أصبحت ظاهرة التزوير، التي استشرت في بلدنا، ظاهرةً خطيرة مستجدة ووافدة، وعلة هذه الظاهرة الاهتمام المتزايد للمجتمع بالمظاهر بدلاً من القدرات الحقيقية ومخابر الناس أو «نظافة داخلها». في كويت الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وهي الفترة التي نشأ جيلي وترعرع وتعلّم خلالها، أسوة بالأجيال التي سبقته، كان المجتمع الكويتي متماسكاً والناس تعرف بعضها عن قرب ودراية، ولذا ذاع المثل الكويتي الشهير «كلنا أهل قْرَية، وكُل يعْرِف أخَيّه». كان المجتمع بسيطاً وتلقائياً وعفوياً في علاقاته، جريئاً لا يجامل، ويتصف بالثقة والأمانة ومكارم الأخلاق، من دون نفاق أو تزلّف أو تملّق لأي شخص مهما علت مكانته، بما في ذلك الحاكم، الذي له كل التقدير والاحترام، لكن من دون مداهنة ولا رياء، كما نراه في الأخلاق المستجدة والوافدة التي يقوم بها البعض اليوم، رغبة منه بأن يحظى بمكانة لا يستحقها، وهو ما تحقق للبعض منهم، بكل أسف، فصاروا مضرباً للمثل رغم وضاعتهم ووضاعة الأخلاق التي حققت لهم ذلك، وهذا هو شأن الوافدين الجدد على مر الأزمان. فمكانة الرجل/ المرء ومنزلته في «كويت الماضي» كانت تنبع من تواضعه ورفعة خلقه وحُسن جيرته وسمعته المرموقة، وهي سر الترابط القوي لأبناء الكويت في انتمائهم لوطنهم وحبهم له وتضحيتهم من أجله بمختلف مكوناته وفئاته الحقيقية والأساسية، فهم كويتيون بحق الانتماء والولاء. وبعد أن وفدت الهجرات وتبعتها الادعاءات بالانتماء للبلد والتدافع المحموم من القادمين الجدد، للاستفادة من خيرات بلدنا (الكويت)، وهم لم يشتركوا في تحمُّل شظف العيش فيه، ولم يسهموا في تأسيسه وبنائه، ولم يدافعوا عنه ويبنوا أسواره، سعى هؤلاء إلى أن يستفيدوا من انفتاح الكويت وتساهلها في قبول الوافدين بحصولهم على معيشة أفضل ورزق حلال وفرص للعمل. ولكن، مع الأسف، بدأت منذ تلك اللحظة محاولات الحصول على الجنسية، فوجدوا أبوابها مُحكمةَ الإغلاق، ففكروا في الادعاء بأنهم أبناء الكويت، متناسين أن سجلات الكويت تزخر بوثائق تحدد جنسياتهم ووثائق بلدانهم الأصلية، وهو ما تم تثبيته بإحصاءات رسمية، أهمها إطلاقاً إحصاء 1957. ومع بداية العمل بقانونَي الجنسية، ولجان تحقيقها، تم حسم هذه الملفات، وفرز الكويتيين عن غيرهم من السكان، وكلٌّ وفقاً لجنسيات بلادهم. ومن تلك الحقبة بدأت تتزايد حالات الادعاء، وتلتها بعد ذلك جرأة بتزوير البيانات ومحاولات لتغيير الوثائق، عبوراً لتفاقم ظاهرة تزوير الجنسية وشرائها والحصول غير المشروع عليها أو التزلّف لصاحب نفوذ أو شيخ لحيازتها، فطفت على السطح حالات التجنيس السياسي والعبث لكسب الولاءات والأعوان! وانتقل الأمر بعد ذلك إلى مراحل تفاقمت معها حالات التزوير وتعددت أحوالها ونماذجها، فالجنسية كانت مرتعاً رئيسياً لها، وادّعاؤها كان مدخلاً بديلاً عنها، وتحريف الأسماء والبيانات وتغييرهما كانا من الخطوات المواكبة لها والضرورية لتحقيقها، وتم استغلال قانون دعاوى النسب وتغيير الأسماء استغلالاً خطيراً، فغيّر الأشخاص أسماءهم الأولى بل والثانية والثالثة، بل وحتى العائلة، وغيّرت عوائل عديدة أسماءها بشكل مخيف وبتزوير فاضح ومعروف حتى تخفي حقيقتها وأصولها غير الكويتية، وساعدها التساهل والتراخي، بل والتواطؤ على تحقيق مرادها. وامتد التزوير إلى شهادات الميلاد، ثم للشهادات العلمية وكيفية الحصول عليها من بلدان وجامعات وهمية أو بقالات سلعية، فكبرت كرة الثلج، خصوصاً بعد أن صار المتجنسون بحق - وهُم قلّة - أو بغير حق، وهم الأكثرية، بعبث سياسي أو تزوير أو تحريف للبيانات أو عبث بالمستندات، أو ازدواج مخيف! وصار هؤلاء ناخبين، وبدأت لعبة الإرهاب السياسي لفتح تجنيس سنوي بـ 4 آلاف شخص، ومنح المزيد من الجناسي بصفقات، وتبع ذلك متاجرة وتزوير للجنسية، حتى تم شرعنة تغيير وصف الجنسية وصفتها بقوانين مخالفة للدستور، تم ترويجها وإقرارها في سوق المقاعد البرلمانية، التي فرّطت بسيادة البلد ومصالحه كسباً للكرسي النيابي أو حفاظاً عليه، فصارت الهوية والجنسية الكويتية بضاعة تُباع وتُشترى بسوق المزايدة الانتخابية وكسب الكراسي النيابية، وهو سبب تفاقم العبث والتزوير بالجنسية، وصار المجنّسون أغلبية بشكل غير مشروع، وهو ما يستلزم غربلة عاجلة لتنقية ملف الجنسية من كل ذلك. هكذا صار المجتمع ضحية للتزوير والمزوّرين... جناسي مزورة، وبيانات ووثائق مزورة!
مشاركة :