الخط العربي.. فن يتجدد مع الأجيال

  • 1/31/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لغة الضاد ليست كغيرها من اللغات الحية والنابضة بالعراقة والأصالة بل هي أيضاً هوية أمة على حد وصف الشاعر اللبناني حليم دموس بأبياته الشهيرة: لغـة إذا وقعـت عـلى أسماعنـا كانت لنا بـــــرداً على الأكبــاد سـتــظـل رابـــــطــة تؤلـف بيننا فهي الرجــــــاء لناطـق بالضاد فكيف الحال إذا سبكت حروفها وأتقنت صنعتها رسماً وفناً وتشكيلاً حتى بات لها علم وفن تتوارثهما الأجيال جيلاً بعد آخر. فالحضارة الإسلامية عبر تاريخها الزاخر قدمت إنجازات ثرية في مجالات العلوم والفنون شكلت هوية تميزها عن غيرها من أمم ومما استأثرت به أمتنا الإسلامية لنفسها فن الخط إذ عمل الفنانون المسلمون طوال قرون على تحويل حروف اللغة العربية من وسيلة حاملة للمعاني إلى فن خصب بصياغتها وتجسيدها وتوظيفها جماليا راح يجاري الشعر والموسيقى في روعته. وبعد نزول الوحي على النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام صار الاهتمام بالقراءة والكتابة شيئاً مهماً استجابة لقول الله تعالى "اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم" والقسم العظيم بالحرف وأداته إذ قال تعالى "نون والقلم وما يسطرون"، مما أضفى بعداً قدسياً على الحرف وجعل الخطاطين يعكفون على الاهتمام به وإتقانه حتى صار فناً له قواعد وأصول. والمتأمل في سيرة هذا الفن يجد أنه تطور من الشكل البسيط الذي غلب عليه طابع الجمود إلى أنواع خطوط ذات مميزات جمالية وفنية عديدة نتيجة انتشار الإسلام جغرافياً واستخدام الشعوب للحرف العربي ما شكل حالة إثراء وتمازج ثقافي جوهرها التنوع الثقافي والجغرافي للشعوب التي تداولت الحرف العربي وزيادة توظيف فن الخط لدى الدولة الإسلامية في معظم جوانب الحياة ومظاهرها من عمارة وتدوين وفنون وغيرها. وفي هذا السياق قال رئيس مركز الكويت للفنون الإسلامية في مسجد الدولة الكبير المستشار الفني الخطاط فريد العلي: إن "الخط" فن منضبط بنسب هندسية بالغة الإحكام لكنه في الوقت نفسه ليس جماداً إنما مفعم بالحيوية والعمق والحركة لصلته بالقرآن الكريم وليس مستغرباً ما قيل في الأثر "الأحرف أمة من الأمم" باعتبارها فناً يستثمر عناصر الجمال في كثير من الفنون الأخرى ليختزلها في لوحة فائقة الروعة ويراعي العمل الفني "الخط" العديد من المفاهيم كالتناغم والتوازن والنور والظل والكتلة والفراغ. وبيّن العلي أنه اهتم بدمج الخط العربي مع أعماله التشكيلية وأنه عقب دراسته للهندسة عمل على ثلاثة أمور هي "الفن التشكيلي" و"الهندسة" و"الخط العربي" ليمزج تلك الأضلاع الثلاثة مشكلاً مثلثاً لتكوين "الخط التشكيلي الهندسي" الذي أصبح يتميز به شخصياً. وأضاف أنه محب لفن الخط العربي ويعمل في هذا المجال منذ أكثر من 50 عاماً وما جذبه إليه هو جمال حروفه وتعدد التشكيل فيه، لافتاً إلى أنه عمل لوحات بالخط التشكيلي قبل أن يتجه إلى الكتابة والتشكيلات في لفظ الجلالة فشكل في هذا اللفظ 99 تشكيلاً بالأبيض والأسود لاقت رواجاً وانتشرت في مختلف أنحاء العالم. وأوضح أنه صمم 500 تشكيل في اسم رسولنا العربي الكريم عليه الصلاة والسلام وأصدر كتاباً اسمه (محمديات) انتشر حول العالم، كما أقام معارض خطية لتلك التصاميم في الكويت. وأكد حرصه على نشر فن الخط العربي من خلال عمله في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وأنشأ مركز الكويت للفنون الإسلامية بالتعاون مع عدد من المؤسسين وتمكنوا على مدى 15 عاماً من إقامة فعاليات عدة للخط تركت أثراً كبيراً في المجتمع منها مسابقات ودورات وملتقيات ومنتديات ومعارض محلية ودولية وإصدار كتب خاصة بالخط العربي. وأكد أن الخط العربي يحظى باهتمام واسع وصل إلى الدول الغربية، إذ نجد العديد من الخطاطين الأجانب يهتمون ويتعلمون الخط العربي بل أصبحوا من رواد الخطاطين عالمياً منهم محمد زكريا من الولايات المتحدة الأمريكية وفؤاد هوندا من اليابان والحاج نور الدين من الصين ونورية غارسيا من إسبانيا. وبيّن أنه في دول شرق آسيا وصل عدد الذين حصلوا على إجازات في الخط أكثر من 200 خطاط وأصبحوا مدربين ومعلمين في الخط العربي هناك. وأشار إلى أنه انطلاقاً من أهمية الخط العربي أقيمت مسابقات دولية منها ملتقى الشارقة الدولي لفن الخط العربي والمهرجان الدولي للخط العربي في الجزائر وملتقى الخط العربي في القاهرة، لافتاً إلى دور المغرب وإيران وغيرهما في نشر الخط العربي. من جانبه قال الاستشاري المعماري وأستاذ العمارة في جامعة الكويت الفنان التشكيلي والخطاط فريد عبدالله: إنه استعمل الحرف العربي "كحرف فكري بعقلية منفتحة تشمل علاقة الحرف بالصوت مثل علاقته باللغة وعلاقته بالتشكيل أشبه بعلاقة القلب بالفن ورغم تمرده يظهر كلية العمل بمزاج محافظ وفكر متناسق متوازن فنهج الفن واحد وإن اختلفت تجلياته. وتناول فريد، علاقة الخط العربي بالعمارة ورأى أنهما يلتقيان في استنادهما إلى جمالية هندسية واحدة تدخل في فلسفة الجمال والتناسق، مبيناً أن الخط العربي في العصر العباسي استند إلى نظرية النسب الفاضلة، وهي نظرية هندسية رياضية معروفة منذ قديم الزمان ظهرت في رسومات الآشوريين والبابليين وانتقلت إلى الفراعنة وهي عبارة عن نسب رياضية من علاقة المخلوقات مع بعضها بعضا ولها علاقة كذلك بالموسيقى وما تزال مستخدمة.

مشاركة :