هل يجوز لمن قصّر في المذاكرة والإجابة الدعاء بالنجاح؟ ورد أنه ينبغي للمؤمن أن يكون قويا، فـالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، ومن هذه القوة: القوة النفسية التي يواجه بها الشدائد والصعاب التي تعترضه في حياته، فإن وقع ما يحب، حمد الله، وإن وقع ما يكره صبر على أقدار الله، ولا يعرف المؤمن العاقل الخوف والعجز الذي يثبطه، ويقعد به عن طلب معالي الأمور، وتحقيق آماله وطموحاته، سواء في أمر دينه أو أمر دنياه المقتصد، لما روى مسلم (2664) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ ). كما ورد أن الأخذ بالأسباب من التوكل على الله، وليس من التوكل تعطيل الأسباب، فلا يشرع تعطيل الأسباب بحال، بل لا يجوز، ومن أراد النجاح وجب عليه أن يأخذ بأسبابه، ومن أسبابه الجد في المذاكرة، كما أن من أسباب النجاح، ومن أسباب تحقيق المطالب الدينية والدنيوية: دعاء الله عز وجل والتوجه إليه في طلب النجاح، فالمذاكرة سبب قدري – مادي، ظاهر - للنجاح، والدعاء سبب شرعي، والتوكل على الله يجمعهما. ومن الواجب على المؤمن أن يعلق قلبه على الله - عز وجل - وأن يصدق الاعتماد عليه في جلب المنافع ودفع المضار، فإن الله وحده هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وإليه يرجع الأمر كله، كما قال الله - تعالى -: ( وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ). وقال الله - تعالى -: ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا). كما أن الواجب على المؤمن أن يعتمد على ربه رب السماوات والأرض ويحسن الظن به، ولكن يفعل الأسباب الشرعية والقدرية الحسية التي أمر الله - تعالى – بها ؛ لأن أخذ الأسباب الجالبة للخير، المانعة من الشر، من الإيمان بالله - تعالى - وحكمته، ولا تنافي التوكل، فها هو سيد المتوكلين محمد، رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان يتخذ الأسباب الشرعية والقدرية، فكان يعوذ نفسه عند النوم بالإخلاص والمعوذتين، وكان يلبس الدروع في الحروب، وخندق على المدينة حين اجتمع أحزاب الشرك حولها حماية لها، وقد جعل الله - تعالى - ما يتقي به العبد شرور الحروب من نعمه التي يستحق الشكر عليها، فقال عن نبيه داود: (وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون). وأمر الله داود أن يجيد صنعها، ويجعلها سابغة، لأنها تكون أقوى في التحصين ". وعلى المسلم أن يستذكر دروسه، ويدعو الله أن يكتب له النجاح والتوفيق، ولكن إذا قصر في المذاكرة، فلا حرج عليه في الدعاء، وخاصة إذا كان تقصيره هذا لعذر أو لعجز أو نحو ذلك، فإن الإنسان قد تمر به أحوال تثبط همته، فيتأخر عن أخذ الأسباب، ولعله بعد ذلك يزول ما به، ويعتدل حاله، فلا يضرك، إن شاء الله، سؤال الله النجاح، وإن كنت قصرت في المذاكرة وفي الإجابة، وليس هذا من الدعاء بالإثم، لأن الدعاء بالإثم يعني الدعاء بالشيء المحرم، قال القاري رحمه الله: " مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ قَدِّرْنِي عَلَى قَتْلِ فُلَانٍ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، أَوِ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي الْخَمْرَ، أَوِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِفُلَانٍ، وَهُوَ مَاتَ كَافِرًا يَقِينًا، أَوِ اللَّهُمَّ خَلِّدْ فُلَانًا الْمُؤْمِنَ فِي النَّارِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْتَحِيلَاتِ " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (4/ 1525). سؤال الله النجاح - ولو مع التقصير وقد ورد أيضا أن سؤال الله النجاح - ولو مع التقصير - فليس من الدعاء بالإثم، وليس من الاعتداء في الدعاء، إن شاء الله ؛ بل غايته أنه يطمع في فضل من الله، لم يستحقه هو، ولم يتأهل له بعمله، وأسبابه، وكم ممن يفعل ذلك، ويتعلق بفضل ربه، في المقاصد الدينية والدنيوية، وإن لم يكن قد تأهل لها، وعمل لها عملها، والمسلم لا يزال يدعو الله ويسأله المغفرة، مع أنه قد يكون ممن يسرف على نفسه ويفعل السيئات، ففعل السيئات لا يمنع العبد من الاستغفار، فكذلك: تقصير العبد في المذاكرة والإجابة لا يمنع من سؤال الله النجاح، وكذلك: فالمسلم لا يزال يسأل الله الجنة، ويستعيذ بالله من النار، ولا يمنعه من ذلك وقوعه في الحرام، وارتكابه السيئات، فالمسلم لا يزال يسأل الله النجاح في أموره كلها، وإن بدر منه تقصير، فإن العبد المسلم لا يزال محتاجا إلى ربه في شأنه كله، سواء كان مستقيما أو مقصرا.
مشاركة :