نحو بناء تيار للقوى الوطنية المدنية

  • 4/4/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

الانهيار المدوي للقوى المدنية المؤمنة بالديمقراطية وبمدنية الدولة والذي كشفته الأحداث 2011م وما تلاها من أيام الجمر، بين كم هي هشة تلك القوى، وكم هو هش ارتباطها بالقيم الديمقراطية المدنية وبقيم الحداثة، حيث انساقت في أيام قليلة وسط العواصف الهوج والمطامع السياسية وراء الإغراء الطائفي المميت، فوجدت فيه ملاذًا آمنًا، أو هكذا اعتقدت، فتبخرت جميع تلك القيم التي حسبنا أنها راسخة وأنها مقدمة على جميع ما هو سياسي وما هو مطامح آنية. ولذلك وجدت نفسها مكبلة بشرك نصبته لها القوى الدينية - الطائفية لا تستطيع منه فكاكًا، سواء في الموقف السياسي أو في الخطاب السياسي والإعلامي أو في القدرة على المناورة، لأن تلك القوى الطائفية لا تقبل بحلول الوسط أو بأي مجال للتنازل، بل تريد من الذين يقبلون بالتحالف معها مطابقة كاملة وبالتالي تبعية مطلقة. وهذا ما جعل القوى المحسوبة على التقدمية وعلى الحداثة والمدنية، غير قادرة على الحركة أو حتى على التعبير الحر على مواقفها، أو حتى الانسحاب من شبكة الورطة التي وقعت فيها، بما في ذلك القدرة على الاستفادة من الحوارات الوطنية التي فتحت في أكثر من مناسبة وكان بالإمكان أن تساعدها على الخروج من نفق التآكل السياسي. وأذكر في هذا السياق العديد من الحوارات التي أجريتها مع بعض الذين كنا نعتقد أنهم ينتسبون إلى التيار الديمقراطي المدني الحداثي، ومنها النموذج التالي: قال: السلطة لم تعطِ مجالًا للحوار والتوافق السياسي حول الملفات التي ترفعها المعارضة، ولذلك لا مناص من البحث عن بناء تحالفات الممكن لتكوين بنية ضاغطة تمكننا في التحرك نحو المستقبل. قلت: بغض النظر عن مدى صحة ما ذهبت إليه بشأن إغلاق أبواب الحوار فقد كان بالإمكان، واستنادًا إلى نفس المنطق المتصل بالحاجة إلى التنسيق واللقاء من اجل حلحلة الملفات الوطنية، فتح الباب أيضا للتنسيق مع السلطة في الملفات المشار إليها - وهو تنسيق قائم بالفعل في الوقت الحاضر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية - بل دع عنك السلطة وليكن التحالف بين القوى التقدمية الديمقراطية نفسها، على قواسم مشتركة لا نظنها متباعدة، وحتى وان لم تحقق نتائج فورية على صعيد الانجاز السياسي والانتخابي، فإنها بالتأكيد سوف تحقق انجازات نوعية على الصعيدين السياسي والفكري والمبدئي، بما يعزز الثقافة الديمقراطية والدفاع عن الحريات العامة والفردية وتعزيز دولة القانون والمساءلة، وهنالك بلا شك ملفات إذا ما طرحت ضمن هذا الأفق سوف تحظى باهتمام ومصداقية لدى المواطنين ولدى السلطة نفسها، وسوف يكون تأثير وجود تيار وطني ديمقراطي مدني حداثي يتألف من كافة القوى الوطنية المؤمنة بالديمقراطية والحرية ودولة القانون والعقلانية في الرؤية والواقعية في التحرك نحو تحقيق الانجازات الوطنية على صعيد البناء الديمقراطي، تأثيرًا قويًا وفاعلًا وحاسمًا في مواجهة الطائفية السياسية والتخلف الفكري اللذين من مظاهرهما المؤلمة تغلغل الطائفية بين المواطنين، وسيطرة الطائفيين والفوضويين على المشهد السياسي، والخروج عن القانون وتعريض أمن البلاد والعباد للخطر بالعبث اليومي، واتخاذ بعض المواقف التي تميل إلى تبرير الكوارث والحرائق والتعدي على القانون وعلى الناس أجمعين، بل واللجوء إلى الأجنبي الذي لا يريد خيرًا بأحد والتعامل معه بشكل فج وغير لائق حتى بالمعنى الأخلاقي والوطني... قال: إن السلطة لم تترك لنا مجالًا للحوار أو التواصل، فلا فرصة للتأثير والتفاهم، فما بالك التنسيق، مما ساعد على مزيد من التهميش وسط محركات السياسة الرسمية وفقد الثقة في إمكانية التوصل إلى قواسم مشتركة معها، ولو مرحليًا.. قلت: وليكن، فالسلطة في أي مكان في العالم من طبعها تتخذ المواقف بحسب الظروف وتوازن القوى، ولكنها في جميع الأحوال، وبحكم طبيعتها الواقعية مستعدة لكافة التوافقات والحلول الوسطى، ولكن المشكلة تتمثل في أن بعض القوى التي نشأت وتطورت تاريخيًا بوصفها معارضة ديمقراطية تقدمية مدنية وحداثية وتستمد شرعية حضورها من وضوح برامجها السياسية وصدقية تحالفاتها واتسامها بالتناسق مع مبادئها الأساسية، ومن اعتمادها النشاط السلمي أسلوبًا في نضالها، والتمسك بدولة القانون وبآليات العمل الديمقراطي، لا تبدو اليوم حاسمة وواضحة ومتناسقة في هذا الخصوص، مما يثير الريبة والشك حول أهدافها وتكتيكاتها وتحالفاتها، بعد أن تحالفت بصراحة مع القوى الطائفية وتبنت مواقفها وأطروحاتها.. وقد كنت أحسب أن من يمتلك الرؤية العقلانية الواقعية يدرك أن إنجاح المشروع الإصلاحي في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة يعد في تقديري عملاً تقدميًا من الدرجة الأولى، وبذلك يكون الموقف الديمقراطي - التقدمي انسجامًا مع التوجه الإصلاحي، لا دفعًا به إلى الوراء، خاصة وان التحالف مع القوى الطائفية المحافظة من شأنه أن يقوى الاتجاه نحو النكوص الفكري والسياسي بل وحتى نحو الخوف من الديمقراطية نفسها من اكتساب المرأة حرية أكبر، هكذا افهم الأمور، وهو مجرد اجتهاد، قد يكون خاطئًا، ولكنني مؤمن به بعمق، إلى أن يأتي ما يقنعني بخلافه. قال: قد تكون استنتاجاتك غير دقيقة، فكلامك اقرب إلى الملاحظات النظرية، منه إلى التحليل الواقعي، فنحن في المعارضة لسنا نرفض الحوار والجلوس إلى الطاولة للتوافق حول القضايا الوطنية.. قلت: لسنا هنا بصدد مناقشة المبادرات الوطنية للحوار التي أضعتم فرصها المتكررة للحصول على مكاسب تعيدكم إلى سكة الحراك السياسي الوطني المفيد، ولكننا بصدد الحديث عن التحالفات غير المبدئية التي تقود إلى تكريس الطائفية ونشر الشكوك وتقسيم المجتمع، والتسخير الكلي للواجهة الحزبية للترويج لمثل هذه التحالفات والدفاع عن التجاوزات، مما قاد فعليًا إلى الانحدار نحو سوء التدبير السياسي، وتقوية القوى التي تمارس عنف المعتقد. لقد كنتم سببًا مباشرًا في تعريض ما بقي من القوى الديمقراطية التقدمية المدنية إلى كارثة حقيقية، وإلى تقزيم لها والتشكيك في مبدئيتها الفكرية حتى. همس في الفراش الوردي تسكبين الطيب، تنشرين الجدائل، تسامرين الروح لحظة النزع، ترشفين ماءها الشهي. وعند استفاقة الفجر تحرقينها.. مع غبطة القبرات أول الربيع. إليك أحمل المشاعل وزينة الأعراس. في سحر النهارات المطيرة نفترش الأقدار. ننتظر الشموس تلتصق بالعيون ولا تشبع! نتشهى الأحلام والورود أو ننتهي لحظة اللقاء. رائع أن نسكن الغيوم لحظة الرحيل، أن نفتح النوافذ، أن نرافق السحاب. أن نبقى، رائع لو نبقى..

مشاركة :