اليوم، يقضي معظم الناس على هذا الكوكب أكثر من نصف ساعات يقظتهم في العمل، بما في ذلك التنقل بين مكان العمل والمنزل؛ وأثناء نومهم يتعافون من جهد العمل. ومن هذا المنطلق، يتبين لنا أن قصة العمل هي إلى حد كبير تاريخ البشرية. شرع جان لوكاسن، المؤرخ الهولندي ومؤلف عدد من الكتب حول العولمة والهجرة، في استعراض تاريخ العمل البشري، بدءًا من خطواتنا الأولى قبل 700 ألف سنة إلى صعود الروبوت الآن. والنتيجة هي مسح موسوعي شامل يمثل أيضًا جولة في تاريخ البشرية. سيكون من المثير أن نرى كيف يمكن لتاريخ العمل الذي يمتد عبر هذا الإطار الزمني الواسع أن يكون مليئًا بالاستقراءات الغامضة من الدراسات الأثرية، لكن التفاصيل هي التي تجعل هذا الأمر مثيرًا للاهتمام. يشتمل الكتاب على سبعة فصول موضوعية. يغطي (الفصل الأول) مئات الآلاف من السنين حتى 12000 سنة مضت؛ أي أننا في 30 صفحة نتناول حوالي 98% من تاريخ البشرية، حيث كان العمل خلال معظم الوقت يتألف في المقام الأول من "الصيد وجمع الثمار". ويتناول (الفصل الثاني) اختراع الزراعة، وثورة العصر الحجري الحديث، التي تغطي آلاف السنين الخمسة من 10000 إلى 5000 قبل الميلاد. ويمتد (الفصل الثالث) من 5000 إلى 500 قبل الميلاد، عندما ظهرت المدن والولايات. وبحلول نهاية هذا الوقت، يوضح لوكاسن كيف ظهرت جميع أنواع علاقات العمل المختلفة التي نعرفها حتى يومنا هذا. حيث انضمت أنظمة الإنتاج والتوزيع المركزية إلى مجتمع الصيد وجامعي الثمار والأسر الزراعية وعلاقات التبادل المتبادل، والعبودية، والأسواق، والعاملين لحسابهم الخاص، وأصحاب العمل والموظفين الأوائل، إلى جانب تقسيمات أكثر حدة بين الجنسين. ويمتد (الفصل الرابع) على مدى ألفي عام، من 500 قبل الميلاد إلى 1500 بعد الميلاد، ويتحدث بشكل أساسي عن الانتشار غير المستقر للعمالة المأجورة، على الرغم من أنه يتضمن أيضًا أمثلة عن المجتمعات غير السوقية في الأمريكتين. أما (الفصل الخامس) فيغطي القرون الثلاثة فقط من 1500 إلى 1800، ولكنه يستغرق ما يقرب من 100 صفحة، مما يمهد الطريق للقرون الثلاثة التالية، من 1800 إلى الآن. سيكون القرنان الأخيران اللذان يشكلان موضوع الفصلين الأخيرين من هذا الكتاب الموسوعي مألوفين أكثر للقارئ الحديث من القرون السابقة. ولعل أحد الأسئلة التي تُثار في نهاية هذا التاريخ العميق للعمل عبر الزمان والمكان هو ما إذا كان سيحدد كيفية تنظيم العمل وتنفيذه من الآن فصاعدًا. وهناك أيضا كتاب "الرجل الذي ظن أن العمل هو حياته: استراتيجيات التوازن بين العمل والعواطف"، فبالنسبة لمعظمنا في مكان العمل الحديث، عادةً ما تكون مبعث قلقنا هو أسباب اعتيادية من قبيل نحن لا نحب رئيسنا في العمل، أو لم نحصل على زيادة في الأجور، أو لم تسر مراجعة أدائنا على ما يرام. تمثل بواعث القلق هذه محور كتاب ناعومي شراغاي بعنوان "الرجل الذي ظن أن العمل هو حياته: استراتيجيات التوازن بين العمل والعواطف". في عالم اليوم حيث تتلاشى الحدود بين الحياة الشخصية والمهنية بشكل متزايد، يأتي هذا الكتاب كمرشد لمجابهة هذا التحدي الشائك. وهو في الواقع، كتاب مساعدة ذاتية، حيث يستكشف العلاقة المعقدة بين العمل والعواطف الشخصية، ويقدم رؤى عميقة حول كيف يمكن للأفراد أن ينقلوا، دون وعي، مشاعرهم ومشاكلهم الشخصية إلى مكان العمل. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ناعومي هي معالجة نفسية ومدربة تنفيذية تساعد الشركات والأشخاص الذين يعانون من مشاكل متعلقة بالعمل. وتكتب عن الجوانب النفسية للعمل في صحيفة فاينانشال تايمز. تستخدم ناعومي سلسلة من الأمثلة والقصص الواقعية لتوضيح كيف تؤثر تجاربنا الشخصية، مثل العلاقات الأسرية أو الصدمات السابقة، على كيفية تفاعلنا مع الزملاء والمديرين ومواقف العمل المختلفة. من خلال تحليل مدروس، يُظهر الكتاب كيف يمكن لهذا النوع من الإسقاط العاطفي أن يؤدي إلى نتائج سلبية مثل تقلبات المزاج في العمل، ومشاكل في التواصل، وحتى نشوب الصراعات المهنية. ولكن، لا يقتصر الكتاب على تسليط الضوء على المشاكل فحسب، بل يقدم أيضًا حلولًا عملية واستراتيجيات للتغلب على هذه التحديات. حيث يؤكد الكتاب على أهمية الوعي الذاتي كخطوة أولى لفهم كيف تتشكل تصرفاتنا في العمل بناءً على خلفياتنا العاطفية. وتقدم الكاتبة نصائح حول كيفية تطوير المرونة العاطفية وإدارة العواطف بطريقة صحية، وكيف يمكن للوعي الذاتي أن يؤدي إلى بيئة عمل أكثر إيجابية وتعاونية. في الختام، يقدم هذا الكتاب الممتع للقراء أدوات واستراتيجيات ليس فقط لفهم أنفسهم وسلوكياتهم في العمل بشكل أفضل، ولكن أيضًا لتطوير طرق صحية للتعامل مع الضغوط والتحديات العاطفية في بيئة العمل. إنه دليل شامل يساعد على تحقيق توازن أفضل بين الحياة المهنية والشخصية، ويقدم فهمًا أعمق للذات لتحسين العلاقات داخل بيئة العمل.
مشاركة :