل موجودة دائمًا، ولكن التحدي يكمن في كيفية تقديمها بشكل مميز وفني، و أتطلع إلى مزيد من المواضيع في أعمالي القادمة وأسعى لتقديمها بالطريقة التي تعكس رؤيتي وتمثلني كصانعة أفلام، فالهدف هو تقديم أعمال تتفاعل مع الجمهور وتثير التفكير في قضايا تهمهم.
مشاركة :