مرت سنة على الحرب التي تقودها السعودية مع التحالف العربي هناك منذ إسقاط الحكومة الشرعية! والسؤال يفرض نفسه، ما النتيجة؟ هل نقول إن صنعاء لم تحرر، وإنه لم يُقضَ على قوات العدو؟ أم نقول إنه تم إسقاط حكم الانقلاب، وإفشال مشروع إيران في خلق دولة جنوب المملكة العربية السعودية تهدد الخليج كله وتغير معادلة التوازن الإقليمي؟ لنقارن حرب اليمن بحرب أفغانستان. الولايات المتحدة دخلت الحرب هناك بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، أي منذ أكثر من أربعة عشر عاماً، وتستطيع أن تقول إنها دمرت منظومة القاعدة، وأقصت حكومة طالبان طوال هذه الفترة. بمقاييس أفغانستان، قوات التحالف العربي فعلت في سنة أكثر مما فعله الأميركيون في عقد ونصف. حققت نتائج مماثلة.. إضافة إلى أنها فعلياً تسيطر على مساحات ومحافظات يمنية أكثر من خصومها، وهذا لا يعني أنها قضت على قوات الرئيس السابق علي صالح ولا ميليشيات الحوثي.. كما أن تنظيم القاعدة المستوطن هناك، قبل الحرب بسنوات، لا يزال حيّاً يهاجم قوات الشرعية والتحالف. وبعد مرور عام، لا شك أن المكاسب السياسية والميدانية هي التي قلصت عدد الأصوات المعارضة، والمتشككة، ففي منطقتنا المنكوبة، من الطبيعي أن يكره أهلها الحروب. عندما شنت أولى الهجمات الجوية، في مثل هذا الأسبوع من العام الماضي، كان الحوثيون وقوات صالح قد استولوا على كل اليمن، وأعلن المتمردون عن تشكيل حكومتهم، ورفضهم قرارات مجلس الأمن، وأصبح وجودهم تقريباً أمراً واقعاً على الجميع أن يقبل به. وصار الكابوس حقيقة، دولة أخرى في فلك إيران، تحاصر دول الخليج جنوباً، بعد أن حاصرتها من العراق وسوريا شمالاً. كان بحوزة المتمردين كل ترسانة سلاح الجيش اليمني الذي استولوا عليه، بما فيه منظومة صواريخ سكود القادرة على تهديد المدن السعودية فعلياً. إلا أن الحرب هدمت فوراً نظام الحوثيين وصالح السياسي الذي بنوه بعيد استيلائهم على العاصمة صنعاء، وحالت دون خلق إيران وضعاً مشابهاً للعراق وسوريا، بإرسالها قوات من الحرس الثوري وميليشيات من حزب الله وأخرى عراقية. التحالف حاصر الأجواء والموانئ اليمنية التي اعتمدت قوات تفتيش دولية لتكون فاعلة وشاهدة.. وخلال العام المنصرم ردت قطع بحرية عسكرية أميركية وفرنسية وأسترالية سفناً محملة بأسلحة قادمة من إيران لحليفيها. لم تمنع سفينة أو شحنات مساعدات إنسانية من الوصول إلى البر اليمني، لهذا كان مهماً الاستعانة بقوى بحرية دولية تماشياً مع قرار مجلس الأمن، واستخدام جيبوتي ميناء للتفتيش يقوم به فريق من الأمم المتحدة أيضاً. الحرب، من وجهة نظر أولئك الذين يرصدون الوضع الإقليمي، كانت الخيار الوحيد لمنع الحرس الثوري وحزب الله من احتلال اليمن وتحويله إلى جبهة حرب إقليمية كبرى بين السعودية وإيران. استرداد معظم المحافظات اليمنية في حرب عام إنجاز عسكري كبير في بلد وعر، يشابه أفغانستان في تضاريسه وتقسيماته القبلية. الحرب لم تنته، لا تزال مستمرة بوتيرة أقل.. حيث تقترب قوات الحكومة الشرعية من العاصمة صنعاء، وهي المعركة الأخيرة، لهذا وافق صالح والحوثيون على التفاوض في الكويت، وأرسلوا فريقاً يمثلهم للعاصمة السعودية. ويحدو الجميع الأمل بأن تكون بوادر حل سياسي يختتم الحرب، وأن يتجه الجميع نحو ترميم الشرعية، وتفعيل قرارات مجلس الأمن التي رافقت الأزمة منذ بداية الربيع اليمني في عام 2011. وقبل الانقلاب كان الشعب اليمني قد أنجز مشروعه السياسي، برعاية ممثل الأمم المتحدة، وأقر انتخاب حكومة انتقالية، وشرع في كتابة الدستور، حتى تجرأ الرئيس المخلوع مع ميليشيات الحوثي على احتلال صنعاء واعتقال أعضاء الحكومة المنتخبة. المرجو من المفاوضات أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وتعتمد الحل الدولي، وتستكمل إجراءات الانتقال السياسي نحو نظام نيابي يمثل الجميع، وينتخب قيادته لاحقاً، برعاية الأمم المتحدة مجدداً. حينها تنتهي الأزمة اليمنية، ويختتم بذلك فصل مأساوي ما كان يجب أن يحدث منذ البداية لولا أن المتمردين ظنوا أنهم يستطيعون الاستيلاء على الحكم في اليمن، معتقدين أن السعودية، مع حلفائها، لن يتجرأوا على ردعهم بالقوة العسكرية. والحقيقة أن المتمردين لم يخطئوا في حساباتهم فقط، بل كانوا سبباً في قرع جرس الخطر في منطقة الخليج.. حيث التقت حكوماتها واتفقت على مواجهة إيران وحلفائها في اليمن، وإرسال رسالة واضحة إلى القيادة الإيرانية والمجتمع الدولي أنها لن تقبل بسياسة البلطجة التي تمارسها حكومة طهران في منطقة الشرق الأوسط. الكثيرون فوجئوا بالقدرات العسكرية للسعودية والإمارات وخوض حرب كاملة، وفي الوقت نفسه تقوم بالعمل ميدانياً على إعادة بناء القوات اليمنية وتدريبها. لهذا، حرب اليمن مثلت مجموعة مواجهات متعددة، أولاها منع قيام نظام مليشياوي في اليمن، مماثل لحزب الله في لبنان، والثانية حماية السعودية جنوباً من فتح جبهة معادية لها، قد تطول حربها سنوات أو عقوداً مقبلة، والثالثة إرسال رسالة إلى الدول الكبرى بعدم قبول رضوخها لمشروع التوسع الإيراني الذي يتمدد في المنطقة دون رادع.
مشاركة :