أنقرة - لا يزال الآلاف من الناجين من الزلزال الذي ضرب تركيا العام الماضي وأودى بحياة أكثر من 53 ألف تركي، يعيشون في الخيام والحاويات، وينتظرون تنفيذ وعود الرئيس رجب طيب أردوغان بتسليم عشرات الآلاف من المساكن للمتضررين من الكارثة الإنسانية التي كشفت عن تفشي الفساد في قطاع المقاولات وعدم الالتزام بقواعد البناء. غرس عبد الله يانار الزهور أمام منزله الذي هو عبارة عن حاوية ليجعله يبدو كبيت حقيقي لأسرته التي تعيش في ملاجئ مؤقتة في جنوب تركيا منذ الزلزال المدمر الذي وقع العام الماضي. ووقع الزلزال الأكثر دموية في تاريخ تركيا وبلغت قوته 7.8 درجة في فبراير/شباط الماضي وأودى بحياة كثيرين من أقارب يانار ودمر شقته مما أجبره وزوجته وابنته وابنه على الانتقال أولا إلى خيمة ثم إلى منزل حاوية ثم آخر. وقال يانار في منزله بهاتاي، الإقليم الأكثر تضررا من الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، "الحمد لله لدينا سقف فوق رؤوسنا. لكن من الصعب بعض الشيء العيش في حاوية مع طفلين". وأضاف يانار (38 عاما) الذي يعمل في الإدارة المحلية أنه على الرغم من بعض عمليات إعادة البناء ستستغرق إعادة إعمار العاصمة الإقليمية التاريخية أنطاكية وقتا طويلا جدا. ويانار غير متفائل بمستقبل أسرته في ظل عدم قدرته على تحمل كلفة استئجار "منزل حقيقي" وانقطاع إمدادات المياه والكهرباء دون سابق إنذار في منزله الحالي الذي تبلغ مساحته 21 مترا مربعا، قائلا "لا توقعات. لا نستمتع بالحياة على الإطلاق. لكن ألف حمد لله". وأدى الزلزال الذي وقع في الساعات الأولى من السادس من فبراير/شباط إلى تدمير بلدات وأجزاء من بعض المدن في جنوب شرق تركيا. وقتل أكثر من 53 ألف شخص في تركيا ونحو ستة آلاف شخص في سوريا المجاورة وشرد الملايين. وبعد مرور عام، ما زال الناجون الذين ظلوا مقيمين في هاتاي يعانون من تأثير الكارثة وانهار جزء كبير من مباني الإقليم في الزلزال لكن مئات المباني المدمرة لم تُزل بعد، ويعيش الآن كثيرون من ثلثي سكان هاتاي الذين بقوا في المنطقة في منازل حاويات. وفي أكتوبر/تشرين الأول، انتقلت أُسرة يانار إلى منزل حاوية آخر يتألف من غرفة معيشة صغيرة ومطبخ مفتوح وغرفة نوم واحدة وحمام. ويقول إن قفزة الإيجارات أربعة أمثال في المنطقة تعني أنه لا يوجد خيار للخروج. وفي نفس مدينة الحاويات، يجلس علي رضا وسوناي غزال أوغلو على أريكة وبينهما ابنتهما إيلا. وكانت الطفلة البالغة من العمر تسع سنوات هي الوحيدة التي نجت من بين بناتهم الثلاث حين انهار منزلهم قبل عام وتلعب الفتاة بدمية حمراء في صمت مطبق. وتخاف دخول المباني ولا تذهب إلى مدرستها ذات الطوابق الأربعة. وقال علي رضا الذي يعاني من إصابات خطيرة في ظهره بسبب الزلزال "كنا أُسرة سعيدة قبل الزلزال. كان لديّ عمل، الآن لم أعد أستطيع العمل بعد أن خضعت لثلاث عمليات جراحية" وتغطي أُسرته النفقات اليومية حاليا بتمويل من الهلال الأحمر التركي للضحايا. وتعهدت حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقب الكارثة بإعادة بناء 680 ألف منزل في 11 إقليما، من بينها حوالي 250 ألف منزل في هاتاي، على مدار عامين. وأزاح مسؤولون الستار عن أحدث منازل للأُسر في الفترة التي سبقت موعد مرور عام على الزلزال. ويقول سكان المنازل التي أقيمت في حاويات إنها دافئة بدرجة كافية ليلا. وانتهى الأمر بسكان نازحين آخرين في منازل أكبر قليلا تضم غرفتي نوم وغرفة معيشة كانت مشيدة سلفا. ومن بين هؤلاء السكان، جولجان يلماز (47 عاما)، وهي أم لطفلين، أُنقذت بأعجوبة من تحت أنقاض مبنى كان مكونا من ثمانية طوابق بعد خمسة أيام من وقوع الزلزال. وتحدثت عن الفترة التي كانت محاصرة فيها تحت الأنقاض قائلة "قدمي وذراعي كانت معلقة في الهواء". وأضافت "عندما فككت يدي، قطعت شعري الذي كان عالقا. وعندئذ سقطت يدي المكسورة على فخذي. وجلست على لوح رفيع لمدة خمسة أيام. لم أستطع تحريك قدمي. جاءت الطيور وتحدثت إليها من تحت الأنقاض". ونُقلت يلماز في وقت لاحق إلى إقليم أضنة بطائرة هليكوبتر. وعندما فتحت عينيها في وحدة العناية الفائقة بمستشفى، رأت أن ساقيها بُترتا بعد إصابتهما بالغرغرينا نتيجة البرد. وعادت منذ ذلك الحين إلى هاتاي كي تتلقى العلاج الطبيعي لمساعدتها على تركيب ساقين صناعيين. ثم انتقلت إلى منزل كان مشيدا سلفا في حي إكينجي بمدينة أنطاكية في سبتمبر أيلول بعدما عاشت في خيمة. وقالت "المنزل المشيد سلفا في نظري عبارة عن قصر. لكنني أريد العيش في إحدى هذه الشقق الجديدة التي تبنيها الحكومة" ولا يزال بعض الناجين من الزلزال يعيشون في خيام رغم انخفاض درجات الحرارة إلى أربع درجات مئوية خلال الليل. وتعيش أوزدن كار (42 عاما) مع أسرتها وأقاربها في خيام نصبت خارج مبنى حكومة البلدية في مدينة سامنداغ الساحلية على البحر المتوسط في أقصى جنوب تركيا. ولحقت أضرار أيضا بالمبنى الذي أصبح الآن مكونا من حاويات. وتقول كار إنهم قضوا فصل الشتاء بدون سخان في الخيام التي تبرع بها فاعل خير. وقد أحالتهم السلطات إلى مدينة في أنطاكية على بعد 40 دقيقة بالسيارة لكنهم يريدون البقاء في سامنداغ حيث توجد مدرسة الأطفال وعمل زوجها كمربي ماشية، مضيفة أن "كل شيء هنا، لا أستطيع الذهاب إلى أنطاكية". وتوفي في الزلزال 12 من أقارب كار التي قالت إن الأسرة لا تستطيع الانتقال إلى شقة بسبب ارتفاع الإيجارات والخوف المستمر من مدى متانة الشقة وأردفت قائلة "ابنتي تخاف من أقل هزة. كلنا خائفون". ونادرة كابار أوغلو، والدة كار البالغة من العمر 75 عاما، مريضة بالربو وتضطر إلى زيارة الطبيب بانتظام منذ وقوع الزلزال. وأدى الغبار السام، الذي انبعث من المباني المنهارة إلى إصابتها بنوبات ربو، ولا يمكنها مغادرة خيمتها بدون كمامة. وتحدث سكان خيام آخرون عن رغبتهم في البقاء قرب أقاربهم والمجتمعات المألوفة لهم رغم عروض منحهم منازل في حاويات بأماكن أخرى في هاتاي. وفي سوق أوزون كارسي بازار التاريخي في أنطاكية والتي صمدت بعض مبانيها أمام الزلزال رغم انهيار جزء كبير من مباني وسط المدينة، أصبحت الضغوط الاقتصادية واضحة الآن بعد اختفاء ثلث السكان والسائحين. وقال فاتح أوزونبارماك، وهو صاحب متجر 'سينارالتي كنافة' لتصنيع هذه الحلوى المحلية الشهيرة "لم يعد السياح يزورون هاتاي وغادر العديد من السكان المحليين المدينة أو يعيشون في منازل حاويات على مشارف المدينة. وسيستغرق التعافي بعض الوقت". وكانت طوابير طويلة تصطف بانتظام خارج متجره. وذكر صانع الأحذية مصطفى أوكي أن أصحاب المتاجر في أوزون كارسي بازار ما زالوا يعانون ماديا، لكنه يأمل في أن تتحسن الأمور خلال الأشهر المقبلة. وأضاف "حصلت على قروض من البنوك ويتعين علي سدادها الآن... هناك ركود في الوقت الحالي، لكنني أتمنى أن يتحسن الوضع بعد انقضاء فصل الشتاء".
مشاركة :