الرباط - يتناول فيلم "شوغر دادي" للمخرج محمود كريم والسيناريست لؤي السيد قصة كوميدية حول رجل يمر بأزمة منتصف العمر، يقرر الرجل بناء علاقة سرية مع راقصة، مما يؤدي إلى تغييرات كبيرة في حياته وحياة أسرته في قالب يجمع بين الكوميديا والدراما، ويضم العمل نخبة من الممثلين بما في ذلك ليلى علوي، بيومي فؤاد، حمدي الميرغني، مصطفى غريب، تامر هجرس، ومي الغيطي. تمتزج الفنون الكوميدية في هذا العمل لتروي قصة ساخرة تستقطب الانتباه وتشد الأنظار منذ افتتاحية الفيلم التي بدأت بأغنية تحت عنوان "شوغر دادي" للفنان هشام عباس مع بداية الجينيرك، هي الأغنية التي تحمل نفس عنوان العمل، والتي ترمز للرجل الكبير الذي ينفق أمواله على خليلة أو معشوقة، وهو ما يجعل الأغنية تلخص الحكاية التي الذي يتحدث عن رجل في منتصف العمر يُدَّعَى "شوقي" الذي يجسده الممثل بيومي فؤاد، يقوم بإبلاغ أبنائه "محيي" الذي يجسده الممثل حمدي الميرغني، و"حسام" الذي يجسده الممثل مصطفى غريب برغبته الزواج من امرأة أخرى تُدْعَى "كاتي" التي لعبت دورها الفنانة جوهرة، وهي راقصة، فترفض زوجته "أميمة" التي لعبت دورها الممثلة ليلى علوى، هذا الزواج وتحاول التواطؤ مع صديق طبيب نفساني اسمه "زياد" الذي جسده الممثل تامر هجرس من أجل منع شوقي من الزواج. النص السينمائي جيد ومتماسك، ويحافظ على حوارات استبدالية كوميدية منذ بداية تكوين اللقطات، ولا سيما في المشهد العام الأول الذي يبرز براعة اختراع المهندس "محيي"، إذ ابتكر جهازًا يحول شخير الإنسان إلى طاقة شحن كهربائية، الفكرة في حد ذاتها مستفزة، وتسخر من الشخصيات التي تعاني آفة الشخير، وقد ظهر نوع من السخرية عندما نبه "حسام" زوجته "نيرمين" التي لعبت دورها الممثلة فرح الزاهد بأن الجهاز يليق بها كونها من أبطال الشخير بالليل. يعد أداء الممثل أحمد الميرغني في الفيلم عمومًا مميزا، ويخلق جوًا من الكوميديا الطريفة ليس فقط على مستوى حواراته، ولكن أيضًا على مستوى تحركاته الجسدية وتعبيرات وجهه، فهذا الممثل نجم كوميدي صاعد، ويحمل المكانة التي نالها الممثل أحمد حلمي. بعد سبع دقائق، تأخذنا آلة التصوير إلى غرفة "أميمة" مع زوجها "شوقي" الذي حمل في طياته خطاب حول احتفالهما بفوز ابنهما المهندس ببراعة اختراع، كانت الأجواء تتجه نحو احتفال حميمي بين الزوجين، ولكن هذا ما رفضته "أميمة"، حيث تحججت بالتعب، مما جعل "شوقي" يأخذ موقفًا حساسًا ينذر بحدث مشوق قادم. يعتبر هذا المشهد هو المحرك الأساسي لعنوان الفيلم "شوغر دادي"، لماذا؟ لأنه يستعرض موضوعات عميقة ومعقدة بطريقة ساخرة، حيث تندمج الشخصيات والخلفيات لتضع اللبنة الأولى لتسلسل أحداث كوميدية، وفي الوقت نفسه علاقة الزواج بين "شوقي" و"أميمة"، التي أصابها برودًا بسبب انشغالات "أميمة" وأعذارها اللامتناهية. وفي موازنة بين مشهدين مفتوحين، يظهر الفيلم تباينًا واضحًا في استخدام الألوان لنقل مزاج مختلف، مما يعزز التطور العاطفي للقصة، إذ يكمن المزاج الأول في رغبة "شوقي" لممارسة حميمية مع زوجته "أميمة"، وهي تتحجج بالتعب، بينما يتجه "شوقي" في المزاج الثاني للسهر والاحتفال بعيد ميلاد صديقه، الذي يعرفه بالراقصة "كاتي"، فيعجب بأدائها وجسدها الفاتن، مما يجعل "شوقي" يصبغ شعره ويغير أسلوب لباسه وتتغير رتابة يومه. تتميز متتالية هذه المشاهد بتناغم موسيقي يعزز لقطات اللهو والسهر والإثارة، مما يجعل الصوت والغناء لاعبًان أساسيًان في إيصال رسالة حب الذات وعيش الحياة، كما تتناول المقطوعة الموسيقية في مشهد رقص "كاتي" مقابل مشهد الرتابة في غرفة "أميمة" كتعبير عن الأوضاع العاطفية للشخصيات الرئيسة. ويبرز تكوين اللقطات اللاحقة الصراعات التي يعيشها "شوقي" مع أبنائه "محيي" و"حسام"، عندما يكتشفان أن أبيهما يعيش فترة مراهقة متأخرة، أو أزمة منتصف العمر، وينصحانه بزيارة طبيب نفساني لتجاوز هذه الصدمة، الشيء الذي يرفضه "شوقي"، ويقرر الزواج من "كاتي"، كونه أبوهما، ولا يحق لهم محاسبته لأنه اعتنى بهم جيدًا حتى أصبحوا رجالًا، وهذا الحوار الاستبدالي والجدالي، يحقق منطق الفيلم الساخر من أزمة منتصف العمر، ومن خلال التصوير المتقن واختيار الألوان والديكورات بعناية في هذا الصراع العائلي ينجح العمل في إيصال رسالته من جهة، ودفع بالأحداث إلى ذروتها من جهة أخرى. تألق الممثل "بيومي" بأداء رائع يجسد فيه شخصية "شوقي" بسلاسة، عكس أدائه الردييء في فيلم "الصف الأخير" الذي لعب فيه دورًا باهتًا بأداء متكلفً وخاليً من أي تعبير حسي، وكأنه فيلم طلاب المدارس، وقد شكل خيبة أمل كبيرة لعشاق ومتابعين "بيومي"، أما أداء ليلى علوي الذي قدمت شخصية "أميمة" فكان معقولًا، رغم أنه غير محبوك دراميًا وكوميديًا لكنه مقبول في فيلم ساخر مثل هذا. يعزز استخدام الإضاءة من التركيز في المشاهد على الفضاء العام الذي جرت فيه الأحداث سواء على متنزه البحر، وداخل الفندق السياحي للشاطئ، إذ كانت الكاميرا تتبع الأحداث بشكلٍ عام، وتسلط الضوء على التفاصيل الصغيرة أحيانًا عندما يستخدم المخرج اللقطة المقرَّبة، والتي تُبرز تعابير الكوميديا على وجوه الشخصيات، لتعزيز التفاعلات بين الجمهور. أما الصوت والموسيقى، فيكملان الأجواء المشحونة لمجريات الأحداث، تأتي الذروة عندما تكتشف "أميمة" أن زوجها "شوقي" يقيم علاقة مع راقصة تصغر منه سنًّا، تقوم "أميمة" بخطة للإيقاع به مع زميلها "زياد"، ليُغيِّظ "شوقي" بتقربه من "كاتي"، مما يعيده إلى الصواب، إذ يتم دمج التوتر والتشويق والكوميديا بشكلٍ ممتاز في هذه المشاهد، مع تطورات الحبكة بإيقاع هادئ ومنظَّم، مما يجعل المشاهدين ينتظرون بصبر نافذ النهاية. يستخدم المخرج اللغة الجسدية بشكلٍ رائع في المشاهد التي يظهر بها "زياد"، مما يؤكد على قوة اللغة البصرية في جعل المشاهد ينتقل من أجواء منغلقة إلى أجواء منفتحة تقدم تجربة كوميدية معقولة ومثيرة حيث ينسجم كلٌ من الحوار والشخصيات وتقنيات التصوير لخلق سلسلة من الأحداث الفكاهية تنتهي بإدراك "شوقي" لذنبه في حق زوجته وأبنائه، مما حمل الجمهور إلى عالم واقعي من جهة واخر كوميدي خفيف من جهة أخرى.
مشاركة :