بلغ العراق مرحلة مصيرية، يقف فيها عند مفترق طرق يضعه أمام خيارين: إما المصالحة والعودة إلى الحياة الديموقراطية، أو استمرار الانقسام السياسي والاجتماعي فالفوضى الشاملة والحرب الأهلية ثم التقسيم، بحسب ما يرى محللون. وتعصف بالعراق منذ الانسحاب الأمريكي أزمات سياسية متتالية، وسط انقسام اجتماعي طائفي في موازاة تدهور أمني كبير، تحولت معه مدينة الفلوجة الواقعة على بعد 60 كلم فقط من العاصمة بغداد السبت إلى ولاية اسلامية بعدما وقعت في قبضة مقاتلي تنظيم القاعدة أوما يسمى دولة الإسلام في الشام والعراق «داعش». ويقول المحلل السياسي إحسان الشمري لوكالة الأنباء الفرنسية، إن «الأيام التي تمر هي أيام المصير، الأيام القادمة ستحدد مصير العراق بشكل كامل، فيما تقف البلاد على مفترق طرق: مصالحة فدولة ديموقراطية أوانقسام ففوضى شاملة وحرب أهلية تؤدي إلى التقسيم». ويضيف «إما أن يكون العراق ديموقراطيًا يتساوى فيه الجميع، وإما أن نمضي نحوالهاوية». وعاش العراق في 2013 سنته الأكثر دموية منذ نهاية النزاع الطائفي في 2008، بعدما تصاعدت أعمال العنف بشكل كبير وخصوصًا تلك التي تحمل طابعًا مذهبيًا عقب اقتحام ساحة اعتصام سني مناهض للسلطة التي يسيطر عليها الشيعة في أبريل في عملية قتل فيها العشرات. ولم تكن بداية العام 2014 افضل على الصعيد الأمني إذ خسرت القوات الأمنية، للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، السيطرة على مدينة بكاملها لصالح تنظيم القاعدة، حيث باتت الفلوجة في قبضة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام». وتمكن مقاتلوهذا التنظيم المعروف اختصارًا باسم «داعش» والعابر للحدود مع سوريا، من السيطرة على الفلوجة وعلى بعض مناطق مدينة الرمادي (100 كلم غرب بغداد) المجاورة رغم الحملة العسكرية التي تستهدف معسكراته منذ نحو10 أيام وتستخدم فيها الطائرات. وتشكل سيطرة تنظيم القاعدة على مدينة الفلوجة حدثًا استثنائيًا نظرًا إلى الرمزية الخاصة التي ترتديها هذه المدينة التي خاضت معركتين شرستين ضد القوات الأمريكية في العام 2004.وكان الهجوم الأمريكي الأول الذي هدف إلى إخضاع التمرد السني في المدينة، شهد فشلًَا ذريعًا، ما حول الفلوجة سريعًا إلى ملجأ لتنظيم القاعدة وحلفائه الذين تمكنوا من السيطرة وفرض أمر واقع فيها. وقتل في المعركة الثانية حوالى ألفي مدني إضافة إلى 140 جنديًا أمريكيًا، فيما وصف بأنها المعركة الأقسى التي خاضتها القوات الأمريكية منذ حرب فيتنام. من جهته، يرى استاذ العلوم السياسية في جامعة المستنصرية عصام الفيلي، أن «خلايا القاعدة الفعالة الرئيسة باتت قريبة من بغداد، وفي هذا الأمر سوء تقدير من الحكومة أصبح يجر العراق نحوالمجهول، منذرًا بمزيد من الأزمات وبانقسام اجتماعي أكبر وأخطر». وأوضح أن «الأزمات السياسية المتلاحقة شغلت السلطة عن التسونامي القادم، تسونامي داعش». وظهر هذا التنظيم في العام 2006 في العراق على أيدي الأردني أبومصعب الزرقاوي، الذي قتل في غارة أمريكية في العام ذاته وكان هدفه الأول ولا يزال إقامة دولة الخلافة الإسلامية في المناطق التي تسكنها غالبية من السنة في العراق، واليوم في سوريا أيضا. ويعتبر هذا التنظيم الأكبر والأكثر قدرة بين التنظيمات المسلحة المتمردة والمتطرفة في العراق، حيث يتبنى معظم أعمال العنف في البلاد التي غالبًا ما تستهدف القوات الأمنية والمناطق التي تسكنها غالبية من الشيعة. ويرى مراقبون أن استعادة هذا التنظيم للنفوذ الذي كان يتمتع به في فترة ما بعد الاجتياح، يعود إلى نجاحه في ركوب موجة الغضب السني القائم على الشعور بالتهميش والاستهداف المتكرر، مشيرين إلى أن ذلك لا يعني أن السنة يتحولون إلى موالين للقاعدة، بل إنهم يحدون من تعاونهم مع الحكومة في مطاردة هذا التنظيم. ويقول تشارلز ليستر الباحث في مركز بروكينغز الدوحة لفرانس برس، إن «قوة وسيطرة الجماعات المتطرفة على الأرض تتوسع في الأنبار» التي تتشارك مع سوريا بحدود بطول نحو300 كلم، وكانت تعتبر أحد أبرز معاقل تنظيم القاعدة أيام الزرقاوي. ويضيف أن عملية إزالة الاعتصام السني المناهض للحكومة في الأنبار الاثنين الماضي، والذي كان يطالب باستقالة رئيس الوزراء نوري المالكي المتهم باتباع سياسة تهميش بحق السنة، دفعت العشائر السنية للدخول في نزاع مع القوات الأمنية «وقد نجح تنظيم داعش في ركوب موجة الغضب السني هذه». وإلى جانب التدهور الأمني والفساد المستشري في جسد الدولة، يعاني العراق من شلل على صعيد عمل الحكومة التي تقودها تيارات متصارعة سنية شيعية. ويمتد هذا الشلل إلى مجلس النواب الذي غالبًا ما يكتفي بتأجيل جلساته معلنًا عن فشل التوصل إلى اتفاق حول غالبية القوانين، في وقت تقف البلاد على أعتاب انتخابات برلمانية في نهاية أبريل المقبل. ويرى تشارلز أن «على السلطات التركيز على الأطراف المعتدلة من العرب السنة لجذب هؤلاء إلى الحكم وإعطائهم مساحة كبيرة على مستوى السلطات الاتحادية حتى نأمل أن نرى عراقًا ديموقراطيًا». ويضيف «العرب السنة هم الذين سيحددون مصير العراق المقبل».
مشاركة :